الجهة الثانیة‏: فی حکم الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه

الجهة الثانیة : فی حکم الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه

‏ ‏

‏نبحث فیها عن أنّ الواجب المشروط وجوبه فعلی قبل تحقّق شرطه أولا ؟‏

‏والمشهورالمنصور هوالثانی‏‎[1]‎‏ ، وتوضیحه یتوقّف علی تحقیق حقیقة الحکم:‏

‏لا إشکال فی أنّ الآمر قبل إنشاء الحکم یتصوّر المبعوث إلیه ویدرک فائدته‏‎ ‎‏ولزوم حصوله بید المأمور ، فیرید البعث إلیه بعد تمامیة مقدّماته .‏

‏إنّما الکلام فی أنّ الحکم هل هو الإرادة أو الإرادة المظهرة أو البعث الناشئ‏‎ ‎‏منها ؛ بحیث یکون الإرادة کسائر المقدّمات من مبادئ حصوله لا من مقوّماته ؟‏

التحقیق :‏ هو الأخیر بشهادة العرف والعقلاء ، ألا تری أنّ مجـرّد صدور‏‎ ‎‏الأمـر من المولی یکفی فی انتقال العبید إلی وجوب الإتیان ، من غیر أن یخطر‏‎ ‎‏ببالهم أنّ أمره ناشٍ من الإرادة أو أنّ هنا إرادة فی نفسه وهو یحکی عنها ؟ بل‏‎ ‎‏قد عرفت‏‎[2]‎‏ أنّ البعث والإغراء بأیّ آلة کانت فهو تمام الموضوع لحکم العقلاء‏‎ ‎‏بوجوب الامتثال .‏

وأمّا ما عن بعض محقّقی العصر :‏ من کون الحکم عبارة عن الإرادة التشریعیة‏‎ ‎‏التی یظهرها المرید بأحد مظهراتها‏‎[3]‎‏ فهو خلاف التحقیق :‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 319
أمّا أولاً :‏ فلما عرفت من ارتکاز العبید علی الانتقال إلی الوجوب من‏‎ ‎‏الأوامر ، بلا لحاظ الإرادة التی هذا اللفظ حاکٍ عنها .‏

وثانیاً :‏ أنّ الوجوب والإیجاب فی عالم الاعتبار واحدان ذاتاً کالوجود‏‎ ‎‏والإیجاد فی وعاء التکوین ویختلفان اعتباراً ، ولو صحّ انتزاع الوجوب عن الإرادة‏‎ ‎‏صحّ انتزاع الإلزام والإیجاب عنها ، مع أنّ الإرادة لا تسمّی إلزاماً وإیجاباً ، بخلاف‏‎ ‎‏الإغراء والبعث لفظاً وحده .‏

‏فإن قلت : یرد هذا لو قال القائل بأنّ الحکم عبارة عن نفس الإرادة ،‏‎ ‎‏ولکنّه ‏‏قدس سره‏‏ یقول بکونه عبارة عن الإرادة التشریعیة التی یُظهرها المرید ، فشَرَط مع‏‎ ‎‏نفس الإرادة وجود المُظهر .‏

‏قلت : نعم ، لکن کون الحکم عبارة عن الإرادة المظهرة ینافی انتزاع الوجوب‏‎ ‎‏عن البعث المولوی مع الغفلة عن الإرادة .‏

وثالثاً :‏ أنّ الأحکام الوضعیة قسیم التکلیفیة ، مع أنّ الوضعیات لاتکون من‏‎ ‎‏قبیل الإرادات المظهرة ؛ إذ الحکومة والقضاوة والملکیة وغیرها تنتزع من جعلها .‏

‏ولایمکن أن یقال : إنّ هذه العناوین منتزعة عن الإرادة أو عن الإرادة‏‎ ‎‏المظهرة ، کما أنّ حکم السلطان والقاضی عبارة عن نفس الإنشاء الصادر منه فی‏‎ ‎‏مقام الحکومة والقضاء لا الإرادة المظهرة ، بل لایکفی فی فصل الخصومة إظهار‏‎ ‎‏إرادته أو إفهام رأیه ما لم یتکلّم بلفظ نحو «حکمتُ» أو «أنفذتُ» أو ما یفید الحکم‏‎ ‎‏بالحمل الشائع .‏

‏نعم ، لو لم ینشأ البعث من الإرادة الجدّیة لاینتزع منه الوجوب والإیجاب ،‏‎ ‎‏وهو لایوجب أن تکون الإرادة دخیلة فی قوام الحکم أو تکون تمام حقیقته ،‏‎ ‎‏ویکون الإظهار واسطة لانتزاع الحکم منها ، بل أقصی ما یقتضیه أن یعدّ الإرادة من‏‎ ‎‏مبادئ الحکم ، کما فرضناه .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 320
‏إذا عرفت ذلک : یتّضح لک أنّ وجوب المشروط قبل تحقّق شرطه لیس‏‎ ‎‏فعلیاً ، کما هو ظاهر تعلیق الهیئة ، وإنشاء البعث علی تقدیر لایمکن أن یکون بعثاً‏‎ ‎‏حقیقیاً إلاّ علی ذلک التقدیر ؛ للزوم تخلّف المنشأ عن الإنشاء ؛ إذ المفروض أنّ‏‎ ‎‏المنشأ إنّما هو الوجوب والإیجاب علی تقدیر حصول شرطه ، فلا معنی ـ حینئذٍ ـ‏‎ ‎‏للوجوب فعلاً مع عدم شرطه .‏

‏ونظیره باب الوصیة ؛ إذ إنشاء الملکیة علی تقدیر الموت لایفید الملکیة‏‎ ‎‏الفعلیة ، بل یؤثّر فی الملکیة بعد الموت .‏

‏هذا ، ولو قلنا : إنّ الإرادة دخیلة فی الحکم لاتکون دخالتها إلاّ بنحو کونها‏‎ ‎‏منشأً للانتزاع ، وأمّا کونها نفس الحکم ذاتاً فهو خلاف الضرورة ، وعلیه لاینتزع من‏‎ ‎‏الإرادة المعلّقة علی شیء إلاّ الوجوب علی تقدیر ، لا الوجوب الفعلی .‏

‏فتلخّص : أنّ البعث علی تقدیر کالإرادة علی تقدیر لایکون إیجاباً فعلیاً ،‏‎ ‎‏ولا منشأً له کذلک .‏

‏فإن قلت : إنّ الوجوب بما أنّه أمر اعتباری یصحّ التعلیق فیه ، وهذا بخلاف‏‎ ‎‏الإرادة ؛ فإنّها من مراتب التکوین ، وامتناع التعلیق فی التکوین ضروری . وقولک :‏‎ ‎‏إنّ الإرادة هنا علی تقدیر یوهم ذلک .‏

‏قلت : إنّ المراد من الإرادة علی تقدیر لیس معناه عدم الإرادة فعلاً ولا‏‎ ‎‏التعلیق فی نفس الإرادة ، بل المراد إرادة إیجاب شیء من المأمور علی تقدیر ،‏‎ ‎‏فالإرادة التشریعیـة هنا فعلیـة ، لکن تعلّق بإیجاب شیء علی تقدیر ، ولذلک‏‎ ‎‏لاینتزع منه الوجوب الفعلی ، بل الوجوب علی تقدیر ، وهو یساوق الإنشائیة .‏

‏وبالجملة : تعلّقت إرادة فعلیة بالبعث علی تقدیر ، ففی مثله لاینتزع الوجوب‏‎ ‎‏الفعلی ، ففرق بین التقدیر فی الإرادة أو فی إنشاء البعث بها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 321
‏ولیعلم : أنّ قولنا بأنّ الإرادة التشریعیة هنا فعلیة وتعلّق مع فعلیتها بإیجاب‏‎ ‎‏شیء علی تقدیرٍ ، لا ینافی مع ما اخترناه ؛ من أنّ الإرادة والحکم فی الواجب‏‎ ‎‏المشروط غیر فعلی ؛ خلافاً لبعض محقّقی العصر .‏

‏وجه عدم المنافاة : هو أنّ المراد من فعلیة الإرادة هو الإرادة التشریعیة‏‎ ‎‏المتعلّقـة بإنشائها وتشریعها ، فهی فعلیـة قطعاً ، ومـا هـو غیر فعلی إنّما هـی‏‎ ‎‏الإرادة المتعلّقة بإیجـاده فی الخارج فعلاً ؛ ولـو قبل حصول شرطـه أو البعث‏‎ ‎‏الفعلی إلیه کذلک .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 322

  • )) الفصول الغرویة : 80 / السطر10 ، کفایة الاُصول : 121 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 204 ـ 205 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 345 ، نهایة الأفکار 1 : 302 .