أ‏مّا أصالة الطهارة و الحلّیة‏

أمّا أصالة الطهارة والحلّیة :

‏ ‏

‏فلأدلّتهما حکومة علی أدلّة الشرائط التی من تلک الأدلّة قوله ‏‏علیه السلام‏‏ :‏‎ ‎«لا‏ ‏صلاة إلاّ بطهور»‎[1]‎‏ ، إن استفدنا منه أو من غیره طهارة الثوب ، فقولـه ‏‏علیه السلام‏‏ :‏‎ ‎«کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّه قذر»‎[2]‎‏ محقّق للطهور فی ظرف الشکّ .‏

توضیحه :‏ أنّ ظاهر لسانه محکومیة المشکوک بالطهارة والنظافة حتّی یعلم‏‎ ‎‏قذارته ، ومعنی محکومیته بها هو جواز ترتیب آثار الطهارة علیه ، التی من جملتها‏‎ ‎‏إتیان الصلاة معها تعبّداً . ولیس معناه أنّ الشکّ فی الطهارة والنجاسة طریق إلی‏‎ ‎‏الطهارة ؛ لعدم تعقّل طریقیة الشکّ .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ المراد من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«نظیف»‏ إمّا الطهارة الواقعیة بجعل‏‎ ‎‏مصداق لها ، أو الطهارة الظاهریة بمعنی معاملة الطهارة الواقعیـة معها وترتیب‏‎ ‎‏آثارها علیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 272
‏لکن لا سبیل إلی الأوّل ؛ لمکان کونها مجعولة فی ظرف الشکّ لبّاً ، وقد‏‎ ‎‏جعلت مغیّاة بحصول العلم بالنجاسة ، وهما من لوازم الظاهریة دون الواقعیة .‏

‏فحینئذٍ یتعیّن الثانی ویکون مفاده جواز ترتیب آثار الطهارة علی المشکوک‏‎ ‎‏فیه ، لکن بلسان تحقّقها ، وأنّ الشاکّ واجد لها ، فیفهم منه عرفاً أنّ الصلاة المشروطة‏‎ ‎‏بالطهارة یجوز إتیانها بها فی حال الشکّ بهذه الکیفیة ، ویکون المأتی به مع هذه‏‎ ‎‏الکیفیة مصداقاً للصلاة المأمور بها وواجداً لما هو شرطها .‏

‏وبالجملة : قول الشارع بکون مشکوک الطهارة والنجاسة طاهراً یوجب‏‎ ‎‏توسعة فی ناحیة الشروط المستفاد من قوله «صلّ فی الطاهر» مثلاً ؛ بحیث ینتقل‏‎ ‎‏العرف بعد الحکم بطهارة المشکوک إلی أنّ المفروض مصداق لما فرض شرطاً ، وأنّ‏‎ ‎‏الشرط فی الصلاة أعمّ ممّا هو محرز بالوجدان أو بأصل تعبّدی الذی حکم الشارع‏‎ ‎‏بقوّة تشریعه ، بکونه مصداقاً للطاهر الذی جعله شرطاً للصلاة فی قوله «صلّ فی‏‎ ‎‏الطاهر» مثلاً .‏

‏وعلیه : فالصلاة فی المشکوک المحکوم بالطهارة واجدة لما هو الشرط واقعاً‏‎ ‎‏وحقیقة ، لا ظاهراً فقط ؛ لأنّ الظاهر بعد هذه الحکومة أنّ الشرط بحسب الواقع‏‎ ‎‏أعمّ ، ولایقبل ما فرض فیه الشرط أعمّ ، الخطأ والتخلّف ؛ لأنّه لم تلحظ فیه‏‎ ‎‏الطریقیة .‏

‏وبذلک یظهر لک ضعف ما ربّما یقال من أنّ هذا إنّما یصحّ إذا لم ینکشف‏‎ ‎‏الخلاف ، والمفروض انکشافه ؛ وذلک لأنّ الأصل لیس طریقاً إلی الواقع حتّی یوافقه‏‎ ‎‏تارة ویخالفه اُخری ، فلا یتصوّر لانکشاف الخلاف هاهنا معنیً .‏

‏وبعبارة أوضح : أنّه بعد التصرّف فی مدلول الشرط فی ظرف الشکّ ، بجعله‏‎ ‎‏أعمّ من الطهارة الواقعیة لایتصوّر لانکشاف الخلاف معنی معقول ؛ لأنّه إن کان‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 273
‏المراد من انکشافه هو أنّه بعد حصول العلم بالنجاسة یستکشف أنّ ما حکمناه‏‎ ‎‏معتضداً بفهم العرف ؛ من کون الشرط فی الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعیة لم یکن‏‎ ‎‏صحیحاً ، فهو ساقط جدّاً لا یستأهل للجواب .‏

‏وإن کان المراد منه : أنّ أدلّة النجاسة تقتضی نجاسة المحکوم بالطهارة فیما‏‎ ‎‏بعد وفیما قبل فهو حقّ ، لکن لایضرّنا ؛ إذ قاعدة الطهارة لیست حاکمة علی أدلّة‏‎ ‎‏النجاسات بضرورة الفقه ، بل علی أدلّة الشرائط والأجزاء ، فاغتنم فإنّی به زعیم ،‏‎ ‎‏والله به علیم .‏

‏وبذلک یظهر الکلام فی أصالة الحلّ ؛ فإنّ قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء فیه حلال‎ ‎وحرام فهو لک حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه»‎[3]‎‏ حاکم علی ما دلّ علی عدم‏‎ ‎‏جواز الصلاة فی محرّم الأکل .‏

‏ومعنی الحکومة علی أدلّة الشروط هنا هو أنّ العرف بعد ما فهم أنّ‏‎ ‎‏المشکوک محکوم بالحلّیة تکلیفاً ووضعاً ینتقل ـ لا محالة ـ إلی أنّ الوظیفة فی هذا‏‎ ‎‏الحال إتیان الصلاة بهذه الکیفیة ، وأنّ الشرط بعد هذا الحکم أعمّ من الحلّیة الواقعیة‏‎ ‎‏والظاهریة ، فیکون المأتی به کذلک مصداقاً للمأمور به حقیقة بعنایة التعبّد ، ومعه‏‎ ‎‏لایعقل بقاء الأمر المتعلّق بطبیعة الصلاة . وحدیث کشف الخلاف قد عرفت جوابه .‏

‏ثمّ إنّ بعض الأعاظم  ‏‏رحمه الله‏‏ أورد علی الحکومة إشکالات‏‎[4]‎‏ :‏

منها :‏ أنّ ذلک إنّما یتمّ مادام المکلّف شاکّاً ، وبعد ارتفاع شکّه لا معنی‏‎ ‎‏لإجزائه ؛ لارتفاع ما کان عذراً له .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 274
وفیه :‏ أنّ الحکم بطهارة المحکوم لیس عذریاً حتّی یرتفع بارتفاع عذره ، بل‏‎ ‎‏علی فرض حکومته لأدلّة الشروط حکم حقیقی صادر لأجل توسیع الأمر علی‏‎ ‎‏المکلّفین ، وإفهام أنّ المطلوب منها هو الأعمّ لا الطهارة الواقعیة فقط .‏

ومنها :‏ أنّ وجود الحکم الظاهری لابدّ وأن یکون مفروغاً عنه حین الحکم ،‏‎ ‎‏بعموم الشرط للواقعی والظاهری ، ومن الواضح أنّ المتکفّل لإثبات الحکم الظاهری‏‎ ‎‏لیس إلاّ نفس دلیل القاعدة ، فکیف یمکن أن یکون هو المتکفّل لأعمّیة الشرط ؟ !‏

وفیه : ‏أنّ الحکومة لم یرد فیها نصّ حتّی نتحرّی فی مغزاها ، بل هی من‏‎ ‎‏خصوصیات لسان الدلیل یفهمها أهل المحاورة . فلو قال الشارع «المشکوک طاهر»‏‎ ‎‏یری العرف المتوجّه إلی أحکام الشریعة ونسکها وشروطها حکومة هذا الدلیل‏‎ ‎‏وتقدّمه علی أدلّة الشروط ، التی منها قوله مثلاً : «صلّ فی الطاهر» ، ولایلزم فیها‏‎ ‎‏التصریح بأنّ الشرط أعمّ من الواقعی والظاهری ، کما لایخفی .‏

ومنها :‏ أنّ الحکومة وإن کانت مسلّمة إلاّ أنّها لاتستلزم تعمیم الشرط ؛‏‎ ‎‏لکونها علی قسمین :‏

‏قسم لایکون الشکّ فی المحکوم مأخوذاً فی لسان الحاکم ، کما فی قوله :‏‎ ‎‏«لاشکّ لکثیر الشکّ» بالنسبة إلی أدلّة الشکوک ، ویکون معمّماً ومخصّصاً ،‏‎ ‎‏ویسمّی حکومة واقعیة .‏

‏وقسم یکون الشکّ فی المحکوم مأخوذاً فیه ، فلا محالة یکون متأخّراً عنه‏‎ ‎‏لأخذ الشکّ فی موضوعه ، فیستحیل کونه معمّماً أو مخصّصاً ، بل یکون حکومة‏‎ ‎‏ظاهریة یترتّب علیه الأثر ما دام شاکّاً .‏

وفیه :‏ ـ مضافاً إلی أنّ الحکم یوصف بالظاهری والواقعی لا الحکومة ـ یرد‏‎ ‎‏علیه : أنّ ما ذکره علی فرض صحّته إنّما یتمّ لو کان حاکماً علی أدلّة نجاسـة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 275
‏الأشیاء وطهارتها إذا قلنا بقبولها الجعل ، فیکون الشکّ متأخّـراً عـن أدلّتهما ، ولیس‏‎ ‎‏کذلک ، وإنّما هو حاکم علی دلیل الشرط ؛ أعنی قوله «صلّ فی الطاهر» مثلاً ، وهما‏‎ ‎‏فی رتبة واحدة .‏

والحاصل : ‏أنّ القائل بالإجزاء لایدّعی أنّ أصالة الطهارة ـ مثلاً ـ حاکمة‏‎ ‎‏علی أدلّة النجاسات ، وأنّها فی زمان الشکّ طاهرة ، بل یقول : إنّها محفوظة فی‏‎ ‎‏واقعیتها ، وإنّ ملاقیها نجس ؛ حتّی فی زمان الشکّ ، لکن یدّعی حکومتها علی‏‎ ‎‏الدلیل الذی دلّ علی طهارة ثوب المصلّی ، وأنّه لابدّ أن یکون طاهراً .‏

‏وخلاصة حکومتها : أنّ ما هو نجس واقعاً یجوز ترتیب آثار الطهارة علیه‏‎ ‎‏فی ظرف الشکّ ، ومن تلک الآثار إتیان الصلاة المشروطة بها ، لکن بلسان تحقّق‏‎ ‎‏الطهارة ، ولازمه تحقّق مصداق المأمور به لأجل حکومتها علی أدلّة الشرائط‏‎ ‎‏والموانع ، فراجع وجدانک تری الحقّ ظاهراً .‏

ومن ذلک یظهر ضعف ما أفاده فی رابع الوجوه :‏ من أنّ الحکومة لو کانت‏‎ ‎‏واقعیة فلابدّ من ترتیب جمیع آثار الواقع لاخصوص الشرطیة ، وأن لایحکم‏‎ ‎‏بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً ؛ ولو انکشف نجاسته بعد ذلک ،‏‎ ‎‏انتهی . أنّ الخلط بین المقامین أوقع المستشکل فیما أوقعه ، وقد عرفت أنّ‏‎ ‎‏الحکومـة بین القاعدة ودلیل شرطیة طهارة لباس المصلّی وبدنه لابینها وبین أدلّة‏‎ ‎‏النجاسات ؛ إذ الحکومة علیها باطلة بضرورة الفقه ، لاینبغی للفقیه أن یتفوّه بها أو‏‎ ‎‏یحتملها .‏

‏ولکن أین هذا من الحکومة علی أدلّة الشروط ، وحینئذٍ یصیر نتیجتها توسیع‏‎ ‎‏الأمر من الشارع فی کیفیة أداء العبادة ، ولا یأبی تلک الحکومة شیء ؛ لا ضرورة‏‎ ‎‏الفقه ولا فهم العرف . وأنت إذا کنت ذا تفحّص فی الفقه ومآثر الفقهاء تجد أنّ الأکابر‏‎ ‎‏من القدماء کلّهم قائلون بالإجزاء فی الأحکام الظاهریة ؛ أمارة کان أو أصلاً تعبّدیاً .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 276

  • )) تهذیب الأحکام 1 : 49 / 144 ، وسائل الشیعة 1 : 365 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 284 / 832 ، وسائل الشیعة 3 : 467 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحدیث 4 .
  • )) الفقیه 3 : 216 / 1002 ، وسائل الشیعة 17 : 87 ، کتاب التجارة ، أبواب ما یکتسب به ، الباب 4 ، الحدیث 1 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 198 .