المقام الأوّل‏: فی الإتیان بمقتضی الأمارات

المقام الأوّل : فی الإتیان بمقتضی الأمارات

‏ ‏

‏فالتحقیق عـدم الإجـزاء فیه بناءً علی الطریقیة ، کما هـو الحـقّ ـ وفاقاً‏‎ ‎‏لجملـة مـن المحقّقین‏‎[1]‎‏ ـ سواء قلنا بأنّ الطـرق التی بأیدینا کلّها طرق وأمـارات‏‎ ‎‏عقلائیـة ، ولیس للشرع أمـارة تأسیسیة ، بل لم یرد مـن الشارع أمـر باتّباعها ،‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 269
‏وإنّما استکشفنا من سکوته ـ وهو بمرآة ـ رضاه ، ومن عدم ردعه إمضائه .‏

‏أم قلنا بورود أمر منه بالاتّباع ، لکنّه بنحو الإرشاد إلی ما هو المجبول‏‎ ‎‏والمرتکز فی فطرة العقلاء .‏

‏أم قلنا بأنّ الطرق المتعارفة فی الفقه ممّا أسّسها الشارع ـ کلّها أو بعضها ـ‏‎ ‎‏إیصالاً إلی الواقع ، ولم یکن عند العقلاء منها عین ولا أثر .‏

وتوضیح ذلک :‏ أمّا علی الوجهین الأوّلین : فلأنّ المتّبع فیهما حکم العقلاء‏‎ ‎‏وکیفیة بنائهم ، ولا شکّ أنّ عملهم لأجل کشفها نوعاً عن الواقع ، مع حفظ نفس‏‎ ‎‏الأمر علی ما هو علیه ، من غیر تصرّف فیه ، ولا انقلابه عمّا هو علیه . ومع هذا کیف‏‎ ‎‏یمکن الحکم بالإجزاء مع انکشاف الخلاف ؟‏

‏وبالجملة : لاشکّ أنّ عملهم بها لأجل کونه مرآة إلی الواقع بلا تصرّف فیه‏‎ ‎‏أصلاً ، فحینئذٍ المطلوب الذی تعلّق به الأمر لم یحصل بعد ؛ لتخلّف الأمارة ، وما‏‎ ‎‏حصل لم یتعلّق به الأمر .‏

وأمّا علی الوجه الأخیر‏ ـ علی فرض صحّته ـ فلا شکّ فی أنّ لسان أدلّة‏‎ ‎‏حجّیتها هو التحفّظ علی الواقع ، لا التصرّف فیه وقلبه إلی طبق المؤدّی .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ معنی کون شیء أمارة لیس إلاّ کونه کاشفاً عن الواقع‏‎ ‎‏عند المعتبر ، فلو تصرّف مع ذلک فیه وقلّب الواقع علی طبق مؤدّاه لدی التخلّف‏‎ ‎‏لخرجت الأمارة عن الأماریة .‏

‏فلو فرضنا أنّ للشارع إیجاباً وتأسیساً فلیس إلاّ لأجل الکشف عن الواقع‏‎ ‎‏المحفوظ فی وعائه ، ومعه لا معنی للإجزاء .‏

‏ومن ذلک یظهر ضعف ماربّما یقال : إنّ لسان دلیل الحجّیة فی الأمارات‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 270
‏والاُصول سواء ؛ وهو وجوب ترتیب الأثر عملاً علی قول العادل ، فمقتضی قوله‏‎ ‎‏«صدّق العادل» هو التصدیق العملی وإتیان المأمور به علی طبق قوله ، کما سیأتی‏‎ ‎‏فی الاُصول ، وهو یقتضی الإجزاء فی کلا المقامین‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

‏قلت : إنّ القائل جمع بین أمرین متناقضین ، فإنّ القول بالإجزاء فی العمل‏‎ ‎‏بالأمارات ، والاعتقاد بأنّ إیجاب العمل علی طبقها لأجل الکشف عن الواقع‏‎ ‎‏لایخلو من مناقضة ، والعرف والعقلاء شاهدان علیها .‏

‏فظهر : أنّ کلّ ما کان الملاک فی التعبّد به هو الکشف لایعقل فیه الإجزاء ،‏‎ ‎‏مالم نصر إلی التصرّف فیه وانقلاب الواقع عمّا هو علیه ، وهو لا یناسب ملاک‏‎ ‎‏الاعتبار فی الأمارات .‏

‏ومـا ذکر مـن وحـدة اللسان غیر تامّ ؛ إذ إیجـاب العمل علی طبق قـول‏‎ ‎‏العادل أو الأخذ بقول الثقة لأجل کونـه ثقـة وعدلاً یکشف عـن أنّ الملاک کشفها‏‎ ‎‏عـن الواقـع ، کما هـو الملاک عند العرف والعقلاء ، وأین هـذا مـن انقلاب الواقـع‏‎ ‎‏عمّا هو علیه ؟ !‏

‏ومـا أفاده بعض الأکابر مـن الأساطین ـ دام ظلّه الوارف ـ مـن الإجـزاء فی‏‎ ‎‏الأمارات عند التخلّف ، مـع الاعتقاد بأنّ حجّیة الأمارات مـن باب الطریقیة ،‏‎ ‎‏وأنّ الشارع لم یتصرّف فیها سوی الإمضاء أو عـدم الردع‏‎[3]‎‏ ، لایخلو مـن‏‎ ‎‏نظـر وإشکال .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 271

  • )) کفایة الاُصول : 111 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 246 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 81 .
  • )) نهایة الاُصول : 144 ـ 145 .
  • )) نفس المصدر : 138 ـ 139 .