فیما استدلّ به للقائلین بامتناع الأخذ امتناعاً بالغیر

فیما استدلّ به للقائلین بامتناع الأخذ امتناعاً بالغیر

‏ ‏

وأمّا القول الثانی‏ ـ أعنی امتناع أخذه فی المتعلّق امتناعاً بالغیر ـ فقد استدلّ‏‎ ‎‏له بوجوه علیلة ، نشیر إلی مهمّاتها :‏

الأوّل :‏ أنّ فعلیة الحکم الکذائی تستلزم الدور ؛ لأنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی‏‎ ‎‏فعلیة موضوعه ـ أی متعلّقات متعلّق التکلیف ـ ضرورة أنّه مالم تکن القبلة متحقّقة‏‎ ‎‏لا یمکن التکلیف الفعلی باستقبالها ، وفعلیة الموضوع فیما نحن فیه تتوقّف علی‏‎ ‎‏فعلیة الحکم ، فما لم یکن أمر فعلی لایمکن قصده ، فإذا کانت فعلیة الحکم ممتنعة‏‎ ‎‏یصیر التکلیف ممتنعاً بالغیر ؛ ضرورة أنّ التکلیف إنّما هو بلحاظ صیرورته فعلیاً‏‎ ‎‏لیعمل به المکلّف‏‎[1]‎‏ .‏

والجواب :‏ أنّک قد عرفت أنّ إنشاء التکلیف علی الموضوع المقیّد لایتوقّف‏‎ ‎‏إلاّ علی تصوّره ، فإذا أنشأ التکلیف کذلک یصیر الموضوع فی الآن المتأخّر فعلیاً ؛‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 214
‏لأنّ فعلیته تتوقّف علی الأمر الحاصل بنفس الإنشاء .‏

‏وبعبارة اُخری : أنّ فعلیة التکلیف متأخّرة عن الإنشاء رتبة ، وفی رتبة‏‎ ‎‏الإنشاء یتحقّق الموقوف علیه .‏

‏بل لنا أن نقول : إنّ فعلیة التکلیف لاتتوقّف علی فعلیة الموضوع ؛ توقّف‏‎ ‎‏المعلول علی علّته ، بل لابدّ فی حال فعلیة الحکم من فعلیة الموضوع ، ولو صار‏‎ ‎‏فعلیاً بنفس فعلیة الحکم ؛ لأنّ الممتنع هو التکلیف الفعلی بشیء لم یکن متحقّقاً‏‎ ‎‏بالفعل ، وأمّا التکلیف الفعلی بشیء یصیر فعلیاً بنفس فعلیة الحکم لم یقم دلیل علی‏‎ ‎‏امتناعه ، بل الضرورة قاضیة بجوازه .‏

الثانی :‏ أنّ الأمر یتوقّف علی قدرة المکلّف ، وهی فی المقام تتوقّف‏‎ ‎‏علی الأمر‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه ما مرّ :‏ من أنّ الأمر لایتوقّف علی قدرة العبد فی ظرف البعث والأمر ؛ إذ‏‎ ‎‏ربّما یکون المأمور به مقیّداً بقید غیر حاصل فی زمان البعث ، کالوقت ـ بناءً علی‏‎ ‎‏جواز الواجب المعلّق ، کما سیأتی تحقیقه‏‎[3]‎‏ ـ بل یتوقّف علی قدرته فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال ، وفی ذلک الوعاء یکون الأمر متحقّقاً .‏

الثالث :‏ أنّ امتثال ذلک الأمر المقیّد بقصد أمره محال ، فالتکلیف وانقداح‏‎ ‎‏الإرادة لأجله محال .‏

‏توضیحه : أنّ الأمـر لایدعـو إلاّ إلی متعلّقه ، والمتعلّق هاهنا هـو الشیء‏‎ ‎‏المقیّد بقصد الأمر . فنفس الصلاة ـ مثلاً ـ لاتکون مأموراً بها حتّی یقصد المأمور‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 215
‏امتثال أمرها ، والدعوة إلی امتثال المقیّد محال ؛ للزوم کون الأمر داعیاً إلی داعویة‏‎ ‎‏نفسه ومحرّکاً لمحرّکیة نفسه ، وهو تقدّم الشیء علی نفسه برتبتین وعلّیة الشیء‏‎ ‎‏لعلّة نفسه‏‎[4]‎‏ .‏

والجواب عنه یظهر بتوضیح أمرین ،‏ وإن مضت الإشارة إلیهما :‏

‏الأوّل : أنّ متعلّقات الأوامر لیست إلاّ الماهیات المعقولة ، لا أقول إنّ‏‎ ‎‏المأمور به إنّما هی الصلاة فی الذهن حتّی یصیر امتثاله محالاً ، بل طبیعة الصلاة بما‏‎ ‎‏أنّها ماهیة کلّیة قابلة للانطباق علی کثیرین ، والوجود الذهنی آلة تصوّرها ، فالبعث‏‎ ‎‏إلیها فی الحقیقة أمر بإیجادها وتحصیلها .‏

‏فهی بما أنّها مفهوم ، مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلّق للحکم ـ علی‏‎ ‎‏تسامح فی إطلاق العرض علیه ـ والوجود الخارجی مصداق للمأمور به لا نفس‏‎ ‎‏الواجب ؛ ولذلک یکون الخارج ظرف السقوط دون الثبوت . وعلیه فالموضوع فی‏‎ ‎‏المقام لیس إلاّ الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها ، والإنشاء والأمر إنشاء علی ذلک‏‎ ‎‏المقیّد .‏

‏الثانی : أنّ الأمر لیس إلاّ المحرّک والباعث الإیقاعی ، لا المحرّک الحقیقی‏‎ ‎‏والباعث التکوینی ؛ ولهذا لیس شأنه إلاّ تعیین موضوع الطاعة ، من غیر أن یکون له‏‎ ‎‏تأثیر فی بعث المکلّف تکویناً ، و إلاّ لوجب اتّفاق الأفراد فی الإطاعة .‏

‏بل المحرّک والداعی حقیقةً لیست إلاّ بعض المبادئ الموجودة فی نفس‏‎ ‎‏المکلّف ، کمعرفته لمقام ربّه ودرک عظمته وجلاله وکبریائه ، أو الخوف من سلاسله‏‎ ‎‏وناره ، أو الطمع فی رضوانه وجنّته .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 216
‏فحینئذٍ نقول : إن أراد القائل من کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه : أنّ‏‎ ‎‏الأمـر الإنشائی المتعلّق بالعنوان المقیّد مـوجب لذلک المحال فقد عرفت أنّ‏‎ ‎‏الإنشاء والإیقاع لایحتاج إلی مؤونـة أزید مـن تصوّر الطرفین ، مع أنّـه قد أقرّ‏‎ ‎‏بصحّـة ذلک الإیقاع .‏

‏وإن أراد : أنّ الأمر المحرّک للمکلّف تکویناً محرّک إلی محرّکیة نفسه فهو‏‎ ‎‏باطل بحکم الأمر الثانی ، وأنّ نسبة التحریک إلیه بضرب من التشبیه ؛ إذ العبد إذا‏‎ ‎‏أدرک استحقاق المولی للإطاعة أو خاف من ناره وغضبه ، ورأی أنّ الإطاعة‏‎ ‎‏لایحقّق إلاّ بالإتیان بالصلاة المقیّدة فلا محالة یقوم بامتثاله کیف ما أمر .‏

‏وأمّا قوله : إنّ الصلاة غیر متعلّقة بالأمر حتّی یأتی بها بقصد أمرها ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّ الأمر لم یتعلّق إلاّ بالمقیّد بقصد الأمر ، فالجواب عنه یتوقّف علی رفع‏‎ ‎‏الحجاب عن کیفیة دعوة الأمر فی المرکّبات والمقیّدات إلی أجزائها وقیودها ،‏‎ ‎‏وسنحقّق الحال فی ذلک إذا حان حینه عند البحث عن المقدّمات الداخلیة‏‎[5]‎‏ .‏

‏ومجمل القول فیه : أنّ الأوامر المتعلّقة بالمرکّبات والمقیّدات إنّما تتعلّق بهما‏‎ ‎‏بما أنّهما موضوعات وُحدانیة ـ ولو اعتباراً ـ ولها أمر واحد لاینحلّ إلی أوامر‏‎ ‎‏متعدّدة ، ولا فرق بینهما وبین البسائط فی ناحیة الأمر ، فهو بعث وحدانی تعلّق‏‎ ‎‏بالبسیط أو المرکّب والمقیّد .‏

‏فالمطابق للبرهان والوجدان هو أنّ البعث فی هذه الأقسام الثلاثة علی وزان‏‎ ‎‏واحد ، لاینحلّ الأمر إلی أوامر ، ولا الإرادة إلی إرادات ؛ وإن کانت تفترق فی‏‎ ‎‏انحلال الموضوع فی الأوّلین دون الثالث .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 217
‏ولکن دعـوة الأمـر إلی إیجاد القیود والأجـزاء بعین الدعوة إلی إیجاد‏‎ ‎‏المرکّب والمقیّد ، وإیجاد القید أو الجزء امتثال للأمر المتعلّق بالمقیّد والمرکّب ،‏‎ ‎‏لا امتثالٌ لأمرهما الضمنی أو الانحلالی ـ کما اشتهر بین القوم ـ لأنّ العقل حاکم‏‎ ‎‏علی أنّ کیفیة امتثال الأمر المتعلّق بالمرکّب والمقیّد إنّما هو بالإتیان بالأجزاء‏‎ ‎‏وإیجاد القیود .‏

‏فحینئذٍ : فالجزء أو القید لیس غیر مدعوّ إلیهما رأساً ، ولا مدعوّ إلیهما بدعوة‏‎ ‎‏خاصّة منحلّة ، بل مدعوّ إلیهما بعین دعوته إلی المرکّب أو المقیّد ؛ إذ الأمر واحد‏‎ ‎‏والمتعلّق فارد .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 218

  • )) اُنظر نهایة الدرایة 1 : 326 .
  • )) اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 94 .
  • )) یأتی فی الصفحة 328 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 95 .
  • )) یأتی فی الصفحة 290 .