الاستدلال علی الفور بأدلّة النقل

الاستدلال علی الفور بأدلّة النقل

‏ ‏

‏وربّما یستدلّ بالآیات الدالّة علی وجوب الاستباق إلی الخیرات والمسارعة‏‎ ‎‏إلی المغفرة فی قوله تعالی : ‏‏«‏فَاستَبِقُوا الخَیراتِ‏»‏‎[1]‎‏ ، وقوله سبحانـه : ‏‏«‏سَارِعُوا‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 245
إلی مَغفِرةٍ مِنْ رَبِّکمْ‏»‏‎[2]‎‏ بتقریب أنّ المراد منها لیس نفسها ؛ لکونها فعل الربّ ، بل‏‎ ‎‏الأسباب المعدّة لحصولها .‏

وفیه أمّا أوّلاً :‏ أنّ ظاهر الآیات بشهادة ذیل بعضها ‏‏«‏وَجَنَّةٍ عَرضُها‎ ‎السَّماواتُ والأَرضُ‏»‏‎[3]‎‏ هو الوعظ والإرشاد إلی ما یستقلّ به العقل ؛ من حسن‏‎ ‎‏المسارعة والاستباق إلی ما بعث إلیه المولی ، لا المولویة .‏

وثانیاً :‏ أنّ الظاهر من مادّة الاستباق وهیئة المسارعة هو أنّ الأمر متوجّه إلی‏‎ ‎‏تسابق المکلّفین بعضهم علی بعض إلی فعل الخیرات وإلی مغفرة من ربّهم ؛ أی فی‏‎ ‎‏تقدّم شخص علی شخص آخر فی أمر مع معرضیته لهما ، کما فی قوله تعالی :‏‎ ‎‏«‏وَاسْتَبَقَا البَابَ‏»‏‎[4]‎‏ لا فی مبادرة شخص علی عمل مع قطع النظر عن کونه مورد‏‎ ‎‏المسابقة بین أقرانه .‏

‏وعلیه : لابدّ مـن حمل الخیرات وأسباب المغفرة علی مالو لم یسبق المکلّف‏‎ ‎‏إلیـه لفات منه بإتیان غیره ، مثل الواجبات الکفائیة ، ومعه یصیر الأمر للإرشاد .‏

وثالثاً :‏ أنّه لا دلالة فی آیة المسارعة علی العموم ، وما قیل من أنّ توصیف‏‎ ‎‏النکرة بقوله : ‏‏«‏مِنْ رَبِّکِمْ‏»‏‏ یفید العموم‏‎[5]‎‏ لا محصّل له أصلاً .‏

‏ویؤیّد ذلک : أنّک إذا تفحّصت التفاسیر تجد الأقوال متشتّتة فی تفسیر‏‎ ‎‏المغفرة ؛ حیث احتملوا أن یکون المراد کلمة الشهادة أو أداء الفرائض ، کما روی‏‎ ‎‏عن أمیر المؤمنین ‏‏علیه السلام‏‏ ، أو التکبیر الأوّل من الجماعة أو الصف الأوّل منها أو التوبة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 246
‏أو الإخلاص أو الهجرة قبل فتح مکّة أو متابعة الرسول أو الاستغفار أو الجهاد أو‏‎ ‎‏أداء الطاعات أو الصلوات الخمس‏‎[6]‎‏ . فالتردید والاختلاف شاهدان علی عدم‏‎ ‎‏استفادة العموم ، وإلاّ لم یجعلوا البعض قبال بعض ، فتأمّل .‏

‏وأورد علیه بعض الأعاظم إشکالاً عقلیاً ، وهو أنّه یلزم من وجوب الاستباق‏‎ ‎‏إلی الخیرات عدمه .‏

‏توضیح ذلک : أنّ الاستباق إلی الخیرات یقتضی بمفهومه وجود عدد منها‏‎ ‎‏یتحقّق بفعل بعض دون بعض ، مع کونهما من الخیرات . وعلی فرض وجوب‏‎ ‎‏الاستباق إلی الخیرات یلزم أن یکون الفرد الذی لا یتحقّق به الاستباق أن لایکون‏‎ ‎‏منها ؛ لمزاحمته الفرد الآخر ، وعلی فرض انتفاء کونه من مصادیقها یلزم عدم‏‎ ‎‏وجوب الاستباق فیما یتحقّق فیه ، وما یلزم من وجوده عدمه محال‏‎[7]‎‏ .‏

ولا یذهب علیک :‏ أنّ ما ذکره تکلّف وتجشّم :‏

‏أمّا أوّلاً : فلأنّ معنی «استبقوا» ـ کما مرّ ذکره ؛ مستمدّاً عن قوله تعالی :‏‎ ‎‏«‏وَاسْتَبَقا البَابَ‏»‏‏ ـ إنّما هو بعث المکلّفین إلی سبق بعضهم بعضاً ، لاسبق بعض‏‎ ‎‏الخیرات علی بعض .‏

‏وثانیاً : وقوع التزاحم بین الواجبین أو الأکثر لایخرج الواجب المزاحم‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ عن الخیریة ؛ إذ الفرض کون السقوط لأجل التزاحم لا التعارض ، فحینئذٍ‏‎ ‎‏یبقی ظهور مفهوم الاستباق علی حاله .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 247
‏وثالثاً : أنّ الأمر ـ کما سیجیء تحقیقه ـ یتعلّق بالطبائع دون الأفراد‏‎[8]‎‏ ،‏‎ ‎‏فلا معنی حینئذٍ للمزاحمة .‏

‏ورابعاً : لو سلّمنا جمیع ذلک ، فإنّه إنّما یتمّ لو کان إتیان الفعل فی أوّل وقته‏‎ ‎‏مطلوباً واحداً ؛ بحیث لو تأخّر لسقط عن المطلوبیة ، فحینئذٍ یکون مزاحمته لفردٍ‏‎ ‎‏آخر موجباً لخروجه عن الفردیة ، وأمّا إذا تعدّد المطلوب ؛ بکون أصل وجوده‏‎ ‎‏مطلوبـاً والإتیـان فی أوّل الوقت مطلوبـاً آخـر فلا یستلزم المزاحمـة خروجـه ،‏‎ ‎‏کما لا یخفی .‏

‎ ‎

تکمیل :

‏ ‏

‏إذا قلنا بإفادته الفور فهل معناه فوراً ففوراً ؛ بحیث لو عصی لوجب إتیانه فی‏‎ ‎‏الزمان الثانی ، أولا ؟ وجهان مبنیان علی وحدة المطلوب وتعدّده .‏

‏أمّا اللفظ فهو ساکت عن وجوب إتیانه ثانیاً لدی المخالفة ، بل مقتضی‏‎ ‎‏الإطلاق عدم وجوبه ؛ ضرورة احتیاجه إلی البیان لو کان مراداً للقائل ، ومع عدمه‏‎ ‎‏یتمّ الحجّة للعبد .‏

‏وأمّا الاستصحاب فتحقیق الحال فی جریانه موکول إلی محلّه ، فارتقب‏‎ ‎‏إن شاء الله .‏

‏ ‏

‏ ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 248

  • )) البقرة (2) : 148 ، المائدة (5) : 48 .
  • )) آل عمران (3) : 133 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) یوسف (12) : 25 .
  • )) اُنظر الفصول الغرویة : 76 / السطر16 .
  • )) راجع مجمع البیان 2 : 836 و 9 : 361 ، التفسیر الکبیر 9 : 4 ـ 5 ، الجامع لأحکام القرآن ، القرطبی 17 : 256 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 252 .
  • )) یأتی فی الصفحة 487 .