المقام الثانی‏: فی القضاء خارج الوقت

المقام الثانی : فی القضاء خارج الوقت

‏ ‏

‏وأمّا القضاء مع استیعاب العذر فمثل الإعادة فی عدم الوجوب ؛ لأنّ وجوب‏‎ ‎‏القضاء فرع الفوت ، ومع الإتیان بالطبیعة المأمور بها لایبقی له موضوع .‏

‏هذا کلّه علی الحقّ المختار ، وأمّا علی القول بتعدّد الأمر فی باب الاضطرار‏‎ ‎‏ـ کما یستفاد من ظاهر الکلمات ـ ففیه التفصیل :‏

‏فإن قام الإجماع علی عدم وجوب الزائد من صلاة واحدة فی الوقت‏‎ ‎‏المضروب لها فالقول بالإجزاء هو المتعیّن ؛ لأنّ دلالة الدلیل علی وحدة التکلیف‏‎ ‎‏حال تعدّد الأمر یستفاد منه التخییر بین إتیانها فی حال العجز مع الطهارة الترابیة ،‏‎ ‎‏وبین الصبر إلی زوال العذر وإتیانها مع المائیة ، فلا محالة یکون الإتیان بأحد طرفی‏‎ ‎‏التخییر موجباً للإجزاء وسقوط التکلیف .‏

‏ولو فرضنا عدم قیام الإجماع المذکور ، لکنّا استفدنا من الأدلّة أنّ تعدّد‏‎ ‎‏الأمـر لیس لأجـل تعدّد المطلوب لبّاً ؛ بأن تکون الصلاتان مطلـوبتین مستقلّتین ،‏‎ ‎‏بل لأجل امتناع جعل الشرطیة والجزئیة استقلالاً ، وأنّه لابدّ فی انتزاع شرطیة‏‎ ‎‏الطهارة الترابیة فی حال العجز من شمول الأمر ووقوعها تحت الأمر حتّی تعلم‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 263
‏شرطیتها ، فیکون تعدّد الأمر من ضیق الخناق ، کتعدّده فی القربیات من الأوامر‏‎ ‎‏ـ علی القول بعدم إمکان أخذ ما یأتی من قبل الأمر فی موضوعه ـ فحینئذٍ الأمر‏‎ ‎‏الثانی لیس لإفادة مطلوب مستقلّ ، بل لإفـادة خصوصیات الأوّل ، وبیان ماله‏‎ ‎‏دخـل فی الغرض .‏

‏وعلی هذا المبنی یکون مقتضی القاعدة هو الإجزاء أیضاً ؛ لأنّ تعدّده لیس‏‎ ‎‏ناشئاً مـن تعدّد المطلوب والمصلحـة حتّی لا یکون استیفاء الواحـد منهما مغنیاً‏‎ ‎‏عـن الآخر .‏

‏نعم ، لو فرضنا أنّ تعدّد الأمر لأجـل تعدّد المطلوب ، وأنّ الأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالبدل من قبیل الترخیص لا الإلزام فلا مناص عن القول بعدم الإجزاء ؛ لأنّ إجزاء‏‎ ‎‏أحد الأمرین عن الآخر مع تعدّد المطلوب نظیر إجزاء الصلاة عن الصوم .‏

وإن شئت قلت :‏ إنّ مقتضی إطلاق دلیل المبدل کونه مطلوباً علی الإطلاق‏‎ ‎‏ـ امتثل أمر البدل أولا ـ وأمّا الإطلاق الموجود فی دلیل البدل فلا یضادّ إطلاق‏‎ ‎‏المبدل ، ولایدلّ علی سقوط القضاء والإعادة ؛ لأنّ غایة مفاد إطلاقه هو جواز‏‎ ‎‏الإتیان به فی أیّ زمان شاء وقت طروّ العجز .‏

‏وأمّا إجزاؤه عن المأمور به بأمر آخر وقت زوال العذر فلا یدلّ علیه ،‏‎ ‎‏والإطلاق الموجود فی دلیل البدل لایقتضی إلاّ جواز البدار فی إتیانه وسقوط أمره‏‎ ‎‏لدی امتثاله ، لاسقوط أمر آخر .‏

فتلخّص :‏ أنّ مقتضی الأمر المتعلّق بالصلاة مع الطهارة المائیة هو کونه‏‎ ‎‏مطلوباً علی الإطلاق ومقتضیاً لاستیفاء مصلحته ، ولابدّ حینئذٍ لإثبات إجزائه عن‏‎ ‎‏أمر آخر من دلیل مستقلّ وراء الإطلاق ، ولکنّه خارج من الفرض .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 264
وبذلک یظهر :‏ أنّ ما أفاده المحقّق الخراسانی من التفصیل ؛ بأنّه إمّا یکون‏‎ ‎‏المأتی به وافیاً بتمام المصلحة أولا ، وعلی الثانی إمّا أن یکون الفائت قابلاً للتدارک‏‎ ‎‏أولا . . . إلی آخره‏‎[1]‎‏ لا طائل تحته ؛ إذ العلم بالاستیفاء وعدمه لایستفاد من‏‎ ‎‏الإطلاق بل من دلیل خارج ، ووجوده یوجب الخروج من محطّ البحث .‏

‏ثمّ إنّ هذا کلّه لو أحرزنا مفاد الأدلّـة ، وأنّ الموضوع لجـواز الإتیان أعمّ‏‎ ‎‏مـن العذر المستوعب ، وقد مرّ أنّ البحث فی باب الإجزاء بعد ذلک الإحراز ،‏‎ ‎‏وقد عـرف مقتضی الحال علی المختار مـن وحـدة الأمـر ، وعلی مختار المشهور‏‎ ‎‏مـن تعدّده‏‎[2]‎‏ .‏

‏وأمّا مع إهمال الأدلّة فی المبدل منه والبدل ، ووقوع الشکّ فی جواز البدار‏‎ ‎‏مع العذر غیر المستوعب ، فعلی ما اخترناه ـ من وحدة الأمر ، وأنّ المأمور به طبیعة‏‎ ‎‏واحدة فی الحالتین ، والاختلاف فی الشرط من خصوصیات المصادیق لامن‏‎ ‎‏مکثّرات الطبیعة ـ لا محیص عن الاشتغال ؛ إذ الشکّ فی سقوط التکلیف المتیقّن‏‎ ‎‏بالفرد الاضطراری .‏

‏وبعبارة اُخری : إنّ الأمر دائر بین التعیین والتخییر ؛ حیث إنّه لو جاز البدار‏‎ ‎‏لثبت التخییر بین المصداقین فی مقام الامتثال ، ولو لم یجز لکان المتعیّن هو الفرد‏‎ ‎‏الاختیاری ، ومعه لایمکن العدول إلی المشکوک .‏

وأمّا بناءً علی مذهب القوم‏ من تعدّد الأمر علی النحو الأخیر ـ کما هو‏‎ ‎‏مفروض کلامهم ـ فمقتضی القواعد ـ حینئذٍ ـ هو البراءة ، واختاره المحقّق‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 265
‏الخراسانی  ‏‏رحمه الله‏‎[3]‎‏ ، ومرجع هذا إلی أنّ الأمر المتعلّق بالمطلوب الاضطراری هل هو‏‎ ‎‏مطلق کون المکلّف مصداقاً لعنوان الفاقد أو بشرط کون عذره مستوعباً .‏

‏ووجه البراءة : هو أنّ المکلّف حال الفقدان قاطع بعدم الأمر بإتیان الصلاة مع‏‎ ‎‏الطهارة المائیة ، وهو یحتمل لدی الاضطرار أن یکون مأموراً بالأمر الاضطراری ،‏‎ ‎‏فیأتی به رجاء امتثاله علی فرض وجوده . ویمکن أن یکون المأتی رجاءً هو‏‎ ‎‏الوظیفة الفعلیة ، فإذا أتاه رجاءً یشکّ فی تعلّق التکلیف علیه بالصلاة المائیة إذا‏‎ ‎‏أصاب الماء ، فیرجع الشکّ إلی حدوث التکلیف ، لا فی سقوطه بعد العلم به .‏

‏وما قلنا من کونه مخیّراً بین إتیانه للفرد الاضطراری حال الاضطرار ، وبین‏‎ ‎‏الصبر إلی زوال العذر لیس بمعنی تعلّق تکلیف المختار به من أوّل الأمر ؛ وإن کان‏‎ ‎‏تعلّقه بنحو التعلیق فی حال الاضطرار ؛ حتّی یصیر التخییر شرعیاً ، ویخرج المقام‏‎ ‎‏من کون الشکّ فی الحدوث .‏

فإن قلت :‏ إنّ المقام من قبیل دوران الأمر بین التعیین والتخییر ؛ لأنّه إمّا یجب‏‎ ‎‏له الانتظار تعییناً والامتثال بالمائیة آخر الوقت ، أو یجوز له البدار إلی الفرد‏‎ ‎‏الاضطراری ، کما یجوز له الانتظار والإتیان بالفرد الاختیاری ، ولکن مطلوبیة الأوّل‏‎ ‎‏قطعیة ونعلم أنّه مسقط للتکلیف قطعاً ، بخلاف الثانی . فحینئذٍ یجب له الانتظار‏‎ ‎‏حتّی یأتی بما یعلم کونه مأموراً به ومسقطاً للأمر‏‎[4]‎‏ .‏

قلت :‏ إنّ الفرق بین المقام ومقام دوران الأمر بین التعیین والتخییر واضح‏‎ ‎‏جدّاً ؛ إذ هو إنّما یتصوّر فیما إذا علم المکلّف بتوجّه تکلیف واحد إلیه حال‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 266
‏الامتثال ، وشکّ عند الإتیان فی أنّ المطلوب هل هو هذا الفرد متعیّناً أو هو مع‏‎ ‎‏عدله ؟ ولا ریب أنّه لایجوز فی شریعة العقل العدول إلی ما هو مشکوک .‏

‏وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ المکلّف الفاقد حین فقدانه یعلم أنّه لیس مکلّفاً‏‎ ‎‏بتکلیف الواجد ، ویحتمل کونه مرخّصاً فی إتیان الصلاة مع الطهارة الترابیة ، کما‏‎ ‎‏یحتمل کونه غیر مکلّف بالصلاة حال الفقدان أصلاً ، بل یتعلّق به التکلیف بالصلاة‏‎ ‎‏بالطهارة المائیة حال وجدانه فیما بعد .‏

‏والحاصل : أنّه قاطع بعدم التکلیف بالعنوان الاختیاری حالة الاضطرار ،‏‎ ‎‏ویحتمل توجّه التکلیف علیه بالعنوان الاضطراری إذا کان الشرط هو الفقدان ؛ ولو‏‎ ‎‏فی بعض الحالات .‏

‏فحینئذٍ إذا أتی الاضطراری رجاءً ثمّ ارتفع العذر فهو قاطع لارتفاع الأمر‏‎ ‎‏الاضطراری وسقوطه ـ علی فرض وجوده ـ بالامتثال ، أو لعدم وجـوده مـن‏‎ ‎‏رأس ، ویشکّ عند تبدّل الحالة فی حدوث أمر جدید وتکلیف حدیث . فالمحکّم‏‎ ‎‏هو البراءة .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ وجوب الانتظار ـ کما ذکر فی الإشکال ـ لا محصّل لـه ؛‏‎ ‎‏إذ الواجب هـو إتیان الصلاة بما لها مـن الشرائـط والأجـزاء ، والانتظار لادخل لـه‏‎ ‎‏فیها ، فتدبّر .‏

ثمّ‏ إنّ التخییر بین الإتیان فی الحال والإتیان فی الاستقبال لیس من قبیل‏‎ ‎‏التخییر الشرعی ، بل من قبیل أمر انتزاعی انتزع من احتمال الترخیص فی إتیانها فی‏‎ ‎‏الحال ، ومن احتمال الإیجاب فی الاستقبال حین تعلّق التکلیف به علی فرض عدم‏‎ ‎‏الإتیان ، ومثل ذلک لایرجع إلی التعیین والتخییر .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 267
فتلخّص :‏ أنّه مع إهمال الأدلّة من الطرفین وتعدّد الأمر فی المقام یتعیّن القول‏‎ ‎‏بالبراءة إذا أتی بالفرد الاضطراری .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یصار إلی القول بتنجیز العلم الإجمالی ؛ حتّی فی التدریجیات ،‏‎ ‎‏فیصیر الاشتغال هو المحکّم فی الباب ، ویکون المقام من قبیل دوران الأمر بین‏‎ ‎‏التعیین والتخییر .‏

‏هذا حال الإعادة مع الإهمال المفروض .‏

‏وأمّا القضاء مع ذاک الفرض : فالأصل الجاری فی المقام هو البراءة مالم یرد‏‎ ‎‏هنا دلیل علی اللزوم ؛ لأنّ موضوع الوجوب فیه هو الفوت ، وهو غیر محقّق الصدق‏‎ ‎‏بعد إتیان المشکوک .‏

‏وتوهّم : إثباته باستصحاب عدم إتیان الفریضة مبنی علی حجّیة الاُصول‏‎ ‎‏المثبتة ؛ لأنّ الفوت غیر عدم الإتیان مفهوماً ؛ وإن کانا متلازمین فی الخارج ؛ إذ‏‎ ‎‏الموضوع هو الفوت ، وإثباته باستصحاب عدم الإتیان کإثبات أحد المتلازمین‏‎ ‎‏باستصحاب الآخر .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 268

  • )) کفایة الاُصول : 108 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 255 .
  • )) کفایة الاُصول : 110 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 230 .