الأمر الأوّل‏: فیما یمکن أن یقع محطّ البحث

الأمر الأوّل : فیما یمکن أن یقع محطّ البحث

‏ ‏

‏التحقیق أنّ ما یمکن أن یکون محطّ البحث فیها أحد أمرین :‏

‏الأوّل : فی تحقّق الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة أو الإرادة المتعلّقة به ،‏‎ ‎‏وبین وجوب عنوان ما یتوقّف علیه أو الإرادة المتعلّقه به ـ ولو علی الإجمال ـ‏‎ ‎‏ولکن هذا إنّما یصحّ بناءً علی کون عنوان المقدّمیة أو التوقّف حیثیة تقییدیة ـ کما‏‎ ‎‏هو المنصور المختار ـ لا تعلیلیة ؛ حتّی یتعلّق الوجوب أو الإرادة بما هو بالحمل‏‎ ‎‏الشائع کذلک .‏

‏الثانی : أن یقع النزاع فی تحقّق الملازمة بین الإرادة المتعلّقة بذی المقدّمة‏‎ ‎‏وبین إرادة ما یراه المولی مقدّمة . وقس علیهما الملازمة بین وجوبه ووجوب ما یراه‏‎ ‎‏مقدّمة ، لا الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة مع إرادة المقدّمة الواقعیة ، ویتّضح ذلک‏‎ ‎‏بعد تصوّر إرادة الفاعل وکیفیة تعلّقها بالمقدّمة وذیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 281
فنقول :‏ لا إشکال فی أنّ الإرادة من الفاعل إنّما تتعلّق بشیء بعد تصوّره‏‎ ‎‏والإذعان بفائدته وغیر ذلک من مبادئ الإرادة ؛ سواء فی ذلک الإرادة المتعلّقة بذی‏‎ ‎‏المقدّمة ومقدّمته ، ولایلزم أن یکون الشیء موافقاً لغرضه بحسب الواقع ؛ لأنّ ما‏‎ ‎‏یتوقّف علیه تحقّق الإرادة هو تشخیص الفاعل أنّ فیه صلاحه ، وأنّه موافق لغرضه ؛‏‎ ‎‏ولو کان جهلاً مرکّباً .‏

‏ثمّ إنّه قد تتعلّق الإرادة بشیء لأجل نفسه والعلم بوجود صلاح فیه ، لا لکونه‏‎ ‎‏مقدّمة لشیء آخر ، وقد تتعلّق به لأجل غیره وتوقّف الغیر علیه .‏

‏وما ذکرنا من المیزان من أنّه هو تشخیص الصلاح لا الصلاح الواقعی جارٍ‏‎ ‎‏فی هذا القسم أیضاً ، فتتعلّق بعد تصوّر المقدّمة والتصدیق بکونها مقدّمة لمراده‏‎ ‎‏النفسی بما یراه مقدّمة ، وربّما یکون ما أدرکه مقدّمة جهلاً محضاً .‏

‏وبه یتّضح : أنّه لا یعقل تعلّقها بما هو فی نفس الأمر مقدّمة ؛ غافلاً عن‏‎ ‎‏تصوّره ؛ ضرورة امتناع تعلّقها بالواقع المجهول عنده . فالملازمة فی الإرادة الفاعلیة‏‎ ‎‏دائماً إنّما یکون بین إرادة ذی المقدّمة وإرادة ما یراه مقدّمة .‏

‏هذا حال الإرادة التکوینیة من الفاعل . ومنها یظهر حال الإرادة التشریعیة ؛‏‎ ‎‏فلا یمکن تعلّقها بما هو مقدّمة بحسب نفس الأمر بلا تحقّق المبادئ المتوقّف علیها‏‎ ‎‏الإرادة ، فلابدّ من تصویره بأحد الوجهین المتقدّمین .‏

‏ومن ذلک یظهر : بطلان جعل النزاع فی تحقّق الملازمـة بین إرادة ذی‏‎ ‎‏المقدّمة ومقدّمته الواقعیة ؛ ضرورة عدم إمکان تعلّق الإرادة بها ، وعدم إمکان‏‎ ‎‏الملازمة الفعلیة بین الإرادة الموجودة والمعدومة ؛ لأنّ ذلک مقتضی القول بأنّ‏‎ ‎‏الملازمة بین إرادته وإرادة المقدّمة الواقعیة ؛ وإن لم یقف علیها المولی‏‎ ‎‏ولم یشخّصها . فحینئذٍ یمتنع تعلّق الإرادة بالمجهول ، ولا یبقی مـن المتلازمین‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 282
‏سوی الإرادة المتعلّقة بذیها ، وهذا معنی الملازمة بین الموجود والمعدوم .‏

‏وأیضاً لایمکن تحقّق الملازمة الفعلیة بین الإرادة المتعلّقة بذی المقدّمة وبین‏‎ ‎‏الإرادة التقدیریة ؛ لعدم إمکان اتّصاف المعدوم بصفة وجودیة التی هی الملازمة ، إلاّ‏‎ ‎‏أن یرجع إلی ما ذکرنا .‏

‏ودعوی الملازمة بین الإرادة الفعلیة لذی المقدّمة مع إرادة مقدّمته إذا التفت ،‏‎ ‎‏رجوع إلی إنکار وجوب المقدّمة ؛ لأنّ معنی وجوبه إذا التفت هو أنّ المولی لو‏‎ ‎‏التفت إلی أنّ له مقدّمة وأنّ هذا مقدّمته لأراده ، ولکنّه ربّما لایلتفت إلی شیء ممّا‏‎ ‎‏ذکره ولاینقدح الإرادة . علی أنّه یرد علیه أیضاً ما قدّمناه من عدم إمکان الملازمة‏‎ ‎‏الفعلیة بین الموجود والمعدوم .‏

‏والتشبّث ببعض الأمثلة العرفیة لتصحیح هذه الملازمة الممتنعة بالبرهان‏‎ ‎‏لایفید شیئاً .‏

فإن قلت :‏ ما ذکرت أیضاً لایخلو من إشکال ؛ لأنّه یستلزم عدم وجوب‏‎ ‎‏المقدّمات الواقعیة إذا لم یدرکه المولی ، فلا تتعلّق به الإرادة الفعلیة ، فینحصر‏‎ ‎‏وجوبها فیما رآه المولی مقدّمة .‏

قلت :‏ لانسلّم صحّة ما ذکرت ، بل إذا وقف المأمور علی تخلّف إرادة الآمر‏‎ ‎‏عن الواقع ؛ لسوء تشخیصه لایجوز اتّباع إرادته ، بل یجب تحصیل غرضه بعد العلم‏‎ ‎‏به ؛ وإن لم یتعلّق به الإرادة أو البعث .‏

‏أضف إلیه : أنّه لو سلّم ما زعمت فالأمر فی الأوامر الشرعیة سهل ؛ لأنّ‏‎ ‎‏ما رآه الشارع مقدّمة یساوق ما هو مقدّمة بالحمل الشائع واقعاً ؛ لامتناع تخلّف‏‎ ‎‏علمه عن الواقع .‏

‏ولیعلم : أنّ التعبیر بتبعیة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها ـ کما فی کلمات بعضهم ـ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 283
‏ربّما یوهم تولّد إرادة ونشوئها من اُخری‏‎[1]‎‏ ، ولایخفی أنّه بظاهره من أفحش‏‎ ‎‏الأغلاط ؛ إذ کلّ إرادة توجد بتحقّق مبادئها وعللها ؛ وإن کانت الغایة منها تحصیل‏‎ ‎‏ذیها لانفسها ، ومع ذلک لاتصیر الإرادة مبدأ لإرادة اُخری .‏

‏وبذلک یتّضح : أنّ معنی الملازمة هنا لیس کون إحداهما لازمة لاُخری ، بل‏‎ ‎‏معناها أنّ کلّ واحدة منهما تتحقّق بمبادئها ، وأنّ الغایة من تعلّقها بالمقدّمة تحصیلها‏‎ ‎‏لأجل الغیر .‏

‏وبالجملة : أنّ الملازمة المدّعاة هنا غیر الملازمات واللوازم والملزومات‏‎ ‎‏العقلیة الاصطلاحیة ممّا یکون الملزوم علّة اللازم إذا کان لازم الوجود ، أو یکون‏‎ ‎‏المتلازمان معلولین لعلّة واحدة ؛ ضرورة أنّ إرادة المقدّمة ووجوبها لیست لازمة‏‎ ‎‏لإرادة ذیها ووجوب ذیها بالمعنی المزبور ، بل إرادة کل تحتاج إلی مبادئ ؛ من‏‎ ‎‏التصوّر والتصدیق وغیر ذلک ، وکذلک الوجوب والإیجاب فی کلا المقامین .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 284

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 262 ، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 311 .