الأمر الثانی فی بیان الفرق بین المشتقّ و مبدئه

الأمر الثانی فی بیان الفرق بین المشتقّ ومبدئه

‏ ‏

‏تری أنّ عبائر القوم فی بیان الفرق تحوم حول أمر واضح ؛ وهو أنّ المشتقّ‏‎ ‎‏غیر آبٍ عن الحمل ، والمبدأ متعصّ عنه ، مع أنّ قابلیة المشتقّ له وعدم قابلیة ذاک‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 172
‏له لیستا من الاُمور الخفیة ؛ فانظر إلی قول المحقّق الخراسانی ؛ حیث قال : الفرق‏‎ ‎‏بین المشتقّ ومبدئه مفهوماً هو أ نّه بمفهومه لایأبی عن الحمل ؛ لاتّحاده مع‏‎ ‎‏الموضوع ، بخلاف المبدأ ؛ فإنّه یأبی عنه ، بل إذا قیس إلیه کان غیره لا هو هو ، وإلیه‏‎ ‎‏یرجع ما عن أهل المعقول من أنّ المشتقّ یکون لا بشرط والمبدأ بشرط لا‏‎[1]‎‏ ،‏‎ ‎‏انتهی ملخّصاً .‏

‏ولولا قوله إلی ذلک یرجع . . . إلی آخره کان کلامه مجملاً قابلاً للحمل علی‏‎ ‎‏الصحّة ؛ وإن کان توضیحاً للواضح کما عرفت ، وإنّما کان علیه بیان لمّیة قابلیة‏‎ ‎‏حمل المشتقّ دون المبدأ ، کما أنّ ما نسب إلی أهل المعقول لا تنحلّ به العقدة ، مع‏‎ ‎‏عدم صحّته فی نفسه ، کما سیأتی .‏

والتحقیق :‏ أنّ مادّة المشتقّات موضوعة لمعنی فی غایة الإبهام وعدم‏‎ ‎‏التحصّل ، ویکون تحصّله بمعانی الهیئات ، کما أنّ نفس المادّة أیضاً کذلک بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الهیئات . فمادّة «ضارب» لایمکن أن تتحقّق إلاّ فی ضمن هیئةٍ ما ، کما أ نّها لا‏‎ ‎‏تدلّ علی معنی باستقلالها .‏

‏فهی مع هذا الانغمار فی الإبهام وعدم التحصّل لاتکاد تتّصف بقابلیة الحمل‏‎ ‎‏ولا قابلیته ، إلاّ علی نحو السلب التحصیلی لا الإیجاب العدولی أو الموجبة السالبة‏‎ ‎‏المحمول ؛ لعدم شیئیة لها بنحو التحصّل والاستقلال . فهی مع کلّ مشتقّ متحصّلة‏‎ ‎‏بنحو من التحصّل .‏

‏نعم ، بناءً علی ما ذکرنا سابقاً من کون هیئة المصدر واسمه إنّما هی موضوعة‏‎ ‎‏لتمکین التنطّق بالمادّة یکون المصدر ـ کاسمه ـ هو الحدث المتحصّل ، فیتّصف‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 173
‏بالإباء عن الحمل ؛ لحکایته عن الحدث المجرّد عن الموضوع ـ ولو بنحو من‏‎ ‎‏التحلیل ـ بخلاف المادّة ؛ فإنّها بنفسها لا تحصل لها ولا لمعناها .‏

‏فاتّضح بما ذکر : أنّ مـادّة المشتقّات مفترقـة عن المصادر وأسمائها‏‎ ‎‏بالتحصّل وعدمه .‏

وأمّا الفرق بینها وبین المشتقّات القابلـة للحمل‏ فهو : أنّ المشتقّات‏‎ ‎‏موضوعـة للمعنون بما هو کذلک ، والمادّة موضوعة للعنوان المبهم لابقید الإبهام ،‏‎ ‎‏بل یکون نفسها مبهمة بالحمل الشائع ، والهیئة موضوعة لإفادة معنونیة شیء ما‏‎ ‎‏بالمبدأ .‏

‏فإذا ترکّب اللفظ من المادّة والهیئة ـ کالترکیب الاتّحادی ـ یدلّ علی المعنون‏‎ ‎‏بما هو کذلک ، لابنحو الکثرة کما مرّ ، وبذلک یصلح للحمل لحصول مناطه ؛ أی‏‎ ‎‏الهوهویة الخارجیة الحاکیة بالمفهوم المدلول علیه باللفظ .‏

‏ولایخفی : أنّ مرادنا من التحصّل هو المستعمل فی الماهیات النوعیة مقابل‏‎ ‎‏الأجناس ، لا المستعمل فی باب الوجود ، فلا تغفل . وبذلک یدفع توهّم لزوم دلالة‏‎ ‎‏المصدر علی معنی زائد من الحدث .‏

‏ولو اشتهی أحد أن یقول : إنّ حیثیة تحصّل الحدث ـ ولو نوعیاً ـ نحو من‏‎ ‎‏المعنی المدلول علیه بالهیئة فلا بأس به بعد وضوح الأمر .‏

‏وأمّا ما نسب إلی أهل المعقول من کون المادّة بشرط لا والمشتقّ لا بشرط‏‎ ‎‏فغیر صحیح ؛ لاستلزامه اجتماع أمرین متنافیین فی المشتقّات ؛ إذ المادّة التی‏‎ ‎‏اُخذت بشرط لا لابدّ وأن تکون موجودة فی فروعها بما لها من الحیثیات ، بلا‏‎ ‎‏حذف واحدة منها . وحینئذٍ هیئة المشتقّ لا تأبی عن الحمل بل تقتضیه ، ومادّته‏‎ ‎‏یتعصّی عنه ، وإلاّ لم تکن ما فرض مادّة مادّة .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 174
‏ولو قیل : إنّ الهیئة تقلّب المادّة إلی اللابشرط ، ففیه : أنّ ذلک لایرجع إلی‏‎ ‎‏محصّل ، إلاّ أن یراد به استعمال المادّة فی ضمن هیئة المشتقّ فی الماهیة اللابشرط ،‏‎ ‎‏وهو ـ مع استلزامه المجازیة ـ یهدم دعوی الفرق بین المادّة والمشتقّ بما ذکر .‏

‏واحتمال أنّ المراد من المادّة هنا هو المصدر یوجب وهناً علی وهن ، علی‏‎ ‎‏أنّ أخذ المبدأ بشرط لا ، یستلزم له نحواً من التحصّل ، والمتحصّل بما هو متحصّل‏‎ ‎‏لایعقل أن یصیر مبدأ لشیء آخر ، فتدبّر .‏

ثمّ‏ إنّ المنقول من أهل المعقول قد أیّده بعض المحقّقین من أهل الفنّ فی‏‎ ‎‏تعلیقاته ، وملخّصه یرجع إلی وجهین :‏

الأوّل :‏ أ نّا إذا رأینا شیئاً أبیض فالمرئی بالذات هو البیاض بالضرورة ، کما‏‎ ‎‏نحن نحکم قبل ملاحظة کونه عرضاً قائماً بالموضوع بأ نّه بیاض وأبیض ، ولولا‏‎ ‎‏الاتّحاد بالذات بین الأبیض بالذات والبیاض لما حکم العقل بذلک .‏

الثانی :‏ أنّ معلّم المنطق ومترجمی کلامه عبّروا عن المقولات بالمتکیّف دون‏‎ ‎‏الکیف ، ومثّلوا لها بالحارّ والبارد ، ولولا الاتّحاد لما صحّ ذلک‏‎[2]‎‏ .‏

‏ویشهد له ما نقل عن بعضهم من أنّ الحرارة لو کانت قائمة بذاتها لکانت‏‎ ‎‏حارّة بذاتها ، وهکذا البرودة‏‎[3]‎‏ .‏

وفیه :‏ خلط بین النظر العقلی والفهم العرفی ؛ إذ المتّبع فی تعیین المفاهیم هو‏‎ ‎‏الأذهان الصافیة عن شوائب البراهین العقلیة ؛ إذ قصاری ما أثبته البرهان هو أنّ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 175
‏الأبیض الحقیقی هو البیاض دون الجسم ؛ ولذا جعلوا حمل الأبیض علی الجسم‏‎ ‎‏شائعاً عرضیاً لا ذاتیاً ، وأمّا أنّ المشتقّات الدائرة بین العرف الساذج فاتّحادها مع‏‎ ‎‏مبادئها من الغرائب بینهم ، ولایرضی به ـ مهما صار دقیقاً ـ وأوهن منه التمسّک‏‎ ‎‏بکلام المترجمین أو الفرض الذی نسّجه البعض .‏

ثمّ‏ إنّ ما اشتهر فی توضیح اللابشرطیة والبشرط اللائیة فی المقام فهو أیضاً‏‎ ‎‏مأخوذ من ذلک المحقّق ، ومجمله : أنّ حقیقة البیاض تارة تلاحظ بما هی ، وأ نّها‏‎ ‎‏موجودة فی قبال موضوعها ، فهی بهذا اللحاظ بیاض ولا تحمل علی موضوعها ،‏‎ ‎‏واُخری تلاحظ بما هی ظهور موضوعها ومرتبة من وجوده ، وظهور الشیء وطوره‏‎ ‎‏لایباینه ، فیصحّ حملها علیه‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

‏لایکاد ینقضی تعجّبی من هذا المحقّق کیف جعل الوصفین المزبورین من‏‎ ‎‏الاُمور الاعتباریة ، وأنّ اللحاظ تارة یمنعه عن الحمل ، واُخری یخرجه عن‏‎ ‎‏التعصّی ؟ ! وقد تقدّم أنّ الحقّ کون اللابشرطیة وبدیلها من الاُمـور الواقعیـة‏‎[5]‎‏ .‏‎ ‎‏وإلی ذلک یرجع مغزی کلام المحقّقین ، وملخّص القول معه : أ نّه إن أراد من‏‎ ‎‏الاعتبارین أنّ المشتقّ قابل للحمل دون المبدأ فمسلّم ، وإن أراد اتّحادهما معنیً ،‏‎ ‎‏والفرق هو أنّ المشتقّ لوحظ مـن تطوّرات الموضوع وطوارئـه ومراتب وجـوده‏‎ ‎‏دون الآخر فغیر صحیح ؛ لأنّ المتبادر خلافه ؛ لأنّ المفهوم مـن المشتقّ المعنون‏‎ ‎‏دون العنوان ، مع أنّ الحمل لایصحّ مالم یتحیّث المحمول بحیثیة واقعیة خارجـة‏‎ ‎‏عن طوق الاعتبار .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 176

  • )) کفایة الاُصول : 74 ـ 75 .
  • )) نقلهما الحکیم السبزواری فی تعالیقه علی الأسفار عن المحقّق الدوانی . اُنظر الحکمة المتعالیة 1 : 42 ، الهامش 3 ، نهایة الدرایة 1 : 223 .
  • )) اُنظر الحکمة المتعالیة 6 : 65 ، نهایة الدرایة 1 : 224 .
  • )) اُنظر نهایة الدرایة 1 : 225 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 166 .