منشأ ظهور الصیغة فی الوجوب

منشأ ظهور الصیغة فی الوجوب

‏ ‏

‏إذا عرفت ما مهّدناه فاعلم : أنّه قد وقع الخلاف فی أنّ هیئة الأمر هل تدلّ‏‎ ‎‏علی الوجوب أولا ؟ وعلی الأوّل هل الدلالة لأجل الوضع أو بسبب الانصراف ، أو‏‎ ‎‏لکونه مقتضی مقدّمات الحکمة ؟ فیه وجوه ، بل أقوال .‏

‏وهناک احتمال آخر ـ وإن شئت فاجعله رابع الأقوال ـ وهو أنّها کاشفة عن‏‎ ‎‏الإرادة الحتمیة الوجوبیة ؛ کشفاً عقلائیاً ، ککاشفیة الأمارات العقلائیة .‏

‏ویمکن أن یقال : إنّها وإن لم تکن کاشفة عن الإرادة الحتمیة إلاّ أنّها حجّة‏‎ ‎‏بحکم العقل والعقلاء علی الوجوب ؛ حتّی یظهر خلافه ، وهذا خامس الوجوه .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 197
فنقول :‏ أمّا الدلالة الوضعیة فإن اُرید منها أنّ البعث متقیّد بالإرادة الحتمیة‏‎ ‎‏فهو ظاهر البطلان ؛ إذ قد أشرنا‏‎[1]‎‏ أنّ الإنشائیات ـ ومنها البعث بالهیئة ـ معانٍ‏‎ ‎‏إیجادیة ، لایحکی عن مطابق خارجی لها ، بل توجد بشراشر شؤونها فی ظرف‏‎ ‎‏الإنشاء . فإذن الهیئة موضوعة للبعث بالحمل الشائع ؛ أی ما هو مصداق له بالفعل‏‎ ‎‏وقائم مقام إشارة المشیر ، فلا معنی ـ حینئذٍ ـ لتقیید البعث الخارج بالمفهوم أصلاً .‏

‏ولو کان التقیید بوجود الإرادة الحتمیة دون مفهومها . ففیه : أنّه یستلزم تقیید‏‎ ‎‏المعلول بعلّته ؛ إذ البعث معلول للإرادة ؛ ولو بمراتب ، فلو تقیّد البعث بوجوده‏‎ ‎‏الخارجی بوجود الإرادة الحتمیة لزم کون المتقدّم متأخّراً أو المتأخّر متقدّماً .‏

‏نعم ، هناک تصویر آخر ـ وإن کان یدفع به الاستحالة إلاّ أنّ التبادر والتفاهم‏‎ ‎‏علی خلافه ـ وذلک : أنّه قد مرّ‏‎[2]‎‏ فی البحث عن معانی الحروف أنّه لایمکن‏‎ ‎‏تصویر جامع حقیقی بین معانیها ، من غیر فرق بین الحاکیات أو الإیجادیات ؛ إذ‏‎ ‎‏الجامع الحرفی لابدّ وأن یکون ربطاً بالحمل الشائع ، وإلاّ صار جامعاً اسمیاً . وما‏‎ ‎‏هو ربط کذلک یصیر أمراً مشخّصاً لا یقبل الجامعیة .‏

‏وعلیه وإن کان لایمکن تصویر جامع حقیقی بین أفراد البعث الناشئة عن‏‎ ‎‏الإرادة الجدّیة إلاّ أنّه لا مانع من تصویر جامع اسمی عرضی بینها ، کالبعث الناشئ‏‎ ‎‏من الإرادة الحتمیة ، ثمّ توضع الهیئة بإزاء مصادیقه ، من باب عموم الوضع‏‎ ‎‏وخصوص الموضوع له ، من غیر تقیید .‏

‏هذا ، ولکن المتفاهم من الهیئة لدی العرف هو البعث والإغراء ، کإشارة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 198
‏المشیر لإغراء غیره ، لا البعث الخاصّ الناشئ عن الإرادة الحتمیة ، فتدبّر .‏

‏وأمّا القول بکون الوجوب مستفاداً من انصرافه إلی البعث المنشأ من الإرادة‏‎ ‎‏الحتمیة فممّا لاینبغی الإصغاء إلیه ؛ إذ المنشأ الوحید لذلک هو کثرة استعماله فیه ؛‏‎ ‎‏بحیث یوجب استئناس الذهن ، وهی مفقودة .‏

‏وبه یتّضح بطلان ما جعلناه قولاً رابعاً ؛ من دعوی کونه کاشفاً عقلائیاً عن‏‎ ‎‏الإرادة الحتمیة ، والقدر المسلّم کونه کاشفاً عن إرادة الآمر فی الجملة ، لا عن‏‎ ‎‏الإرادة الحتمیة ؛ إذ الکشف من غیر ملاک غیر معقول ، وما یتصوّر هنا من الملاک‏‎ ‎‏هی کثرة الاستعمال فیما ادّعوه ؛ بحیث یندکّ الطرف الآخر لدیه ، ویحسب من‏‎ ‎‏النوادر التی لایعتنی به العقلاء . إلاّ أنّ وجدانک شاهد صدق علی أنّ الاستعمال فی‏‎ ‎‏خلاف الوجوب لایقصر عنه ، لو لم یکن أکثر .‏

وأمّا‏ القول بکون الوجوب مقتضی مقدّمات الحکمة فقد قرّبه وقوّاه بعض‏‎ ‎‏محقّقی العصر ‏‏رحمه الله‏‏ علی ما فی تقریراته بوجهین :‏

الأوّل :‏ ما أفاده فی مادّة الأمر أنّ الطلب الوجوبی هو الطلب التامّ الذی لاحدّ‏‎ ‎‏له من جهة النقص والضعف ، بخلاف الاستحبابی ؛ فإنّه مرتبة من الطلب محدودة‏‎ ‎‏بحدّ النقص والضعف ، ولاریب فی أنّ الوجود غیر المحدود لایفتقر فی بیانه إلی أکثر‏‎ ‎‏ممّا یدلّ علیه ، بخلاف المحدود فإنّه یفتقر بعد بیان أصله إلی بیان حدوده . وعلیه‏‎ ‎‏یلزم حمل الکلام الذی یدلّ علی الطلب بلا ذکر حدّ له علی المرتبة التامّة ؛ وهو‏‎ ‎‏الوجوب ، کما هو الشأن فی کلّ مطلق‏‎[3]‎‏ .‏

‏وقرّره فی المقام بتعبیر واضح : من أنّ مقدّمات الحکمة کما تجری لتشخیص‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 199
‏مفهوم الکلام سعةً وضیقاً ، کذلک یمکن أن تجری لتشخیص أحد مصداقی المفهوم ،‏‎ ‎‏کما لو کان لمفهوم الکلام فردان فی الخارج ، وکان أحدهما یستدعی مؤونة فی‏‎ ‎‏البیان أکثر من الآخر ، کالإرادة الوجوبیة والندبیة ؛ فإنّ الاُولی تفترق عن الثانیة‏‎ ‎‏بالشدّة ؛ فیکون ما به الامتیاز فیه عین ما به الاشتراک ، وأمّا الثانیة فتفترق عن‏‎ ‎‏الاُولی بالضعف ؛ فما به الامتیاز فیه غیر ما به الاشتراک ، فالإرادة الندبیة تحتاج إلی‏‎ ‎‏دالّین بخلاف الوجوبیة‏‎[4]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

وفیه نظرات وتأمّلات :

‏منها :‏‏ أنّ المقدّمات المعروفة لوجرت فیما نحن فیه لا تثبت إلاّ نفس الطلب‏‎ ‎‏الذی هو القدر المشترک بین الفردین .‏

‏وتوضیحه : أنّه قد مرّ فی بحث الوضع : أنّ اللفظ لایحکی إلاّ عمّا وضع‏‎ ‎‏بإزائه ، دون غیره من اللوازم والمقارنات ، والمفروض أنّ مادّة الأمر وضعت لنفس‏‎ ‎‏الجامع بلا خصوصیة فردیة ، والإطلاق المفروض لو ثبت ببرکة مقدّماته لا تفید إلاّ‏‎ ‎‏کون ما وقع تحت البیان تمام المراد ، وقد فرضنا أنّ البیان بمقدار الوضع ، ولم یقع‏‎ ‎‏الوضع إلاّ لنفس الجامع دون الخصوصیة ، فمن أین یستفاد کون الوجوب هو المراد‏‎ ‎‏دون الجامع ؟ مع أنّ مصبّ المقدّمات هو الثانی دون الأوّل ، والدلالة والبیان‏‎ ‎‏لم یتوجّه إلاّ إلی الجامع دون الوجوب .‏

‏ودعوی : عدم الفرق بین القدر الجامع والطلب الوجوبی واضح الفساد ؛‏‎ ‎‏لاستلزامها اتّحاد القسم والمقسم فی وعاء الحدّ ، والضرورة قاضیة بلزوم افتراق‏‎ ‎‏الفرد عن الجامع بخصوصیـة زائدة ، وسیأتی بقیة المقال فی تقسیم الأمر إلی‏‎ ‎‏النفسی والغیری .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 200
‏فإن قلت : لازم إجراء المقدّمات فی المقام کون الأمر ظاهراً فی نفس‏‎ ‎‏الجامع ، مع أنّا نقطع بأنّه لیس له وجود إلاّ بوجود أفراده ، ولیس له حصول إلاّ فی‏‎ ‎‏ضمن أحد الفردین ، فکیف ینسب إلی المولی بأنّه تمام المراد ؟‏

‏قلت : هذا ـ لو سلّم ـ یکشف عن کون المقام خارجاً عن مصبّ المقدّمات ،‏‎ ‎‏وما ذکرنا من أنّ جریانها یوجب کونها ظاهراً فی نفس الطلب لأجل المماشاة ، بل‏‎ ‎‏کما لایوجب ظهورها فی الجامع لایوجب ظهورها فی أحد القسمین مع کونه‏‎ ‎‏متساوی النسبة إلیهما ، وما ذکرنا فی المادّة جارٍ فی مفاد الهیئة حرفاً بحرف .‏

ومنها :‏ أنّ کون ما به الاشتراک فی الحقائق الوجودیة عین ما به الامتیاز‏‎ ‎‏لایوجب عدم الاحتیاج فی صرف الجامع إلی أحد القسمین إلی بیان زائد عن بیان‏‎ ‎‏نفس الطبیعة ؛ ضرورة أنّ الأقسام تمتاز عن المقسم بقید زائد فی المفهوم ؛ وإن لم‏‎ ‎‏یکن زائداً فی الوجود .‏

‏فالوجود المشترک مفهوماً بین مراتب الوجودات لایمکن أن یکون معرّفاً‏‎ ‎‏لمرتبة منها ، بل لابدّ فی بیانها من قید زائد ـ ولو من باب زیادة الحدّ علی‏‎ ‎‏المحدود ـ فنفس مفهوم الوجود لایکون حاکیاً إلاّ عن نفس الحقیقة الجامعة بینها ،‏‎ ‎‏ولابدّ لبیان وجود الواجب ـ مثلاً ـ إلی زیادة قید ، کالتامّ والمطلق والواجب بالذات‏‎ ‎‏ونحوها ، فإذن الإرادة القویة ـ کالضعیفة ـ تحتاج إلی بیان زائد ، وکذا نظائرها .‏

وبالجملة : ‏الخلط حاصل من إسراء حکم الخارج إلی المفهوم . وکون شیء‏‎ ‎‏جامعاً أو فرداً فی لحاظ التحلیل ووعاء المفهوم إنّما هو لأجل تمیّز بینهما بإضافة‏‎ ‎‏قید أو شرط ؛ ولو من باب زیادة الحدّ علی المحدود .‏

ومنها :‏ أنّ ما ذکره من أنّ ما بـه الاشتراک فی طرف الناقص غیر ما به‏‎ ‎‏الامتیاز عجیب جدّاً ، بل غفلة عن حقیقة التشکیک فی الحقائق البسیطة ؛ إذ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 201
‏الجمع بین البساطة فی الوجـود وبین کونـه ذا مراتب تتفاوت بالشدّة والضعف‏‎ ‎‏لایصحّ إلاّ بالالتجاء إلی أنّ ما به الامتیاز فی جمیع المراتب عین ما به الاشتراک ؛‏‎ ‎‏قضاءً لحقّ البساطة .‏

‏وعلی ذلک لیست الإرادة الضعیفة مرکّبة من إرادة وضعف ، بل بتمام هویتها‏‎ ‎‏إرادة وتعدّ من المرتبة البسیطة ، وتکون بنفس ذاتها ممتازة عن القویة ، کما أنّ القویة‏‎ ‎‏لیست مرکّبة من إرادة وقوّة .‏

والحاصل :‏ أنّ کلتا المرتبتین بسیطتان جدّاً ؛ بحیث کان ما به الاشتراک فیهما‏‎ ‎‏عین ما به الامتیاز ، وتکون الحقیقة ذات عرض عریض ، لکن فی مقام البیان‏‎ ‎‏والتعریف یحتاج کلاهما إلی معرّف غیر نفس المفهوم المشترک ، فالإرادة التامّة أو‏‎ ‎‏الطلب التامّ یحتاج إلی بیان زائد عن أصل الطلب کالإرادة الناقصة .‏

الوجه الثانی :‏ أنّ کلّ طالب إنّما یأمر لأجل التوسّل إلی إیجاد المأمور به ،‏‎ ‎‏فلابدّ أن یکون طلبه غیر قاصر عن ذلک ، وإلاّ فعلیة البیان ، والطلب الإلزامی غیر‏‎ ‎‏قاصر عنه دون الاستحبابی ، فلابدّ أن یحمل علیه الطلب‏‎[5]‎‏ .‏

قلت :‏ إن کان المراد من هذا الوجه أنّ الطلب الوجوبی لایحتاج إلی بیان زائد‏‎ ‎‏بخلاف الاستحبابی ففیه : أنّه یرجع إلی الوجه الأوّل ، وقد عرفت جوابه .‏

‏وإن کان الغرض هـو أنّ الآمـر بصدد إیجاد الداعی فی ضمیر المأمـور‏‎ ‎‏لأجل تحصیل المأمـور به فهو مسلّم ، ولکن لایفید ما رامه ؛ إذ البعث لأجل‏‎ ‎‏إحـداثه أعمّ من الإلزامی وغیره .‏

‏وإن کان المقصود دعوی أنّ کلّ آمر بصدد تحصیل المأمور به علی سبیل‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 202
‏اللزوم فمع کونها مصادرة ممنوعة ؛ لأنّ الأوامر علی قسمین .‏

وهناک تقریب آخر أفاده شیخنا العلاّمة :‏ من أنّ الحمل علی الوجوب لأجل‏‎ ‎‏أنّ الإرادة المتوجّهة إلی الفعل تقتضی وجوده لیس إلاّ ، والندب إنّما یأتی من قبل‏‎ ‎‏الإذن فی الترک ؛ منضمّاً إلی الإرادة المذکورة ؛ فاحتاج الندب إلی قید زائد بخلاف‏‎ ‎‏الوجوب ؛ فإنّه یکفی فیه تحقّق الإرادة فقط .‏

ثمّ أفاد :‏ أنّ الحمل علیه لایحتاج إلی مقدّمات الحکمة ؛ لأجل استقرار‏‎ ‎‏الظهور العرفی بمجرّد عدم ذکر القید فی الکلام ، ونظیـر ذلک قولنا «أکرم کلّ‏‎ ‎‏رجل» ؛ إذ لا نری من أنفسنا فی الحکم بالعموم فی أفراد الرجل الاحتیاج إلی‏‎ ‎‏مقدّمات الحکمة فی لفظ الرجل ؛ بحیث لولاها کنّا نتوقّف فی المراد من القضیة‏‎ ‎‏المذکورة‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

‏والعارف بما أسلفناه فی توضیح الإرادة القویة والضعیفة‏‎[7]‎‏ ، وما سیأتی منّا‏‎ ‎‏فی توضیح الأحکام الخمسة یقف علی الخدشة فیما أفاده ؛ إذ الوجوب والندب من‏‎ ‎‏الاُمور الاعتباریة ینتزع من نفس البعث باعتبار مبادئه ؛ إذ البعث الصادر عن الإرادة‏‎ ‎‏الشدیدة ینتزع منه الوجوب ، کما أنّ الصادر عن الضعیفة ینتزع منه الندب ، لا أنّ‏‎ ‎‏الندب یأتی من قِبَل الإذن فی الترک منضمّاً إلی الإرادة المذکورة .‏

‏وبعبارة أوضح : أنّ الإرادة فی الوجوب والندب مختلفة مرتبةً ـ کما تقدّم ـ‏‎ ‎‏ولایمکن أن تکون الإرادة فیهما واحدة ، ویکون الاختلاف بأمر خارج . فحینئذٍ‏‎ ‎‏فالإرادة الحتمیة نحو اقتضاء لها لیس لغیر الحتمیة .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 203
‏وأمّا قیاسه نفی الاحتیاج إلی مقدّمات الحکمة علی القضیة المسوّرة بلفظة‏‎ ‎‏«کلّ» فغیر صحیح ؛ إذ عدم الاحتیاج فی المسوّرة بلفظة «کلّ» ـ وسیوافیک تفصیله‏‎ ‎‏فی مباحث العموم ـ لأجل بیان لفظی بالنسبة إلی نفس الأفراد دون أحوالها ؛ إذ‏‎ ‎‏سور القضیة متعرّض وضعاً لکلّ فرد فرد بنحو الجمع فی التعبیر ، ومع البیان کذلک‏‎ ‎‏لا معنی لإجراء المقدّمات ، بخلاف المقام .‏

‏نعم ، هنا إشکال آخر یرد علی کلّ من قال بدلالة الأمر علی الوجوب أو‏‎ ‎‏الندب ـ بأیّ دلیل تمسّک ـ ومن قال باستعماله فیهما حقیقة أو مجازاً ؛ إذ انتزاعهما‏‎ ‎‏أو اعتبارهما ـ علی الفرق المقرّر فی محلّه بین الانتزاعیات والاعتباریات ـ إن کان‏‎ ‎‏بلحاظ الإرادة الحتمیة أو المصلحة الملزمة فی الوجوب وعدمهما فی الندب فمن‏‎ ‎‏البیّن أنّ ذلک من مبادئ الاستعمال وهو مقدّم بالطبع علی الاستعمال ، وإن کان‏‎ ‎‏بلحاظ حتمیة الطاعة أو عدمها فمن الواضح أنّهما منتزعتان بعد الاستعمال ،‏‎ ‎‏فلا یعقل الاستعمال فیهما علی جمیع الأقوال .‏

‏لکن بعد اللتیا والتی لا إشکال فی حکم العقلاء کافّة علی تمامیة الحجّة علی‏‎ ‎‏العبد مع صدور البعث من المولی ـ بأیّ دالّ کان ـ وقطع عذره وعدم قبوله باحتمال‏‎ ‎‏نقص الإرادة وعدم حتمیة البعث وغیر ذلک .‏

‏ولاریب فی حکمهم بلزوم إطاعة الأوامر الصادرة من المولی ، من غیر توجّه‏‎ ‎‏إلی التشکیک العلمی ؛ من احتمال کونه صادراً عن الإرادة غیر الحتمیة ، أو ناشئاً‏‎ ‎‏عن المصلحة غیر الملزمة .‏

‏ولیس ذلک لدلالـة لفظیة أو لجهـة الانصراف أو لاقتضاء مقدّمات الحکمـة‏‎ ‎‏أو لکشفه عن الإرادة الحتمیة ، بل لبناء منهم علی أنّ بعث المولی لایترک‏‎ ‎‏بغیر جـواب ، کما لایترک باحتمال الندب . فتمام الموضوع لحکمهم بوجوب‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 204
‏الطاعـة هو نفس البعث مالم یرد فیه الترخیص .‏

‏هذا من غیر فرق بین ما دلّ علی الإغراء والبعث ، سواء کان الدلالة بآلة‏‎ ‎‏الهیئة أو بإشارة من یده أو رأسه ، فالإغراء بأی دالّ کان هو تمام الموضوع لحکم‏‎ ‎‏العقلاء بتمامیة الحجّة ، إلاّ أن یدلّ دلیل علی الترخیص . ولعلّ ذلک منظور شیخنا‏‎ ‎‏العلاّمة ، أعلی الله مقامه .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 205

  • )) تقدّم فی الصفحة 191 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 46 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 197 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 214 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 197 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 74 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 194 .