إنکار المحقّق النائینی الواجب المعلّق و ردّه

إنکار المحقّق النائینی الواجب المعلّق وردّه

‏ ‏

وهم ودفع :‏ أمّا الأوّل فهو ما أورده بعض الأعاظم ـ علی ما فی تقریراته ـ‏‎ ‎‏وعلیه بنی بطلان الواجب المعلّق فیما إذا کان القید أمراً غیر مقدور ، وحاصله : أنّ‏‎ ‎‏التکلیف فی القضایا الحقیقیة لابدّ وأن یکون مشروطاً بالنسبة إلی جمیع القیود‏‎ ‎‏المعتبرة فی الموضوع ، من غیر فرق فی ذلک بین الزمان وغیره .‏

‏مضافاً إلی أنّ الزمان من الاُمور غیر الاختیاریة ، فلابدّ من أخذه مفروض‏‎ ‎‏الوجود ، وإلاّ یلزم تکلیف العاجز . وحینئذٍ کیف یمکن القول بأنّ التکلیف بالنسبة‏‎ ‎‏إلی سائر القیود یکون مشروطاً ، وبالنسبة إلی خصوص الوقت مطلقاً ؟ وأیّ‏‎ ‎‏خصوصیة فی الوقت ؛ حیث تقدّم الوجوب علیه دون سائر القیود ، مع اشتراک الکلّ‏‎ ‎‏فی أخذه قیداً للموضوع ؟‏

‏ولیت شعری أیّ فرق بین الاستطاعة فی الحجّ والوقت فی الصوم ، بل الأمر‏‎ ‎‏فی الوقت أوضح ؛ لأنّه لایمکن إلاّ أخذه مفروض الوجود ؛ لعدم تعلّق القدرة علیه ،‏‎ ‎‏ولایمکن أن تتعلّق إرادة الفاعل به ؛ لکونه أمراً غیر اختیاری .‏

‏والحاصل : أنّ مبنی الإنکار هو أنّ کلّ قید غیر اختیاری لابدّ أن یؤخذ‏‎ ‎‏مفروض الوجود ، ومعه لایمکن تقدّم الوجوب علیه ؛ لأنّه یلزم الخلف‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

قلت :‏ إنّ ما ذکره مبنی علی ما أخذه قاعدة کلّیة فی باب الشروط من أنّ‏‎ ‎‏الشروط کلّها من قیود الموضوع ، کما ربّما یکرّر فی کلامه : أنّ الموضوع لوجوب‏‎ ‎‏الحجّ هو العاقل البالغ المستطیع‏‎[2]‎‏ ، مع أنّـه غیر واضح ؛ إذ القیود بحسب نفس‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 334
‏الأمر مختلف ، لایعقل إرجاع واحد منها إلی آخر ؛ فإنّ القیود المحصّلة لغرض‏‎ ‎‏المولی علی نحوٍ لولاها لما اتّصف بالمحبوبیة ـ کما مرّ فی نحو الصلاة فی‏‎ ‎‏المسجد‏‎[3]‎‏ ـ لا معنی لإرجاعها إلی الموضوع ، بل هی من قیود المتعلّق ؛ فإنّ الطبیعة‏‎ ‎‏المطلقة لیست مطلوبة حتّی تقع تحت دائرة الطلب .‏

‏کما أنّ القیود التی لا تنقدح الإرادة إلاّ عند وجودها ـ وإن کانت الطبیعة‏‎ ‎‏وافیة للغرض ـ من قیود الهیئة أو الموضوع علی اصطلاحه، لا من قیود المتعلّق ؛ إذ‏‎ ‎‏المفروض أنّه لا دخل له فی اتّصاف الموضوع بالمصلحة ، بل له دخل فی ظهور‏‎ ‎‏الإرادة وانقداحها وتعلّق البعث ، کنزول الضیف علی المولی ، علی ما تقدّم‏‎ ‎‏توضیحه‏‎[4]‎‏ .‏

‏فحینئذٍ سؤال الفرق بین الاستطاعة والزمان ـ علی فرض کونه دخیلاً فی‏‎ ‎‏تحصیل الغرض واتّصافه بالصلاح ـ عجیب جدّاً ؛ إذ الاستطاعة من شرائط انقداح‏‎ ‎‏الإرادة ، فلا تقع تحت الطلب ، دون الثانی .‏

‏وظنّی : أنّ الذی أوقعه فی الاشتباه هو تخیّل أنّ الأمر بالمقیّد أمر بنفس‏‎ ‎‏القید ، فتخیّل : أنّ الشیء الخارج عن تحت الاختیار والحاصل بنفسه ـ کالوقت ـ‏‎ ‎‏کیف یکون واجباً ویقع تحت البعث‏‎[5]‎‏ ؟‏

‏وقد مرّ : أنّ الأمر بالمقیّد لیس أمراً بنفس القید ، وإلاّ لم یبق فرق بین الجزء‏‎ ‎‏والشرط ، بل أمر بالتقیّد ، وقد تقدّم أنّ البعث إلی الشیء لایتجاوز عمّا تعلّق به ،‏‎ ‎‏وذات القید خارج والتقیّد داخل .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 335
‏وإیجاد القید وإن کان أمراً غیر اختیاری ـ کالزمان والسماء ـ إلاّ أنّ إیجاد‏‎ ‎‏الصلاة تحت السماء مقدور ، وإتیانها فی وقته المزبور ـ لا قبله ولا بعده ـ أمر‏‎ ‎‏ممکن . فلو فرضنا أنّ القید سیوجد فی ظرفه أو یمکن له الإیجاد فی وعائه یصیر‏‎ ‎‏الواجب بالنسبة إلیه مطلقاً ، لا مشروطاً .‏

‏فاتّضح صحّة تقسیم الواجب المطلق إلی المعلّق والمنجّز ؛ وإن کان عادم‏‎ ‎‏الثمرة بالنسبة إلی المقدّمات المفوّتة التی أثبتنا وجوبها ، فراجع .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 336

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 186 ـ 187 .
  • )) نفس المصدر 1 : 339 و 457 ، 4 : 388 و 389 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 313 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 314 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 183 .