الثانیة‏: فی وضع الهیئات

الثانیة : فی وضع الهیئات

‏ ‏

‏ولیس هنا مانع إلاّ عدم إمکان تصوّرها فارقة عن الموادّ ، أو عدم إمکان‏‎ ‎‏التنطّق بها بلا مادّة .‏

‏ولکنّک خبیر بأنّهما غیر مانعین عن الوضع ؛ إذ للواضع تصوّرها أو التلفّظ بها‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 151
‏فی ضمن بعض الموادّ ، مع وضعها لمعنی من المعانی ، مع إلغاء خصوصیة المورد ؛‏‎ ‎‏أعنی تلک المادّة .‏

هذا ، والمشتقّات اسمیة وفعلیة‏ ، وقد مرّ بعض الکلام فی الاسمیة منها‏‎[1]‎‏ .‏

وأمّا الفعلیة منها :‏ فهی إمّا حاکیات کالماضی والمضارع ، أو موجدات‏‎ ‎‏کالأوامر ، وسیأتی الکلام فی الثانیة فی محلّها ، فانتظر‏‎[2]‎‏ .‏

وأمّا الحاکیات :‏ فالذی یستظهر من عبائر بعض النحاة کونها موضوعة بإزاء‏‎ ‎‏الزمان ـ إمّا الماضی أو المستقبل ـ أو بإزاء السبق واللحوق علی نسق المعانی‏‎ ‎‏الاسمیة ؛ بحیث یکون هناک دلالات ومدلولات من الحدث والزمان الماضی أو‏‎ ‎‏بدیله والصدور أو الحلول ، هذا ولکن الضرورة تشهد بخلافه .‏

والتحقیق :‏ أنّ هیئات الأفعال کالحروف لا تستقلّ معانیها بالمفهومیة‏‎ ‎‏والموجودیة ، ویکون وضعها أیضاً ـ کالحروف ـ عامّاً والموضوع له فیها خاصّاً‏‎ ‎‏علی التفصیل السابق‏‎[3]‎‏ .‏

‏أمّا کون معانیها حرفیة : فلأنّ هیئة الماضی ـ علی ما هو المتبادر منها ـ‏‎ ‎‏وضعت للحکایة عن تحقّق صدور الحدث من الفاعل ، وهو معنی حرفی ، أو تحقّق‏‎ ‎‏حلوله کبعض الأفعال اللازمة ، مثل حسن وقبح ، ومعلوم : أنّ الحکایة لا تکون‏‎ ‎‏عنهما بالحمل الأوّلی بل بالشائع ، وهو حرفی عین الربط بفاعله . وکذا فی المضارع .‏

‏إلاّ أنّ الفرق بینهما : أنّ الأوّل یحکی عن سبق تحقّق الحدث ، والثانی عن‏‎ ‎‏لحوقه ، لکن لا بمعنی وضع اللفظ بإزاء الزمان أو السبق واللحوق ، بل اللفظ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 152
‏موضوع لمعنی ینطبق علیهما ؛ فإنّ الإیجاد بعد الفراغ عنه سابق لا محالة ، والذی‏‎ ‎‏یصیر متحقّقاً بعد یکون لاحقاً .‏

‏ویمکن أن یقال بدلالتهما علی السبق واللحوق بالحمل الشائع ؛ فإنّهما بهذا‏‎ ‎‏الحمل من المعانی الحرفیة والإضافات التی لاتکون موجودة ومفهومة إلاّ تبعاً ،‏‎ ‎‏فیکون الماضی دالاًّ علی الصدور السابق بالحمل الشائع ، ولایلزم منه الخروج عن‏‎ ‎‏الحرفیة ولا الترکیب فیها .‏

والتحقیق :‏ أنّ دلالة الأفعال علی الحدث وعلی سبق الصدور ولحوقه وعلی‏‎ ‎‏البعث إلیه لیست دلالات مستقلّة متعدّدة ، بل لها نحو وحدة ، فکما أنّ المادّة والهیئة‏‎ ‎‏کأنّهما موجودتان بوجود واحد قابل للتحلیل ، فکذلک أنّهما کالدالّتین بدلالة‏‎ ‎‏واحدة قابلة للتحلیل علی معنی واحد قابل له . بیانه : أنّ تحقّق الصادر والصدور‏‎ ‎‏لیس تحقّقین ، کما أنّ الحالّ والحلول کذلک ، لکنّهما قابلان للتحلیل فی ظرفه .‏

‏وعلی هذا هما دالاّن علی السبق واللحوق بالحمل الشائع ، ویستفاد من‏‎ ‎‏الماضی الصدور السابق بالإضافة حقیقة ، ومن المضارع الصدور اللاحق بالإضافة‏‎ ‎‏کذلک ، ولیس الزمان ـ ماضیاً کان أو مضارعاً ـ جزءً لمدلولهما ، بل من لوازم‏‎ ‎‏معناهما وتوابعه ؛ حیث إنّ وقوع الشیء أو لحوق وجوده یستلزمهما طبعاً . نعم لابدّ‏‎ ‎‏من الالتزام بتعدّد الوضع فی المتعدّی واللازم ؛ لأنّ قیام المبدأ بالذات فی الأوّل‏‎ ‎‏بالصدور وفی الثانی بالحلول .‏

والحاصل :‏ أنّا لاننکر استفادة السبق والحدث أو الصدور أو الحلول من‏‎ ‎‏الماضی ـ مثلاً ـ بل ننکر تبادر هذه المعانی بنحو المعنی الاسمی وبنعت الکثرة ، بل‏‎ ‎‏المتبادر أمر وُحدانی ؛ وهو حقیقة هذه المعانی بالحمل الشائع ؛ وإن کان یتحلّل عند‏‎ ‎‏العقل إلی معانٍ کثیرة .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 153
‏وإن شئت فاستظهر الحال من لفظ الجسم ومعناه ؛ حیث إنّ معناه أمر مرکّب‏‎ ‎‏قابل للتحلیل ، وکذلک الفعل فیما نحن فیه .‏

‏نعم ، الفرق بینهما : أنّ لفظ «ضرب» کمعناه مرکّب من مادّة وصورة ، وکذا‏‎ ‎‏دلالته علی معناه دلالة واحدة منحلّة إلی دلالات متعدّدة دون لفظ «الجسم»‏‎ ‎‏ودلالته ، فکما أنّ وحدة حقیقة الجسم لاتنافی التحلیل کذلک وحدة فعل الفاعل‏‎ ‎‏ووحدة اللفظ الدالّ علیه لاتنافیه .‏

فتحصّل من جمیع ذلک :‏ أنّ لحاظ التحلیل العقلی أوسع من متن الواقع ؛ إذ فیه‏‎ ‎‏یفکّ الصادر عن الصدور ، والحالّ عن الحلول ، والربط عن المربوط ، ویلاحظ کلّ‏‎ ‎‏واحد مستقلاًّ بالملحوظیة ، لکن إذا لوحظ الواقع علی ما هو علیه لایکون هناک‏‎ ‎‏تکثّر فی الصدور والصادر وأشباههما .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 154

  • )) تقدّم فی الصفحة 140 .
  • )) یأتی فی الصفحة 191 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 31 .