خاتمة‏: فی تصویر جزء الفرد و شرطه فی المرکّبات الاعتباریة

خاتمة : فی تصویر جزء الفرد وشرطه فی المرکّبات الاعتباریة

‏ ‏

‏ولنختم هذا البحث بتصویر جزء الفرد وشرطه فی المرکّبات الاعتباریة ، بعد‏‎ ‎‏اشتمالها علی مقوّمات الماهیة ؛ إذ تصویرهما فی الأفراد الخارجیة للماهیات‏‎ ‎‏الحقیقیة واضح جدّاً ؛ لأنّ الماهیة ولوازمها وعوارضها وعوارض وجودها وإن‏‎ ‎‏کانت متغایرة فی عالم التصوّر إلاّ أنّ الوجود یجمع تلک الشتات بنحو الوحدة‏‎ ‎‏والبساطة ؛ بحیث یکون الفرد الخارجی بهویته الشخصیة عین الماهیة وعوارضها‏‎ ‎‏وجوداً .‏

‏فحینئذٍ : لا مانع للعقل من تحلیلها إلی مقوّمات وعوارض بحسب الوجود أو‏‎ ‎‏الماهیة ؛ بحیث یقال : هذا من علل قوامها وذاک جزء للفرد ومن عوارض وجوده .‏

‏ولکن تصویره فی الاعتباریات لایخلو من غموض ؛ وذلک لأنّ الموجود‏‎ ‎‏منها حقیقةً هو الأجزاء ، وأمّا الهیئة الترکیبیة فلیس لها وجود إلاّ بالاعتبار . فحینئذٍ‏‎ ‎‏یقع الإشکال فی تصویر جزء الفرد ؛ إذ کلّ ما وجد فی الخارج من الزوائد فهو‏‎ ‎‏موجود بحیاله ، وله تشخّص خاصّ ، ولیس هناک شیء یربطه بسائر الأجزاء‏‎ ‎‏السابقة ؛ سوی اعتبار مجموعها بنحو الوحدة مرّة اُخری .‏

‏ومن المعلوم : أنّه یکون حینئذٍ ماهیة اعتباریة اُخری فی قبال الاُولی ،‏‎ ‎‏ویکون المصداق الخارجی مصداقاً لتلک الماهیة مع هذه الزیادة ، وبدونها یکون‏‎ ‎‏مصداقاً للاُولی .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 127
والحاصل :‏ أنّ أجزاء الفرد وشرائطه هی ما یکون من کمالات الموجود ،‏‎ ‎‏ولامحالة تتّحد معه خارجاً ، وهذا لایتحقّق فی الماهیات الاعتباریة ؛ لفقدان ما به‏‎ ‎‏الاتّحاد فیها إلاّ فی عالم الاعتبار ، وهو موجب لصیرورة الأجزاء دخیلة فی نفس‏‎ ‎‏الماهیة ، لا فی الفرد .‏

هذا ، ولکن یمکن دفع الإشکال بأن یقال :‏ إنّ لبعض المرکّبات غیر الحقیقیة‏‎ ‎‏هیئة خاصّة یکون المرکّب متقوّماً بها ، کما عرفت فی مقام تصویر الجامع‏‎[1]‎‏ ،‏‎ ‎‏فالبیت والقصر حقیقتهما متقوّمة بهیئةٍ ما لابشرط ، ولا تحقّق لهما فی الخارج إلاّ‏‎ ‎‏بوجود موادّهما علی وضع خاصّ .‏

‏فحینئذٍ نقول : کلّ ما له هیئة قائمة بأجزاء یکون حسن الهیئة وتفاضلها‏‎ ‎‏باعتبار التناسب الحاصل بین الأجزاء ، فالحُسن ـ أینما وجد ـ یکون مرهون‏‎ ‎‏التناسب ، فحسن الصوت والخطّ عبارة عن تناسب أجزائهما . فلا یقال للشعر :‏‎ ‎‏حَسنٌ إلاّ إذا تناسبت جمله ، ولا الدار ، إلاّ إذا تناسبت مرافقها وغرفاتها ، فربّما‏‎ ‎‏تکون غرفة فی دارٍ توجب حسنها لإیقاعها التناسب بین الأجزاء .‏

‏وکذلک الصلاة ؛ فإنّها لیست نفس الأجزاء بالأسر ، بل لها هیئة خاصّة لدی‏‎ ‎‏المتشرّعة ، زائدة علی أجزائها ، فیمکن أن یکون تفاوت أفرادها فی الفضیلة لأجل‏‎ ‎‏تفاوتها فی المناسبة الموجودة بین أجزائها ؛ وإن کان درک هذا التناسب غیر ممکن‏‎ ‎‏لنا . فلا یبعد أن یکون للقنوت دخالة فی حسن الهیئة الصلاتیة ، ویکون المصداق‏‎ ‎‏الذی وجد فیه أحسن صورة من فاقده ، مع خروجه عن الماهیة رأساً . ولعلّک لو‏‎ ‎‏تأمّلت فی أشباه المقام ونظائره یسهّل لک تصدیق ما ذکرنا .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 128

  • )) تقدّم فی الصفحة 109 .