مقتضی الأصل اللفظی فیما لو شکّ فی واجب أ‏نّه نفسی أو غیری

مقتضی الأصل اللفظی فیما لو شکّ فی واجب أنّه نفسی أو غیری

‏ ‏

‏ثمّ إنّه إذا شکّ فی واجب بأنّه نفسی أو غیری فربّما یقال : إنّ الإطلاق‏‎ ‎‏یقتضی کونه نفسیاً ؛ فإنّ المحتاج إلی البیان کون الخطاب لأجل غیره‏‎[1]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ التقسیم یحتاج إلی تصویر جامع بین الأقسام حتّی یتمیّز الأفراد‏‎ ‎‏عنه بخصوصیة زائدة علی مقسمه ، ولیس هو هنا نفس الحکم ؛ لأنّه أمر إیجادی‏‎ ‎‏جزئی ، وقد تقدّم‏‎[2]‎‏ أنّه یمتنع تصویر جامع حقیقی بین الإیجادیات ؛ لأنّ الجامعیة‏‎ ‎‏تساوق الکلّیة فلابدّ أن یکون مع اعتبار کونه جامعاً من سنخ المصادیق بالذات ؛‏‎ ‎‏بأن یکون فی حال کونه جامعاً ، إیجادیاً أیضاً ، ولکن الإیجاد ـ ولو اعتباراً ـ عین‏‎ ‎‏الفردیة والخصوصیة ، فکیف تجتمع مع الجامعیة ؟‏

‏فلا مناص من أن یکون تقسیم الحکم إلیهما باعتبار مبادٍ متقدّمة علی‏‎ ‎‏الحکم ؛ بأن یقال : إنّ الوجوب إمّا لأجل التوصّل إلی مبعوث إلیه فوقه ، وإمّا‏‎ ‎‏لا لأجـل ذلک ، بل تعلّق بشیء مـن غیر أن یکون خطاب فوقـه ، وقـد تقدّم‏‎[3]‎‏ ‏‎ ‎‏نظیره فی تحقیق معنی الوجـوب والندب . فحینئذٍ کلّ مـن النفسیة والغیریـة‏‎ ‎‏متقوّم بقید زائد .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 345
‏وکذلک إذا قلنا بأنّ البعث الکلّی موضوع له وجامع بینهما ؛ وإن کان خلاف‏‎ ‎‏التحقیق ؛ إذ علیه یحتاج کلّ واحد إلی البیان ـ ولو من باب زیادة الحدّ علی‏‎ ‎‏المحدود  ـ سواء کان القیود وجودیة أو عدمیة . وقد مرّ‏‎[4]‎‏ أنّ القید العدمی فی‏‎ ‎‏الندب ونظیره لم یؤخذ علی نحو السالبة المحصّلة ، بل علی نحو الموجبة السالبة‏‎ ‎‏المحمول أو السالبة المعدولة ، وإلاّ یلزم أن یکون المقسم عین القسم .‏

‏نعم ، لایبعد أن یقال : إنّ الحمل علی النفسی مقتضی الانصراف ، لا بمعنی‏‎ ‎‏انصراف جامع کلّی إلی أحد أقسامه ؛ فإنّ التحقیق ـ کما عرفت ـ أنّ الموضوع له‏‎ ‎‏فی الهیئة وما أشبهها خاصّ ، وهی لا تستعمل فی النفسی والغیری إلاّ استعمالاً‏‎ ‎‏إیجادیاً لنفس البعث والإغراء ، بل بما أنّ البعث لأجل الغیر لمّا کان نادراً بالمعنی‏‎ ‎‏الذی أسمعناک ، فلا یعتنی باحتماله لدی العقلاء .‏

‏وإن شئت قلت ـ طبق ما قرّرناه فی البحث عن هیئة «افعل» ـ إنّ البعث‏‎ ‎‏المتعلّق بشیء حجّة علی العبد ، ولایجوز التقاعد عن امتثاله باحتمال کونه مقدّمة‏‎ ‎‏لغیره إذا فرض سقوط أمره .‏

‏هذا ، وربّما یقال : إنّ الوجوب الغیری لمّا کان مترشّحاً عـن وجوب الغیر‏‎ ‎‏کان وجوبه مشروطاً بوجوب الغیر ، کما أنّ الغیر یکون مشروطاً بالواجب الغیری ،‏‎ ‎‏فیکون وجوب الغیر من المقدّمات الوجوبیة للواجب الغیری ، ووجود الواجب‏‎ ‎‏الغیری من المقدّمات الوجودیة لذلک الغیر ، کالصلاة والوضوء فهی مشروطة به ،‏‎ ‎‏ووجوبه مشروط بوجوبها .‏

‏فحینئذٍ یرجع الشکّ فی کون الواجب غیریاً إلی شکّین : أحدهما الشکّ فی‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 346
‏تقیید وجوبه بوجوب الغیر ، وثانیهما الشکّ فی تقیید مادّة الغیر به ، فیرفع الشکّان‏‎ ‎‏بإطلاق المادّة والهیئة ، بل إطلاق أحدهما کافٍ لرفعهما ؛ لحجّیة مثبتات الاُصول‏‎ ‎‏اللفظیة‏‎[5]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ القول بکون وجوبها مشروطاً بوجوب ذیها لا یجتمع مع‏‎ ‎‏القول بکون وجوبها مترشّحاً عن وجوبه ؛ لاستلزامه أن یکون المعلول متقیّداً‏‎ ‎‏ومشروطاً بعلّته ، وهو باطل بالضرورة .‏

‏أمّا الملازمة : فلأنّ الإرادة الغیریة إذا کانت مفاضة عن الإرادة النفسیة علی‏‎ ‎‏نحو الإیجاد تکون الاُولی فی حدّ المعلول بالنسبة إلی الثانیة .‏

‏وتقیید وجود المعلول بعلّته : إمّا فی حال وجوده ، وهو یستلزم أن یوجد‏‎ ‎‏المعلول بتمام شؤونه ، ثمّ یرتبط بعلّته بعد استقلاله . وإمّا فی حال عدمه ، وهو باطل‏‎ ‎‏بالبداهة ؛ لأنّ المعدوم الباطل العاطل کیف یقع طرفاً للإضافة ؟‏

‏والحاصل : أنّ اشتراط الشیء فرع وجوده ؛ ضرورة أنّ المعدوم لایشترط‏‎ ‎‏بشیء ، ولابدّ أن یکون الواجب الغیری متحقّقاً ثمّ یشترط بشیء ، وهو لایجتمع مع‏‎ ‎‏فرض کونه معلولاً . فاشتراط المعلول بوجود علّته مستلزم لوجوده قبل وجودها ،‏‎ ‎‏أو اشتراط المعدوم فی حال عدمه .‏

‏فإن قلت : یمکن أن یکون مراده من الشرطیة ما حقّق فی محلّه‏‎[6]‎‏ من أنّ‏‎ ‎‏للمعلول ضیقاً ذاتیاً من ناحیة علّته ؛ بمعنی أنّ المؤثّر فی هذه الحرارة الخارجیة‏‎ ‎‏لیست النار المطلقة ولا المقیّدة بهذه الحـرارة ، بل النار التی لاتنطبق إلاّ علی الحصّة‏‎ ‎‏المؤثّرة فیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 347
‏قلت : إنّ الضیق الذاتی أمر تکوینی دائر أمره بین الوجود والعدم ، لایقبل‏‎ ‎‏الوضع والرفع ، والبحث فیما یمکن أن یرفع بمعونة الإطلاق .‏

‏ثمّ لیس البحث هنا بحثاً اعتباریاً حتّی یقال : إنّ هذه البراهین ـ علی فرض‏‎ ‎‏صحّتها ـ راجعة إلی التکوین ؛ إذ قد عرفت أنّ الحکم عند القائل هی الإرادة‏‎ ‎‏المظهرة ، وهی من مراتب الخارج .‏

‏والحاصل : أنّ توقّف وجود شیء علی وجود شیء آخر غیر اشتراطه به ،‏‎ ‎‏واستناد المعلول إلی العلّة وضیقه الذاتی غیر التقیید والاشتراط .‏

فتحصّل ممّا ذکر :‏ أنّه لا مجال للتمسّک بالإطلاق لرفع الشکّ المزبور . أضف‏‎ ‎‏إلی ذلک : أنّ عدّ الواجب الغیری من قیود المادّة فی الواجب النفسی مطلقاً لایصحّ‏‎ ‎‏إلاّ فی الشرائط ، دون غیرها من الغیریات کنصب السُلّم بالنسبة إلی الصعود .‏

‏وأمّا القول بحجّیة مثبتات اللفظیة من الاُصول فإنّما یصحّ لو کانت من الطرق‏‎ ‎‏العقلائیة الکاشفة عن الواقع ، وهو محلّ تأمّل وتردّد .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 348

  • )) کفایة الاُصول : 136 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 198 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 199 ـ 204 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 235 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 220 ـ 222 .
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 209 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 132 .