المختار فی تصویر الجامع

المختار فی تصویر الجامع

‏ ‏

‏وأمّا المختار : فیتوقّف بیانه علی تقدیم مقدّمة : وهی أنّ محطّ البحث‏‎ ‎‏للأعلام إنّما هو تصویر جامع کلّی قابل الانطباق علی الأفراد المختلفة ـ کیفاً‏‎ ‎‏وکمّاً ـ فحینئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة علی مرتبة عروض الصحّة والفساد‏‎ ‎‏علیه ؛ لما عرفت سابقاً‏‎[1]‎‏ من أنّهما من عوارض وجود العبادات خارجاً .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 106
‏وتوهّم کونهما من الاُمور الإضافیة ؛ بحیث یجوز أن تکون ماهیة صحیحة‏‎ ‎‏من حیثیة وفاسدة من اُخری‏‎[2]‎‏ ، کما تری ! بل هما من الاُمور المتضادّة وبینهما‏‎ ‎‏تقابل التضادّ ، کما مرّ‏‎[3]‎‏ .‏

‏نعم ، ربّما تکون ماهیة موجودة من الطبائع الحقیقیة بعضها فاسد بقول مطلق‏‎ ‎‏وبعضها صحیح کذلک ، وذلک مثل البطّیخ الذی فسد نصفه وبقی الآخر صحیحاً ،‏‎ ‎‏ولکن الصلاة إذا فقد بعض أجزائها أو شرائطها لا تتّصف بالصحّة والفساد ؛ لابهذا‏‎ ‎‏المعنی ولا بالمعنی الإضافی ، بل هذه الصلاة الموجودة مع فقدان بعض شروطها أو‏‎ ‎‏وجود بعض موانعها فرد من الصلاة عرضها الفساد فقط فی الخارج ولیست‏‎ ‎‏بصحیحة ، کما أنّها لاتکون صحیحة من جهة وفاسدة من اُخری ، ولا صحیحة فی‏‎ ‎‏النصف وفاسدة فی النصف الآخر .‏

ومن ذلک یظهر لک :‏ أنّ بعض ما هو من الشرائط ویکون دخیلاً فی اتّصافها‏‎ ‎‏بالصحّة خارجاً غیر داخل فی محطّ البحث ؛ لما عرفت من أنّ البحث فی المرتبة‏‎ ‎‏المتقدّمة علی الوجود الخارجی وما یعرضه من الصحّة ومقابلها .‏

‏وعلی هذا : لا مناص عن الاعتراف بکون الموضوع له أمراً ینطبق علی‏‎ ‎‏مقالـة الأعمّی ؛ لما علمت من أنّ الماهیة التی وضعت لها لفظة الصلاة إذا وجدت‏‎ ‎‏فی الخارج ـ مجرّدة عن تلک الشرائط التی عرفت خروجها عن الموضوع له ـ‏‎ ‎‏تتّصف لا محالة بالفساد ، ولایمکن اتّصافها بالصحّة فی هذا الحال ، فلا تکون‏‎ ‎‏الماهیة الموضوع لها الصلاة متّصفة فی الخارج بالصحّة دائماً ، وهذا بعینه مقالة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 107
‏الأعمّی ؛ وإن کان لفظه قاصراً عن إفادته .‏

‏وقد تقدّم‏‎[4]‎‏ : أنّ النزاع لیس فی وضع هذه الألفاظ لمفهومی الصحیح‏‎ ‎‏والأعمّ ، ولا للماهیة المتقیّدة بمفهوم الصحّة ، بل لایمکن الوضع لماهیة ملازمة لها ؛‏‎ ‎‏لأنّ مفهوم الصحّة وحقیقتها غیر لازمین للماهیة ؛ لأنّها من عوارض الوجود ، کما‏‎ ‎‏أنّه لایمکن وضعها لماهیة إذا وجدت فی الخارج کانت صحیحة ؛ لما عرفت آنفاً‏‎ ‎‏من خروج بعض شروط الصحّة من حریم النزاع .‏

فظهر من ذلک کلّه :‏ أنّ الماهیة الموضوع لها الصلاة لاتکون ملازمة للصحّة ،‏‎ ‎‏وکذلک سائر ما أشبهها ، فلا مجال حینئذٍ للنزاع إلاّ مع إلغاء عنوانی الصحیح‏‎ ‎‏والأعمّ ، ویقال : هل الألفاظ موضوعة لماهیة تامّة الأجزاء والشرائط الکذائیة أو ما‏‎ ‎‏هو ملازم لها ، أو لا . ولعلّ نظر القوم ذلک ، لکن تخلّل الصحیح والأعمّ لسهولة‏‎ ‎‏التعبیر ، فتدبّر .‏

وإذ قد عرفت ذلک فاعلم :‏ أنّ المرکّبات الاعتباریة إذا اشتملت علی هیئة‏‎ ‎‏ومادّة یمکن أن یؤخذ کلّ منهما فی مقام الوضع لا بشرط ، لا بمعنی لحاظه کذلک ؛‏‎ ‎‏فإنّه ینافی اللابشرطیة ، بل بمعنی عدم اللحاظ فی مقام التسمیة إلاّ للمادّة والهیئة‏‎ ‎‏بعرضهما العریض ، وذلک کالمخترعات من الصنائع المستحدثة ؛ فإنّ مخترعها بعد‏‎ ‎‏أن أحکمها من موادّ مختلفة وألّفها علی هیئة خاصّة وضع لها اسم الطیّارة أو‏‎ ‎‏السیّارة أو ما أشبههما ، ولکن أخذ کلاًّ من موادّها وهیئاتها لا بشرط .‏

‏ولـذا تری : أنّ تکامل الصنعة کثیراً ما یوجب تغییراً فی مـوادّها أو تبدیلاً‏‎ ‎‏فی شأن من شؤون هیئتها ، ومع ذلک یطلق علیها اسمها کما فـی السابق ، ولیس‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 108
‏ذلک إلاّ لأخذ الهیئة والمادّة لا بشرط ؛ أی عدم لحاظ مادّة وهیئة خاصّة فیها .‏

توضیح الکلام :‏ أنّ المرکّبات الاعتباریة علی قسمین :‏

‏قسم یکون الملحوظ فیه کثرة معیّنة کالعشرة ؛ فإنّها واحدة فی قبال العشرین‏‎ ‎‏والثلاثین ، لکن لوحظ فیها کثرة معیّنة ؛ بحیث تنعدم بفقدان واحد منها ، فلا یقال‏‎ ‎‏للتسعة عشرة .‏

‏وقسم آخر یکون فیه قوام الوجود الاعتباری بهیئته وصورته العرضیة ، ولم‏‎ ‎‏یلحظ فیه کثرة معیّنة فی ناحیة المادّة ؛ بحیث مادام هیئتها وصورتها العرضیة‏‎ ‎‏موجودة یطلق علیها اللفظ الموضوع ؛ وإن تقلّل موادّها أو تکثّرت أو تبدّلت .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الهیئة قد ابتلعت هذه الموادّ والأجزاء وصارت مقصودة‏‎ ‎‏فی اللحاظ ، کما فی مثال السیّارة بالنسبة إلی هیئتها القائمة بأجزائها ، هذا حال‏‎ ‎‏المادّة . وأمّا الهیئة فقد تلاحظ بنحو التعیّن واُخری بنحو اللابشرط ، مثل مادّتها‏‎ ‎‏بعرضها العریض ، کما مرّ .‏

والحاصل :‏ أنّ المرکّبات غیر الحقیقیة قد تؤخذ موادّها فانیة فی هیئاتها‏‎ ‎‏ویقصر النظر إلی الهیئات ، ومع ذلک تؤخذ الهیئة أیضاً لابشرط ، وذلک مثل الدار‏‎ ‎‏والسیّارة والبیت ونحوها التی یشار إلیها بلفظ واحد جامع عرضی بین أفرادها ، بعد‏‎ ‎‏فقدان الجامع الحقیقی المؤلّف من الجنس والفصل فیها .‏

وبالجملة :‏ لایمکن الإشارة إلی الجامع بینها إلاّ بعناوین عرضیة ، کالعبادة‏‎ ‎‏الخاصّة فی الصلاة والمرکوب الخاصّ أو المسکن الخاصّ فی مثل السیّارة والدار‏‎ ‎‏والبیت ؛ فإذن البیت بیت ؛ سواء اُخذ موادّه من الحجر والطین أو من الجصّ‏‎ ‎‏والخزف ، بنی علی هیئة المربّع أو المثلّث أو غیرهما ؛ إذ الواضع وضع هذا اللفظ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 109
‏لهیئة مخصوصة تکون الموادّ فانیة فیها ، ومع ذلک لم یلحظ الهیئة أیضاً معیّنة من‏‎ ‎‏جمیع الجهات .‏

إذا عرفت هذا فنقول :‏ إنّه لامنع عن القول بکون الصلاة وأضرابها موضوعة‏‎ ‎‏لنفس الهیئة اللابشرطیة الموجودة فی الفرائض والنوافل ؛ قصرها وتمامها ، وما‏‎ ‎‏وجب علی الصحیح والمریض بأقسامها ، إلاّ بعض المراتب التی لاتکون صلاة ،‏‎ ‎‏کصلاة الغرقی .‏

والحاصل :‏ أنّها وضعت لهیئة خاصّة مأخوذة علی النحو اللابشرط فانیة فیها‏‎ ‎‏موادّها الخاصّة ـ من ذکر وقرآن ورکوع وسجود ـ تصدق علی المیسور من کلّ‏‎ ‎‏واحد منها وهیئتها صورة اتّصالیة خاصّة حافظة لمادّتها ، اُخذت لا بشرط فی بعض‏‎ ‎‏الجهات .‏

‏نعم ، فرق بینها وبین ما تقدّم من الأمثلة کالدار والسیّارة ؛ حیث إنّه فی المقام‏‎ ‎‏نحو تضییق فی الموادّ من التکبیر إلی التسلیم ، إلاّ أنّه مع ذلک التحدید لها عرض‏‎ ‎‏عریض ؛ إذ کلّ واحد من أجزاء موادّها مثل الرکوع والسجود جزء بعرضه العریض ،‏‎ ‎‏ولکن الغرض متوجّه إلی الهیئة الخضوعیة التی تصدق علی فاقد الحمد والتشهّد‏‎ ‎‏وغیرها من الأجزاء ، مع بقاء ما یحفظ به صورتها .‏

‏ثمّ بعد ما أسمعناک حقیقة الوضع فی المرکّبات الاعتباریة تعرف : أنّ‏‎ ‎‏الشرائط کلّها خارجة عن الماهیة ، وأنّها عبارة عن الهیئة الخاصّة الحالّة فی أجزاء‏‎ ‎‏خاصّة تتّحد معها ؛ اتّحاد الصورة مع المادّة ، کما أنّ عنوانی الصحیح والأعمّ‏‎ ‎‏خارجان عن الموضوع له رأساً .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 110

  • )) تقدّم فی الصفحة 96 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 60 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 96 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 95 .