الجواب الحقیق عن الإشکال فی الشرط المتأخّر

الجواب الحقیق عن الإشکال فی الشرط المتأخّر

‏ ‏

‏هذا ، ولکن التحقیق فی تصحیح الموارد المتوهّم فیها تأخیر الشرط عن‏‎ ‎‏مشروطه أن یقال :‏

أمّا فی شرائط التکلیف‏ کالقدرة مثلاً : فلأنّ شرط انقداح الإرادة أو صدور‏‎ ‎‏البعث الاعتباری لیس هو القدرة الواقعیة ـ علم به المولی أولا ـ بل علمه‏‎ ‎‏واستحضاره وقت التکلیف بقدرة العبد علی إیجاد المأمور به فی وقت العمل وإن‏‎ ‎‏کان ذلک العلم غیر مطابق للواقع ولکن ذلک لایجعل الإرادة الجدّیة صوریة ، کما‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 302
‏لایجعل البعث الحقیقی غیر واقعی ، بل یلزم لغویة الإرادة والتکلیف ، وهو غیر القول‏‎ ‎‏بأنّ التکلیف غیر واجد لشرطه .‏

‏والحاصل : أنّ الإرادة معلولة علم المولی بالصلاح مع سائر مبادئها ویعقّبه‏‎ ‎‏البعث الاعتباری . فظهر : أنّ شرط التکلیف أو ما یتوقّف علیه الإرادة موجود مع‏‎ ‎‏سائر المبادئ ؛ وهو علمه بالصلاح وسائر شرائط التکلیف ، ولایتفاوت فی ذلک‏‎ ‎‏کون الخطاب شخصیاً ، کما فی الموالی العرفیة ؛ فیشترط علمه بقدرة مخاطبه فی‏‎ ‎‏ظرف العمل ؛ واحداً کان المخاطب أو أکثر ، أو کونه مجعولاً علی العنوان قانوناً ؛‏‎ ‎‏بحیث یشمل کلّ من دخل تحت العنوان ، نحو قولک «یا أیّها الناس» .‏

‏نعم ، یکفی فی الثانی العلم بباعثیـة الخطاب لعدّة مـن الأفراد ، والعلم باقتدار‏‎ ‎‏جمـع منهم علیه ، وسیوافیک‏‎[1]‎‏ تفصیل القول فـی مبحث الترتّب عند التعرّض‏‎ ‎‏لملاک الخطاب الشخصی والقانونی . فحینئذٍ : ما هـو شرط التکلیف حاصل فیها ،‏‎ ‎‏ولا مجال لتوهّم التأخّر أصلاً . ولعلّه إلی ذلک یرجع کلام المحقّق الخراسانی‏‎[2]‎‏ ؛‏‎ ‎‏وإن کان إلحاق الوضع بالتکلیف ـ کما فی ظاهر کلامه ـ وقع فی غیر محلّه .‏

وأمّا شرائط الوضع ،‏ کالإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی ، وشرائط‏‎ ‎‏المأمور به ، کصوم المستحاضة بناءً علی صحّته فعلاً لحصول شرطه فی المستقبل‏‎ ‎‏ـ أعنی أغسال اللیلة الآتیة ـ فلنا فی حلّه وجهان : أحدهما من طریق العقل‏‎ ‎‏والبرهان ، وهو حلّ صناعی ، وثانیهما من طریق العرف ، وهو أقرب ؛ خصوصاً فی‏‎ ‎‏الاُمور الاعتباریة :‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 303
أمّا الأوّل ،‏ فنقول : إنّ الاُمور التدریجیة ـ کالزمان والحرکة ـ ممّا یعدّ من‏‎ ‎‏المتصرّم بالذات ، فلبعض أجزائها تقدّم علی البعض ، وهو تقدّم یعبّر عنه فی‏‎ ‎‏الاصطلاح بواقع التقدّم ، ولیس عنوان التقدّم ومفهومه ؛ إذ عنوان التقدّم والتأخّر من‏‎ ‎‏المفاهیم المتضائفة ، ولا یعقل انتزاع التقدّم فعلاً بلا انتزاع ردیفه ، کما أنّ انتزاع‏‎ ‎‏التأخّر من الغد حین انتزاع التقدّم من الیوم یستلزم وجود أمر انتزاعی بلا منشأ‏‎ ‎‏انتزاعه ، وهو خلف إلاّ أن یرجع إلی أمر عرفی سیوافیک بیانه .‏

فظهر :‏ أنّ انتزاع التقدّم بعنوانه من المتقدّم فقط یستلزم وجود أحد‏‎ ‎‏المتضائفین بدون الآخر ، والحال أنّ المتضائفین متکافئان قوّة وفعلاً ، وانتزاع کلیهما‏‎ ‎‏یستلزم وجود أمر انتزاعی فعلاً ، بلا وجود منشئه .‏

‏فإن قلت : نری بدیهة صدق قولنا لدی العرف بأنّ الیوم متقدّم علی الغد ،‏‎ ‎‏وصدق قولنا : إنّ الغد متأخّر ، فهذا یکشف عن بطلان کلتا القاعدتین .‏

‏قلت : الکلام هاهنا فی حکم العقل ومقتضی البرهان لا العرف ، ولاریب فی‏‎ ‎‏أنّ مقتضی العقل والبرهان تکافؤ المتضائفین قوّة وفعلاً ، وعدم إمکان اتّصاف‏‎ ‎‏المعدوم بشیء ، وسیأتی حال حکم العرف ، فانتظر .‏

والحاصل :‏ أنّ هذه القطعة الموهومة من الزمان ـ لأنّ الزمان لاینقسم إلاّ‏‎ ‎‏وهماً ، کما ثبت فی محلّه‏‎[3]‎‏ ـ له التقدّم بالذات إذا کان القطعة الاُخری موجودة فی‏‎ ‎‏محلّه ، ولم ینقطع عمود الزمان علیها ، بل جری علی منواله وطبعه .‏

‏ولا یتوهّم من ذلک : أنّ لما یأتی من الأجزاء تأثیراً فی کون هذه القطعة‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 304
‏متقدّمة بالطبع ، مع أنّ تأثیر المعدوم فی الموجود واضح الفساد ؛ إذ المراد : أنّ‏‎ ‎‏جوهر الزمان وسنخ وجوده جوهر وسنخ مخصوص ، یکون بعضه متقدّماً جوهراً‏‎ ‎‏وبعضه متأخّراً عنه ذاتاً ؛ بحیث یکون کلّ من التقدّم والتأخّر عین ذاته ، کما هو‏‎ ‎‏الحال فی بعض الأقسام من المقول بالتشکیک .‏

فتلخّص :‏ أنّ الزمان وما شابهه أمر متصرّم الذات ومتقضٍّ بالحقیقة ، له تقدّم‏‎ ‎‏وتأخّر بالذات ، لا بالمعنی الإضافی المقولی ؛ وإن کان عنوان التقدّم والتأخّر من‏‎ ‎‏الاُمور الإضافیة ، ولایلزم أن یکون مصداق المعنی الإضافی إضافیاً ، کالعلّة‏‎ ‎‏والمعلول ؛ فإنّ عنوانهما من الاُمور الإضافیة ، ولکن المنطبق ـ بالفتح ـ علیهما أعنی‏‎ ‎‏ذات المبدأ تعالی وتقدّس مثلاً ومعلوله لیسا من الإضافیة .‏

‏وأوضح من هذا ، مسألة التضادّ ؛ حیث إنّ بین ذات الضدّین ـ کالأسود‏‎ ‎‏والأبیض ـ تقابل التضادّ ، مع أنّ مفهوم التضادّ من الاُمور المتضائفة .‏

هذا حکم الزمان .

‏وأمّا الزمانیات :‏‏ فحیث إنّ الحوادث الواقعة فی طول الزمان لها نحو اتّحاد‏‎ ‎‏مع الزمان ـ علی تحقیق مقرّر فی محلّه‏‎[4]‎‏ ـ فلا محالة یکون بعضها متقدّماً علی‏‎ ‎‏بعض بتبع الزمان ، وتصیر الحوادث الواقعة فی هذا الزمان متقدّمة بواقع التقدّم‏‎ ‎‏ـ لا بمفهومه الإضافی ـ علی الحوادث الآتیة ، لکن بتبع الزمان .‏

‏إذا تمهّد ذلک فنقول : إنّ ما سنرتّب علی  هذا التدقیق العقلی وإن کان خلاف‏‎ ‎‏ظواهر الأدلّة ، لکنّ الکلام هنا فی دفع الإشکال العقلی لا فی استظهار الحکم من‏‎ ‎‏الأدلّة ، وعلیه یمکن أن یقال : إنّ الموضوع فی الوضعیات وما هو شرط فی متعلّق‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 305
‏الأحکام هو ما یکون متقدّماً بحسب الواقع علی حادث خاصّ .‏

‏مثلاً الأثر فی البیع الفضولی مترتّب علی العقد المتقدّم بالحقیقة ـ تبعاً‏‎ ‎‏للزمان ـ علی وقوع الإجازة ؛ بحیث لا یکون العقد متقدّماً علیها بواقع التقدّم التبعی‏‎ ‎‏إلاّ أن تکون الإجازة متحقّقة فی ظرفها ، فوقوعها فی عمود الزمان المتأخّر یوجب‏‎ ‎‏کون العقد متقدّماً حقّ التقدّم .‏

‏وقد مضی أنّ ذلک لیس لأجل تأثیر المعدوم فی الموجود أو لوقوع المعدوم‏‎ ‎‏طرفاً للإضافة ، بل مقتضی ما یقع فی الزمان أن یکون بعضه متقدّماً وبعضه متأخّراً ؛‏‎ ‎‏بحیث لو فرض انقطاع سلسلة الزمان بعد ذلک الحادث الأوّل لما اتّصف ذلک‏‎ ‎‏الظرف ومظروفه بالتقدّم الواقعی .‏

‏وقس علیه مسألة الصوم ؛ إذ یمکن أن یقال : إنّ موضوع الصحّة فی صوم‏‎ ‎‏المستحاضة ما یکون متقدّماً بالتقدّم الواقعی علی الأغسال الآتیة ـ تبعاً للزمان ـ‏‎ ‎‏بحیث لولم توجد الأغسال فی محلّها لایصیر الصوم متقدّماً بالذات علیها ؛ وإن کان‏‎ ‎‏متقدّماً علی سائر الحوادث ، لکن الموضوع هو المتقدّم الخاصّ ؛ أعنی المتقدّم‏‎ ‎‏بالذات علی الأغسال .‏

‏لایقال : إنّ مقتضی کون الموضوع هو ذات العقد والصوم هو إنکار دخل‏‎ ‎‏الشرط ولزومه ؛ إذ الحامل للأثر ـ حینئذٍ ـ هو وجوده بلا اقترانه بالتراضی أو تعقّبه‏‎ ‎‏بالأغسال .‏

‏لأنّا نقول : قد عرفت أنّ تقدّم بعض أجزاء الزمان علی بعض بالتقدّم الواقعی‏‎ ‎‏فرع اتّصال أجزاء الزمان وامتداده ؛ بحیث یکون انقطاعه موجباً لعدم ثبوت التقدّم‏‎ ‎‏بالذات له . فحینئذٍ ذات العقد إنّما یثبت له حقّ التقدّم ـ ولو تبعاً  للزمان ـ إذا‏‎ ‎‏وجدت الإجازة فی محلّها لا مطلقاً ، ومثله الصوم .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 306
‏وإن شئت فاستوضح المقام عن تقدّم العلّة علی معلولها ؛ فإنّه مالم یحصل‏‎ ‎‏الثانی لایصحّ انتزاع عنوان التقدّم عنها ؛ لقضیة التکافؤ بین المتضائفین ، مع أنّ العلّة‏‎ ‎‏فی حدّ ذاتها مقدّمة علی معلولها ؛ بحیث یتخلّل بینهما «الفاء» عند التعبیر .‏

فتلخّص :‏ أنّ الموضوع علی ما حقّقناه مقدّم علی حکمه بشراشر‏‎ ‎‏أجزائه وشرائطه .‏

وأمّا الثانی‏ ـ وهو حلّ الإشکال علی مشرب العرف ـ فنقول : إنّ‏‎ ‎‏الموضوعات الواقعة فی لسان الأدلّة اُمور عرفیة ، لا تنالها ید الدقّة العقلیة ، بل یقدّم‏‎ ‎‏فی مبحث الأحکام ؛ خصوصاً علی القول باعتباریتها علی ما یثبته البرهان .‏

‏فحینئذٍ بما أنّ العرف یری الإضافة إلی المتقدّم والمتأخّر کالمقارن ، ویری‏‎ ‎‏العقد متعقّباً بالفعل مع عدم الإجازة الفعلیة یصحّ انتزاع هذه العناوین عندهم لأجل‏‎ ‎‏ملاکات وتخیّلات مرکوزة فی أذهانهم ، ومن الممکن کون الأثر مترتّباً علی‏‎ ‎‏المتعقّب فی نظر العرف دون العقل ، کما هو السند والمعتمد فی سائر الموضوعات‏‎ ‎‏الشرعیة . وعلیه فالشرط مقارن أیضاً ، وهذا الوجه یرجع إلی ما ذهب إلیه القوم .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 307

  • )) یأتی فی الصفحة 437 .
  • )) کفایة الاُصول : 118 ـ 119 .
  • )) المباحث المشرقیة 1 : 678 ، الحکمة المتعالیة 3 : 115 ـ 118 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 257 .
  • )) الشفاء ، الطبیعیات 1 : 170 ، الحکمة المتعالیة 3 : 180 .