المبحث الثانی فی معانی اُخر لصیغة الأمر

المبحث الثانی فی معانی اُخر لصیغة الأمر

‏ ‏

‏قد تقدّم منّا تحقیق القول فی الحقیقة والمجاز ، ومرّ أنّ اللفظ فیهما مستعمل‏‎ ‎‏فی الموضوع له‏‎[1]‎‏ ، ولکن لیثبت الذهن فیه ولایتجاوز إلی غیره فی الحقیقة ، أو‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 192
‏یتجاوز إلی شیء آخر بادّعاء أنّ الثانی أیضاً عینه فی المجاز .‏

‏فحینئذٍ یتّضح : أنّ الترجّی والتمنّی والتهدید وإن کانت ربّما تراد من الأمر ،‏‎ ‎‏لکن لافی عرض البعث والإغراء ، بل المستعمل فیه مطلقاً هو البعث ، وإنّما یجعل‏‎ ‎‏عبرة لغیره أحیاناً .‏

‏ثمّ الانتقال من المعنی الحقیقی : إمّا إلی معنی محقّق فی الواقع ، کما فی قوله‏‎ ‎‏سبحانه : ‏‏«‏قُلْ فَأتُوا بِعشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفتَریاتٍ‏»‏‎[2]‎‏ استعمل الأمر فی البعث ، لکن‏‎ ‎‏لا لیحقّ علیه ، بل لأجل الانتقال إلی أمر محقّق ثابت غیر قابل للإنشاء ؛ وهو‏‎ ‎‏خطأهم فینسبة الافتراء إلی رسول الله  ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ، أو عجزهم عن المعارضة والمناضلة .‏

‏و إمّا إلی معنی إنشائی إیقاعی ، فینشأ تبعاً لصیغة الأمر ، کالترجّی وتمنّی‏‎ ‎‏الانجلاء فی قول امرء القیس فی معلّقته :‏

‏ ‏

‏ألا أیّها اللیل الطویل ألا انجلی‏

‎ ‎‏بصبحٍ ، وما الإصباح منک بأمثلِ‏

‏ ‏

‏وبه تتّضح مشکلة اُخری : وهی أنّ الاستفهام والترجّی والتمنّی التی‏‎ ‎‏استعملت فی الذکر الحکیم لو بقیت علی حالها لاستلزمت النقص والجهل والعجز‏‎ ‎‏فی ذاته ، تعالی عن العیوب والنقائص .‏

وحلّها :‏ أنّ الکلمات الموضوعة لإنشاء تلک المعانی کلّها مستعملة فیما‏‎ ‎‏وضعت له لأجل الانتقال إلی معنی آخر ، حسب مناسبة الموارد والمقامات‏‎[3]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 193

  • )) تقدّم فی الصفحة 62 .
  • )) هود (11) : 13 .
  • )) إنّ  القوم فتحوا هنا باباً واسعاً للبحث عن مسألة اتّحاد الطلب والإرادة ؛ حتّی جرّ البحث مقالهم إلی التحقیق عن مسألة الجبر والتفویض التی قلّما یتّفق لإنسان أن یکشف مغزاها .     وقد ألحّ روّاد العلم وعشّاق الحقیقة علی سیّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ أن یخوض فی هذه المباحث ، فأجاب ـ دام ظلّه ـ مسؤولهم ، فأتی بأفکار أبکار وآراء ناضجة ، ولمّا جاء ما أفاده علی صورة کتاب أفردناه للتألیف ، وعلّقت علیه ما بدا لی من التعمّق فی آیات الذکر الحکیم ، ومن التدبّر فی أخبار المعصومین علیهم السلام ، مشفوعاً بما استفدته من أساتذة الفنّ ، أو وقفت علیه فی زبر الأوّلین ورسائل الآخرین من أکابر القوم ، وسمّیته بـ «لبّ الأثر فی الجبر والقدر» ، وسیشمل للطبع بإذنه وتوفیقه تعالی .[المؤ لّف]