فی الصلاة المعادة

فی الصلاة المعادة

‏ ‏

إن قلت :‏ بماذا یحمل فتاوی الأصحاب وتظافر النصوص فی صلاة المعادة‏‎ ‎‏جماعة بعد ما صلّی فرادی ، وأنّه یجعلها فریضة ویختار أحبّهما إلیه . . . إلی آخره ؟‏

قلت :‏ إنّ ذلک من باب تبدیل فرد من المأمور به بفرد آخر ، لا من تبدیل‏‎ ‎‏امتثال إلی آخر بعد العلم بکونه مشروعاً فی الدین ، وأنّ ذلک یوجب الثواب الزائد‏‎ ‎‏علی إیجادها فی ضمن مصداق آخر .‏

وتوضیحه :‏ أنّ تبدیل الامتثال یتوقّف علی تحقّق امتثالین مترتّبین ؛ بمعنی‏‎ ‎‏أنّه لابدّ أن یکون للمولی أمر متعلّق بطبیعة ، فیمتثله المکلّف دفعه مع بقاء الأمر ثمّ‏‎ ‎‏یمتثله ثانیاً ، ویجعل المصداق الثانی الذی تحقّق به الامتثال بدل الأوّل الذی تحقّق‏‎ ‎‏به الامتثال الأوّل .‏

‏وأمّا تبدیل مصداق المأمور به الذی تحقّق به الامتثال بمصداق آخر غیر‏‎ ‎‏محقّق للامتثال ، لکن محصّل للغرض اقتضاءً مثل المصداق الأوّل أو بنحو أوفی فهو‏‎ ‎‏لایتوقّف علی بقاء الأمر ، بل من قبیل تبدیل مصداق المأمور به بمصداق آخر ،‏‎ ‎‏لابصفة کونه مأموراً به .‏

‏وأمّا قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«ویجعلها فریضة»‎[1]‎‏ فالمراد منه أنّه یأتی الصلاة ناویاً بها‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 259
‏الظهر أو العصر مثلاً ، لا إتیانه امتثالاً للأمر الواجب ؛ ضرورة سقوطه بإتیان الصلاة‏‎ ‎‏الجامعة للشرائط ، ولهذا حکی‏‎[2]‎‏ عن ظاهر الفقهاء ـ إلاّ من شذّ من المتأ خّرین‏‎[3]‎‏ ـ‏‎ ‎‏تعیّن قصد الاستحباب فی المعادة للأمر الاستحبابی المتعلّق بها .‏

‏وأمّا قضیة الأوفی بالغرض واختیار أحبّهما إلیه وأمثالهما ممّا یتنزّه عنها‏‎ ‎‏مقام الربوبی فهی علی طبق فهم الناس وحسب محاوراتهم قطعاً .‏

ثمّ إنّ فی کلام بعض محقّقی العصر‏  ‏‏رحمه الله‏‏ وجهاً آخر لتوجیه الموارد التی توهّم‏‎ ‎‏کونها من تبدیل امتثال بآخر ، وملخّصه : أنّ فعل المکلّف ربّما یکون مقدّمة لفعل‏‎ ‎‏المولی الجوارحی ، کأمره بإحضار الماء لیشربه ، أو الجوانحی کأمره بإعادة الصلاة‏‎ ‎‏جماعة لیختار أحبّهما إلیه ، فهذه الأفعال أمر بها لتکون مقدّمة لبعض أفعاله .‏

‏فحینئذٍ : إن قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة کان الواجب هو الفعل الذی‏‎ ‎‏أوصل المولی إلی غرضه الأصلی ، وکان الآخر غیر متّصف به ؛ لعدم إیصاله .‏‎ ‎‏فالواجب هو الماء الذی حصل منه الشرب أو الصلاة المعادة التی اختاره ، فلیس إلاّ‏‎ ‎‏امتثال واحد .‏

‏وإن قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فعدم إمکان التبدیل أوضح ؛ لسقوط الأمر‏‎ ‎‏بالامتثال الأوّل‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه أمّا أوّلاً :‏ فإنّ جعل الأوامر الشرعیة المتعلّقة بأفعال المکلّفین من قبیل‏‎ ‎‏الوجوب الغیری دون النفسی ؛ لحدیث کونها مقدّمات إلی الأغراض ممّا لایرضی به‏‎ ‎‏أحد . کیف ، وهی من أشهر مصادیق الواجبات النفسیة ؟ ! ومعه لا یبقی لما ذکره‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 260
‏بشقّیه وجه ، وقد حقّقنا مناط الغیریة والنفسیة فی محلّه‏‎[5]‎‏ .‏

وثانیاً :‏ أنّ المقدّمة الموصلة ـ بأیّ وجه صحّحنا وجوبها ـ إنّما تتحقّق فیما‏‎ ‎‏إذا کان الإیصال تحت اختیار العبد وقدرته ؛ حتّی تقع تحت دائرة الطلب ،‏‎ ‎‏والمفروض أنّ فعل المولی أو اختیاره متوسّط بین فعل العبد وحصول الغرض ،‏‎ ‎‏فلابدّ أن یتعلّق الأمر بنفس المقدّمة ، من غیر لحاظ الإیصال .‏

‏وما ربّما یتکرّر فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ : من أنّ الواجب هو الحصّة بنحو القضیة الحینیة‏‎ ‎‏أو الحصّة الملازمة للغایة ففیه ـ مضافاً إلی عدم کونه معقولاً ؛ لأنّ الأعدام لامیز‏‎ ‎‏فیها ، وأنّ صیرورة الحصّة حصّة لایمکن إلاّ بالتقیید ، ولا تتوجّه النفس إلی حصّة‏‎ ‎‏دون غیرها ما لم یتعیّن بالقید ـ أنّ الحصّة بما أنّها ملازمة لأمر غیر مقدور فهی غیر‏‎ ‎‏مقدور ، لایمکن تعلّق الطلب بها .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الإیجاب بنحو القضیة الحینیة أیضاً إنّما یتصوّر فیما إذا‏‎ ‎‏کان الظرف موجوداً أو یکون إیجاده تحت قدرة المکلّف ، وهما مفقودان هاهنا ؛‏‎ ‎‏فإنّ الوجوب حین وجود ذی المقدّمة لا یتصوّر ، والمفروض أنّ إیجاده غیر مقدور .‏

‏نعم ، یمکن أن یقال : إنّ الواجب ـ أی ما یقع علی نعت الوجوب ـ هو ما‏‎ ‎‏یتعقّبه اختیار المولی بنحو الشرط المتأخّر ، فلایکون الواجب هو المقدّمة الموصلة‏‎ ‎‏ـ ولو بنحو القضیة الحینیة ـ علی نحو الإطلاق ؛ حتّی یلزم علیه تحصیل القید ، بل‏‎ ‎‏الواجب هو المشروط بالشرط المتأخّر ، فإذا أتی بها ولم یتعقّبها اختیاره یکشف‏‎ ‎‏ذلک عن عدم وجوبها ، فحینئذٍ یخرج عن موضوع تبدیل الامتثال ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 261

  • )) الکافی 3 : 379 / 1 ، وسائل الشیعة 8 : 403 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 54 ، الحدیث 11 .
  • )) الصلاة ، ضمن تراث الشیخ الأعظم رحمه الله 7 : 363 .
  • )) الدروس الشرعیة 1 : 223 ، مسالک الأفهام 1 : 311 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 263 .
  • )) یأتی فی الصفحة 343 .