الأمر الأوّل فی بساطة المشتقّ و ترکّبه

الأمر الأوّل فی بساطة المشتقّ وترکّبه

‏ ‏

‏کون المشتقّ مخصوصاً بهذا النزاع دون الجوامد ؛ لعدم اشتمالها علی المادّة‏‎ ‎‏والهیئة اللتین لکلّ واحد منهما وضع مستقلّ ، کما فی المشتقّات حتّی یتوهّم فیها‏‎ ‎‏أیضاً حدیث البساطة والترکیب .‏

والوجوه المحتملة ثلاثة :

‏الأوّل :‏‏ أنّ مفاد المشتقّ ومعناه الموضوع له مرکّب تفصیلی ، بتقریب أنّ وزان‏‎ ‎‏المادّة والهیئة فی عالم الوضع والدلالة وزان لفظی «غلام زید» فی الدلالة علی‏‎ ‎‏معنیین متمیّزین ـ دلالة مستقلّة مفصّلة ـ وهذا المعنی المرکّب إمّا هو الذات‏‎ ‎‏والحدث والنسبة ، أو الحدث والنسبة ، أو الحدث والذات ، وجوه محتملة .‏

ولکن ‏لا أظنّ أحداً یلتزم بذلک ، فتکون المسألة ـ ظاهراً ـ ذات قولین .‏

الثانی :‏ القول بأنّ الموضوع له فی المشتقّ أمر بسیط محض غیر قابل‏‎ ‎‏للانحلال ـ لا دلالة ولا مدلولاً ، لابدءً ولا تعمّلاً ـ بتقریب أنّ الهیئة لم توضع‏‎ ‎‏لمعنی ، بل وضعت لقلب المعنی الذی هو بشرط لا إلی  معنی لابشرط ، وجعله غیر‏‎ ‎‏آبٍ عن الحمل والجری ، بعد ما کان متعصّیاً عنه‏‎[1]‎‏ .‏

‏وهذا القول أو هذا الاحتمال فی المشتقّ نظیر ما احتملناه‏‎[2]‎‏ فی المصدر ؛ من‏‎ ‎‏أنّ هیئته وضعت للتمکین من التنطّق بالمادّة ، وصیرورتها متحصّلة قابلة للدلالة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 165
‏المستقلّة ، وإلاّ فمفاد المصدر لیس إلاّ نفس الطبیعة ، وهی بعینها مفاد المادّة .‏

ولکن الظاهر :‏ أنّ القول بالبساطة المحضة یرجع إلی الترکیب الانحلالی ؛ وإن‏‎ ‎‏غفل قائله عنه .‏

وتوضیحه :‏ أنّ اللابشرطیة وبشرط اللائیة لیستا من الاعتبارات الجزافیة ؛‏‎ ‎‏بحیث یکون زمامهما بید المعتبر ؛ فإن شاء اعتبر ماهیة لابشرط فصارت قابلة‏‎ ‎‏للحمل ، وإن لم تکن فی نفسها کذلک وبالعکس ، بل التحقیق فی جُلّ المعقولات‏‎ ‎‏الثانویة والأوّلیة : أنّها نقشة لنفس الأمـر والواقـع ، فالمفاهیم فی کونها قابلـة‏‎ ‎‏للحمل وعدمه تابعة لما فی نفس الأمر ، والألفاظ الموضوعة للمفاهیم تابعة لها‏‎ ‎‏ولنفس الأمر .‏

‏وما عن الأساطین من کون الأجناس والفصول مأخوذتین لا بشرط لیس‏‎ ‎‏ناظراً إلی أنّ الوصف المزبور بید الاعتبار ، بل لکون واقعهما ومطابقهما لا بشرط ؛‏‎ ‎‏بحیث یتّحد کلّ مع الآخر ، والمفاهیم والألفاظ الموضوعة لها تابعة للواقع وحاکیة‏‎ ‎‏عن نفس الأمر .‏

‏فالأجناس والفصول مأخذهما المادّة والصورة المتّحدتان فی نفس الأمر ،‏‎ ‎‏ولولا ذلک الاتّحاد لکان حمل أحدهما علی الآخر ممتنعاً ـ ولو اعتبرناهما ألف مرّة‏‎ ‎‏لابشرط ـ فالحمل هو الهوهویة الحاکیة عن الهوهویة الواقعیة التی بین الحقائق .‏

‏فالجوهر والعنصر والمعدن والنبات والحیوان والناطق مأخذها ومحکیها هی‏‎ ‎‏الحقائق النفس الأمریة المتّحدة من المادّة الاُولی المتدرّجة إلی منزل الإنسان . ففی‏‎ ‎‏کلّ منزل تکون المادّة متّحدة مع الصورة ، وهذا الاتّحاد مناط اللابشرطیة ومناط‏‎ ‎‏صحّة الحمل فی المعانی المأخوذة منهما ، وفی الألفاظ الحاکیة عنها ، وبهذا‏‎ ‎‏المعنی یکون الترکیب بین المادّة والصورة اتّحادیاً .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 166
‏مثلاً قوّة النواة قد صارت عین النواة ؛ بحیث لیس هنا إلاّ فعلیة النواة . نعم بما‏‎ ‎‏أنّ فی هذه النواة قوّة الشجر ـ حقیقةً ـ یکون الترکیب بین قوّة الشجر وبین صورة‏‎ ‎‏النواة انضمامیاً ، وهما بهذا المعنی بشرط لا ، لایحمل أحدهما علی الاُخری إلاّ‏‎ ‎‏بوجه مسامحی لدی العقل الدقیق ، کما أنّ الصور المتدرجة فی الکمال إذا صارت‏‎ ‎‏واقفة لحدّ تکون بشرط لا بالنسبة إلی الحدود الاُخر واقعاً والمفهوم المأخوذ منها‏‎ ‎‏بشرط لا بالنسبة إلیها ؛ وإن کانت لا بشرط بالنسبة إلی المصادیق .‏

‏فالشجر هو النبات الواقف ؛ أی بشرط لا ، والنامی هو الحقیقة المتدرّجة فی‏‎ ‎‏الکمال ؛ أی اللابشرط ، والتفصیل موکول إلی محلّه‏‎[3]‎‏ .‏

‏فتحصّل ممّا مرّ : أنّ اللابشرطیة وبشرط اللائیة لیستا جزافیتین تابعتین‏‎ ‎‏لاعتبار المعتبر . فحینئذٍ نقول : لا یمکن أن تکون الهیئة لإخراج المادّة إلی‏‎ ‎‏اللابشرطیة إلاّ أن تکون حاکیة لحیثیة بها صار المشتقّ قابلاً للحمل ؛ فإنّ نفس‏‎ ‎‏الحدث غیر قابل له ، ولم یکن متّحداً فی نفس الأمر مع الذات ، فقابلیة الحمل تابعة‏‎ ‎‏لحیثیة زائدة علی الحدث المدلول علیه بالمادّة . فظهر أنّ لمادّة المشتقّات معنی‏‎ ‎‏ولهیئتها معنی آخر به صار مستحقّاً للحمل ، وهذا عین الترکیب الانحلالی .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 167

  • )) شرح تجرید العقائد ، القوشجی : 85 (تعلیقة المحقّق الدوانی) .
  • )) تقدّم فی الصفحة 150 .
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 16 ـ 44 و 5 : 282 ـ 305 .