کلام فخر المحقّقین فی الرضاع

کلام فخر المحقّقین فی الرضاع

‏ ‏

‏کما یظهر من فخر المحقّقین ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ والشهید ‏‏رحمه الله‏‎[2]‎‏ فیمن کان له زوجتان‏‎ ‎‏کبیرتان ، أرضعتا زوجته الصغیرة مع الدخول بإحداهما ؛ حیث قال : لا إشکال فی‏‎ ‎‏تحریم المرضعة الاُولی والصغیرة ، وأمّا المرضعة الثانیة ففی تحریمها إشکال ،‏‎ ‎‏اختار والدی المصنّف ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ وابن إدریس‏‎[4]‎‏ تحریمها ، فإنّه یصدق علیها أنّها اُمّ‏‎ ‎‏زوجته ؛ لعدم اشتراط بقاء المبدأ فی المشتقّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 141
‏قلت : إنّ الموجود فی النصوص هو «اُمّهات النساء» لا «اُمّ الزوجـة» ،‏‎ ‎‏فتحلیل المسألة من طریق المشتقّ ساقط من أصله ، والقول بجریانه فی مثل‏‎ ‎‏«اُمَّهاتُ نِسائِکُمْ» باعتبار کونه بمعنی زوجاتکم کما تری ، وإن کان یظهر من‏‎ ‎‏«الجواهر» جریانه فیه أیضاً‏‎[5]‎‏ .‏

‏وکیف کان : لا عتب علینا فی البحث عنها وما اُفید فی هذا المقام ، فنقول‏‎ ‎‏ـ ومنه جلّ شأنه التوفیق ـ :‏

قد ذهب بعض الأعیان من المحقّقین :‏ إلی اتّحاد المرضعتین فی الحکم‏‎ ‎‏والملاک ؛ نظراً إلی أنّ اُمومة المرضعة الاُولی وبنتیة المرتضعة من المتضائفین ، وهما‏‎ ‎‏متکافئان قوّة وفعلاً ، وبنتیة المرتضعة وزوجیتها متضادّتان شرعاً . ففی مرتبة‏‎ ‎‏حصول اُمومة المرضعة تحصل بنتیة المرتضعة ، وتلک المرتبة مرتبة زوال زوجیة‏‎ ‎‏المرتضعة ، فلیست فی مرتبة من المراتب اُمومة المرضعة مضافة إلی زوجیة‏‎ ‎‏المرتضعة حتّی تحرم بسبب کونها اُمّ الزوجة‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

وقد سبقه صاحب «الجواهر» ‏قدس سره‏‏ إلیه ، وأجاب عنه : بأنّ ظاهر النصّ والفتوی‏‎ ‎‏الاکتفاء بالاُمّیة المقارنة لانفساخ الزوجیة بصدق البنتیة ؛ إذ البنتیة والاُمّیة وانفساخ‏‎ ‎‏الزوجیة متّحدات فی الزمان ؛ ضرورة کونها معلولات لعلّة واحدة . فآخر زمان‏‎ ‎‏الزوجیة متّصل بأوّل أزمنة صدق الاُمّیة ، ولعلّ هذا المقدار کافٍ فی الاندراج تحت‏‎ ‎‏عنوان «اُمّهات نسائکم»‏‎[7]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ الصدق هنا مسامحی ـ حتّی بنظر العرف ـ وهو غیر کافٍ ، إلاّ علی‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 142
‏القول بوضع المشتقّ للأعمّ حتّی یکون الصدق حقیقیاً .‏

وقال بعض الأعاظم ما حاصله :‏ أنّ الرضاع المحرّم علّة لتحقّق عنوان الاُمومة‏‎ ‎‏والبنتیة ، وعنوان البنتیة للزوجة المرتضعة علّة لانتفاء عنوان الزوجیة عنها ، فانتفاء‏‎ ‎‏عنوان الزوجیة عن المرتضعة متأخّر بحسب الرتبة عن عنوان البنتیة لها ، ولا محالة‏‎ ‎‏أنّها تکون زوجة فی رتبة تحقّق عنوان البنتیة ؛ لاستحالة ارتفاع النقیضین ، ففی‏‎ ‎‏تلک المرتبة تجتمع الزوجیة والبنتیة ، وکونها اُمّ الزوجة‏‎[8]‎‏ .‏

ولکن ضعفه ظاهر :‏ لأنّ الأثر مترتّب علی ما هی اُمّ زوجة بالحمل الشائع فی‏‎ ‎‏أنظار أهل العرف ، ولا دلیل شرعی یدلّ علی العلّیة بین الحکمین حتّی یتکلّف‏‎ ‎‏بتقدیر الزوجیة فی الرتبة ؛ کی یقع مصداقاً للعمومات .‏

وبعبارة أوضح :‏ أنّ بنتیة المرتضعة لیست علّة تکوینیة لرفع الزوجیة ، بل‏‎ ‎‏لابدّ فی استفادة العلّیة أو التمانع بینهما من مراجعة الأدلّة الشرعیة . ولا یستفاد من‏‎ ‎‏قوله تعالی : «واُمّهات نسائکم» سوی التمانع ، وأنّ الزوجیة لاتجتمع مع العناوین‏‎ ‎‏المحرّمة ، وهو ینافی اجتماعهما فی آنٍ أو رتبة .‏

والتحقیق :‏ أنّ تفریق الفخر ‏‏قدس سره‏‏ بین المرضعتین لیس لأجـل وجـود فارق‏‎ ‎‏بینهما فـی الابتناء علی وضـع المشتـقّ حتّی یقـال بـأنّ تسلیم حرمـة الاُولـی‏‎ ‎‏والخلاف فی الثانیة مشکل ، بل تسلیمه لحرمة المرضعة الاُولی لأجل الإجماع‏‎ ‎‏والنصّ الصحیح فی مـوردها دون الثانیـة ؛ ولـذلک بنی الثانیـة علی مسألـة‏‎ ‎‏المشتـقّ دون الاُولی . وأوضـح الحکم فیها مـن طریق القواعـد لعدم وجـود‏‎ ‎‏طـریق شرعی فیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 143
‏ففی صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ والحلبی عن‏‎ ‎‏أبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ قالا : ‏«لو أنّ رجلاً تزوّج بجاریة رضیعة ، فأرضعتها امرأته فسد‎ ‎النکاح»‎[9]‎‏ ، فإنّ الظاهر فساد نکاح الرضیعة ، ویحتمل فساد نکاحهما ، وأمّا حرمة‏‎ ‎‏الثانیة فلیست إجماعیة .‏

‏ودعوی وحدة الملاک غیر مسموعة ، والنصّ الوارد فیها من طریق علی بن‏‎ ‎‏مهزیار الذی صرّح بحرمة المرضعة الاُولی دون الثانیة‏‎[10]‎‏ غیر خالٍ عن الإرسال ،‏‎ ‎‏وضعف السند بصالح بن أبی حمّاد ، فراجع ، ولهذا ابتناها بمسألة المشتقّ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 144

  • )) إیضاح الفوائد 3 : 52 .
  • )) مسالک الأفهام 7 : 269 .
  • )) قواعد الأحکام 3 : 25 .
  • )) السرائر 2 : 556 .
  • )) جواهر الکلام 29 : 330 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 168 .
  • )) جواهر الکلام 29 :329 ـ 330 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 161 .
  • )) الفقیه 3 : 306 / 1472 ، وسائل الشیعة 20 : 399 ، کتاب النکاح ، أبواب ما یحرم بالرضاع، الباب 10 ، الحدیث 1 .
  • )) الکافی 5 : 446 / 13 ، وسائل الشیعة 20 : 402 ، کتاب النکاح ، أبواب ما یحرم بالرضاع، الباب 14 ، الحدیث 1 .