الثالث‏: فی تعیین محلّ النزاع

الثالث : فی تعیین محلّ النزاع

‏ ‏

‏یجد المتتبّع فی خلال کلمات القوم أنّ عباراتهم فی تحریر محلّ البحث‏‎ ‎‏مشوّشة جدّاً ؛ فبعضهم خصّه بالأجزاء وأخرج الشرائط عنه مطلقاً ؛ سواء کانت ممّا‏‎ ‎‏اُخذت فی متعلّق الأمر ـ کالطهور والستر ـ أم لم تؤخذ فیه ، وسواء أمکن أخذها‏‎ ‎‏وإن لم تؤخذ فعلاً ـ کالشروط العقلیة المحضة ، مثل اشتراط کون المأمور به غیر‏‎ ‎‏مزاحم بضدّه الأهمّ ، أو کونه غیر منهی عنه بالفعل ، أو کان ممّا وقع الخلاف فی‏‎ ‎‏إمکان أخذه فیه ، کالشرط الذی یأتی من قِبل الأمر ، کقصده وقصد الوجه .‏

وبالجملة :‏ قد قصّر هذا القائل البحث علی الأجزاء وأخرج الشرائط بأجمعها‏‎ ‎‏عن حریمه .‏

واستدلّ علیه :‏ بأنّ رتبة الأجزاء رتبة المقتضی ، ورتبة الشرائط متأخّرة‏‎ ‎‏عن رتبة المقتضی ، فلا یسوغ ادخالها فی المسمّی لتستوی مع الأجزاء فی‏‎ ‎‏المرتبة‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

‏ولحن الاستدلال یتضمّن جوابه ؛ لأنّ مجرّد وقوع الشیء فی مرتبة علل‏‎ ‎‏شیء بحسب التکوین أو الاعتبار لا یمنع من جعل اسم واحد للمجموع ؛ لوقوعها‏‎ ‎‏فی اُفق النفس دفعة واحدة .‏

‏وربّما یجاب عنه : بالتمسّک بذیل الحصّة ، بیان ذلک : أنّ الموضوع له هو‏‎ ‎‏الأجزاء المقترنة بالشرائط ؛ أعنی تلک الحصّة الخاصّة من الأجزاء دون مطلقها .‏‎ ‎‏وحینئذٍ لایصدق مع فقد بعض الشرائط ، بناءً علی القول بالصحیح ، وأمّا علی الأعمّ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 98
‏فالموضوع له هو الحصّة المقترنة ببعض الشرائط لا الحصّة الخاصّة منها‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

‏هذا ، ولکن یعود السؤال علیه : بأنّ المقارنة والتحصّص إن اُخذت علی نحو‏‎ ‎‏القیدیة فقد عاد الإشکال ودخلت الشرائط تحت المسمّی ، وإن اُخذت علی سبیل‏‎ ‎‏الحینیة فما وجه الامتیاز بین هذه الحصّة وغیرها فی عالم التصوّر ؟ وما الدلیل علی‏‎ ‎‏انحصار صدقها علی المقترنة فقط ، دون الفاقدة ، بعد الاعتراف بوضع اللفظ للطبیعة‏‎ ‎‏المطلقة ، من دون أخذ قیدٍ فیها ؟‏

‏ثمّ إنّ بعضهم لمّا رأی التفریط فی الرأی المتقدّم عدل عنه ، وأخذ برأی‏‎ ‎‏متوسّط ، وأدخل من الشرائط ما کان مأخوذاً بالفعل فی المأمور به ، دون ما یأتی‏‎ ‎‏من قِبل الأمر ، ودون الشرائط العقلیة التی یمکن أخذها . ولکنّه جوّز ادخال ذلک‏‎ ‎‏کلّه فی محلّ النزاع ، وإن لم یکن داخلاً بالفعل‏‎[3]‎‏ . خلافاً لمن ادّعی عدم إمکانه‏‎ ‎‏رأساً ؛ نظراً إلی أنّ تعیین المسمّی مقدّم علی الأمر المتقدّم علی قصده وقصد وجهه ،‏‎ ‎‏وکذلک مقدّم علی ابتلائه بالضدّ أو تعلّق النهی به ، فلا یمکن أخذ ما یأتی من قبله‏‎ ‎‏فی الموضوع له‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏

ولکن الحقّ :‏ إمکان دخول الجمیع فی النزاع : أمّا علی القول بإمکان أخذ ما‏‎ ‎‏لا یأتی إلاّ من قبل الأمر فی المتعلّق فواضح ، وأمّا علی الامتناع فلجواز‏‎ ‎‏دعوی کون المسمّی  غیر ما یتعلّق به الطلب . ولزوم تقدّم المسمّی علی الطلب‏‎ ‎‏لا دلیل علیه .‏

‏إن قلت : یلزم حینئذٍ اللغویة فی التسمیة ؛ لأنّها مقدّمة للبعث إلیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 99
‏قلت : الکلام إنّما هو فی الإمکان العقلی ، لا فی الوقوع ، ‏هذا بحسب الثبوت‏ .‏

وأمّا بحسب الإثبات :‏ فالشواهد علی ما ادّعیناه لائحة متی تفحّصت‏‎ ‎‏استدلالات القوم ؛ حیث تری : أنّ الأعمّی یسوق برهانه بأنّه یلزم علی قول الخصم‏‎ ‎‏تکرار معنی الطلب فی الأوامر المتعلّقة بها ؛ لأنّ الأمر ـ حینئذٍ ـ یرجع إلی الأمر‏‎ ‎‏بالمطلوب ، فیکون المعنی طلب مطلوبه ویلزم الدور ؛ لتوقّف الصحّة علی الطلب‏‎ ‎‏وهو علیها ، فراجع «الفصول»‏‎[5]‎‏ ، وتجد أنّ المطلوب منها هو التامّ ؛ جزءً وشرطاً ،‏‎ ‎‏وتری الصحیحی لم یستشکل علیه بکون النزاع فی غیر هذه الشرائط .‏

‏ویشهد له أیضاً : قول المحقّق الخراسانی فی استدلاله بأنّ وحدة الأثر کاشفة‏‎ ‎‏عن وحدة المؤثّر ؛ فإنّ الأثر مترتّب علی تامّ الأجزاء والشرائط مطلقاً‏‎[6]‎‏ . وحمل‏‎ ‎‏کلامه علی المؤثّر الاقتضائی أو التعلیقی أو بعض المؤثّر تعسّف ظاهر .‏

‏هذا ، ولکن بعد ما عرفت من أنّ الموضوع له لیس عنوانی الصحیح والأعمّ‏‎ ‎‏یمکن أن یقال : إنّ الشرائط لیست علی سنخ واحد ، بل بعضها من قیود المسمّی ؛‏‎ ‎‏بحیث ینحلّ المسمّی إلی أجزاء وتقیّدات ، وبعضها الآخر من شروط تحقّق‏‎ ‎‏المسمّی خارجاً ولا دخالة له فی الماهیة ، أو من موانع تحقّقه فی الخارج ، من دون‏‎ ‎‏أن یکون عدمه دخیلاً فی الماهیة أیضاً .‏

‏ولا یبعد أن یکون ما یأتی من قبل الأمر من شروط التحقّق ، کما أنّ الشرائط‏‎ ‎‏العقلیة ـ مثل عدم ابتلائه بالضدّ وعدم کونه منهیاً عنه ـ من قبیل نفی موانع التحقّق ،‏‎ ‎‏فهما غیر داخلین فی الماهیة ، وخارجان عن محلّ البحث والنزاع .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 100
‏ففی الحقیقة النزاع یرجع إلی أنّ الشروط أیّها من شرائط المسمّی ؛ بحیث‏‎ ‎‏لایصدق علی الفاقد ، وأیّها من شروط الصحّة والتحقّق حتّی یصدق علی فاقدها ،‏‎ ‎‏هذا بالنسبة إلی الشرائط .‏

‏وأمّا الأجزاء : فیقع النزاع فیها فی أنّ جمیعها من مقوّمات ماهیة المسمّی أو‏‎ ‎‏بعضها خارج عنها ، ویکون من أجزائه إذا فرض تحقّقه فی الخارج ، کالأجزاء‏‎ ‎‏المستحبّة ، بناءً علی کونها توابع الموجود ، من غیر أخذها فی مقوّمات الماهیة ،‏‎ ‎‏فتدبّر ، وسیجیء للکلام تتمیم‏‎[7]‎‏ ، والمسألة بعد لاتخلو من غموض وإشکال .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 101

  • )) اُنظر بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 111 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 111 .
  • )) نفس المصدر 1 : 112 ـ 113 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 60 ـ 61 .
  • )) الفصول الغرویة : 48 / السطر14 .
  • )) کفایة الاُصول : 39 .
  • )) یأتی فی الصفحة 127 .