استدلال الصحیحی و الأعمّی بالتبادر

استدلال الصحیحی والأعمّی بالتبادر

‏ ‏

‏وإذ قد عرفت ما تقدّم فاعلم : أنّه قد ادّعی غیر واحد من القوم التبادر للمعنی‏‎ ‎‏الذی اختاره .‏

‏وارتضاه المحقّق الخراسانی لما استقربه من القول بالصحیح‏‎[1]‎‏ . ولکن یرد‏‎ ‎‏علی ما ادّعاه إشکال ، حاصله : أنّ للماهیة فی وعاء تقرّرها تقدّماً علی لوازمها‏‎ ‎‏علی الوجود الذی هو مظهر لها ، کما أنّها متقدّمة علی لوازم الوجود بمرتبتین ؛‏‎ ‎‏لتوسّط الوجود بینها وبین لوازم الوجود .‏

‏وإذا أضفت ذلک إلی ما قد علمت سابقاً من أنّ النهی عن الفحشاء وکونها‏‎ ‎‏معراج المؤمن وما أشبههما من لوازم الوجود لامن آثار الماهیة ؛ لعدم کونها منشأً‏‎ ‎‏لتلک الآثار فی حدّ نفسها ، تعرف أنّه لا وجه لهذا التبادر أصلاً ؛ لأنّ تلک العناوین‏‎ ‎‏کلّها فی مرتبة متأخّرة عن نفس المعنی الماهوی الموضوع له ، بل لو قلنا إنّها من‏‎ ‎‏عوارض الماهیة أو لوازمها کانت أیضاً متأخّرة عنه . فمع ذلک کیف یمکن دعوی‏‎ ‎‏تبادرها من لفظ الصلاة مثلاً ؟‏

‏و إن شئت توضیحاً لذلک فاعلم : أنّ ما یتبادر عند إطلاق ألفاظ العبادات‏‎ ‎‏وغیرها أوّلاً هو نفس الماهیة ، ثمّ لو لم یکن لها لازم ماهوی ینتقل إلی  ما هو‏‎ ‎‏مصداقها الخارجی بواسطة الاُنس والممارسة ثانیاً ، ثمّ إلی عوارضها الوجودیة من‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 116
‏الصحّة والفساد والآثار المطلوبة بواسطة الارتکاز العقلائی أو بیان الشارع ثالثاً .‏

‏وحینئذٍ نقول : إنّ التبادر هو فهم المعنی من ذات اللفظ وحاقّه ، ولا معنی‏‎ ‎‏لتبادر شیء لم یوضع له اللفظ ، والانتقال إلی اللوازم الذهنیة أو الخارجیة الدائمیة‏‎ ‎‏أو الاتّفاقیة إنّما هو بعد تبادر أصل المعنی  لأجل الاُنس وغیره ، فإذا کان الموضوع‏‎ ‎‏له ماهیة بسیطة مجهولة ـ إلاّ من ناحیة بعض العناوین المتأخّرة ـ فلابدّ لمدّعی‏‎ ‎‏التبادر أن یدّعی تبادر نفس المعنی مقدّماً علی فهم تلک العناوین .‏

‏وحینئذٍ : لایعقل أن تکون تلک العناوین معرِّفة للمعنی فی ظرف التبادر ؛‏‎ ‎‏لتأخّر رتبتها عنه إمّا بمرتبتین ، أو بمرتبة واحدة .‏

‏وعلی هذا : یبقی الموضوع له مجهول العنوان والحقیقة فی وعاء التبادر من‏‎ ‎‏جمیع الجهات ، وإن کان معروف العنوان وواضح الحقیقة فی رتبتین بعده .‏

والحاصل :‏ أنّا لا ننکر أنّ الشیء قد یعرَّف بمعالیله وآثاره وعوارضه ـ کما‏‎ ‎‏فی التعریف بالرسم ؛ ناقصاً کان أو تامّاً ـ إلاّ أنّ وعاء التبادر وخطور الملزوم فقط‏‎ ‎‏من اللفظ مقدّم علی تصوّر تلک العناوین ؛ فضلاً عن کونها معرّفة وموضحة‏‎ ‎‏للحقائق .‏

‏والمعرِّف فی ظرف التبادر لابدّ أن یکون واقعاً فی رتبة معرَّفه ، وما ذکروه‏‎ ‎‏ـ کلّها ـ معرّفات بعد رتبة التبادر ، فیصیر المعنی فی هذه الدرجة مجهولاً مطلقاً ،‏‎ ‎‏ولا معنی لتبادره . والخلط إنّما نشأ من عدم الفرق بین تبادر المعنی الذی لایتّصف‏‎ ‎‏بالصحّة والفساد فی مرتبة ذاته ، وبین فهم الاُمور الخارجة عن المعنی ممّا هو من‏‎ ‎‏عوارض المصادیق لأجل اُنس الذهن .‏

والخلاصة :‏ أنّ مدّعی التبادر للصحیح لابدّ أن یتصوّر معنی ویعیّن له عنواناً‏‎ ‎‏یساوق الصحیح فی ظرف التبادر ؛ حتّی یدّعی أنّ المتبادر هو الصحیح . وما ذکروه‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 117
‏وإن کان ممّا یساوقه إلاّ أنّه لیس ممّا یخطر بباله فی وعائه بل بعده برتبتین ، وهذا‏‎ ‎‏لا یصحّح أمر التبادر ؛ إذ للأعمّی أن یدّعی أنّ الصلاة المعرَّفة بهذه العناوین قسم من‏‎ ‎‏المسمّی ، فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 118

  • )) کفایة الاُصول : 44 .