و منها‏: صحّة الحمل و السلب

ومنها : صحّة الحمل والسلب

‏ ‏

‏والظاهر : أنّ المراد بهما صحّتهما عند نفسه لا عند غیره ؛ إذ الثانی یرجع إلی‏‎ ‎‏تنصیص أهل اللغة واللسان ؛ لأنّ العلم حینئذٍ بصحّة الحمل وکونه حملاً أوّلیاً أو‏‎ ‎‏شائعاً بالذات لایحصل إلاّ بتصریح الغیر ، فیرجع إلی تنصیصهم .‏

‏وأمّا صحّته عند نفسه فالتحقیق : أنّ الاستکشاف واستعلام الحال حاصل من‏‎ ‎‏التبادر الحاصل من تصوّر الموضوع السابق علی الحمل وسلبه ، فیکون إسناده إلی‏‎ ‎‏الحمل أو سلبه فی غیر محلّه .‏

‏توضیح ذلک : أنّ الحاکم المستعلم بحمله لابدّ أن یتصوّر الموضوع أوّلاً بما‏‎ ‎‏له من المعنی الارتکازی ؛ حتی یجده متّحداً مع المعنی المشکوک فیه فی مفهومه ،‏‎ ‎‏ثمّ یحمل المحمول المتصوّر علی الموضوع المعلوم ـ حملاً أوّلیاً ـ ولولا ذلک لما‏‎ ‎‏کان لحکمه وزن ولا قیمة .‏

‏وعندئذٍ : إذا وجده فی عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع‏‎ ‎‏اللفظ للمعنی ، ولم یبق لتأثیر صحّة الحمل فی رفع الستر مجال .‏

‏وأمّا الحمل الشائع فلا یکون علامة إلاّ إذا کان شائعاً ذاتیاً ؛ لکونه کاشفاً عن‏‎ ‎‏المصداق الحقیقی ، کما فی قولنا «البیاض أبیض» ، لا عرضیاً .‏

‏وحینئذٍ : إن کان المستعلم مردّداً فی کون الحمل ذاتیاً أو عرضیاً لم یمکن له‏‎ ‎‏استکشاف الوضع من مجرّد الحمل ، وإن کان عالماً بکونه حملاً ذاتیاً ، وأنّه من‏‎ ‎‏قبیل حمل الکلّی علی بعض مصادیقه الحقیقیة فقد علم المعنی قبل الحمل ؛ إذ العلم‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 80
‏بکونه مصداقاً حقیقیاً ذاتیاً مستلزم للعلم بکونه موضوعاً للطبیعة المطلقة .‏

‏والقول بأنّ التبادر مغفول عنه غیر مسموع ، کالقول بأنّ صحّة الحمل‏‎ ‎‏والسلب الارتکازیین موجبة للحمل التفصیلی ، کما مرّ نظیره فی التبادر ؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏الباحث المستعلم للوضع لایتصوّر له الغفلة عن ضالّته المنشودة أبداً ، ولو قبل‏‎ ‎‏الوصول إلی الحمل وسلبه .‏

‏وممّا ذکرنا یعلم حال صحّة السلب فی جعله دلیلاً علی المجازیة ؛ لأنّ العلم‏‎ ‎‏بصحّته یتوقّف علی العلم بتغایر الطرفین مفهوماً أو مصداقاً فی عالم التصوّر ، ومعه‏‎ ‎‏لا حاجة إلی سلب الحمل .‏

‏وهناک تفصیل یتراءی من بعض الکلمات بین الحمل المتداول بین اللغویین ،‏‎ ‎‏کما فی قولهم «إنّ الغیث هو المطر» فیصحّ فیه ، وبین الحمل الأوّلی الدائر بین أهل‏‎ ‎‏الفنّ من حمل الذاتیات علی الذات ، کما فی قولنا «الإنسان حیوان ناطق» فلا یمکن‏‎ ‎‏استکشاف الوضع بصحّته ؛ لأنّ الحدّ مفهوم مرکّب مفصّل ، ویمتنع أن یکون مفهوم‏‎ ‎‏الإنسان ؛ لأنّ مفهوم کلّ مفرد بسیط مجمل‏‎[1]‎‏ .‏

‏وفیه : أنّا نقول بأنّ الغرض من الحمل لیس إثبات وضع اللفظ لذلک المفصّل ،‏‎ ‎‏بل لماهیة بسیطة یکون هذا المفصّل حدّاً لها ؛ بحیث إذا انحلّت رجعت إلیه .‏

‏وبالجملة : هذا المبیّن حاکٍ عن الذات البسیط المجمل ، والشکّ فی وضع‏‎ ‎‏اللفظ لذاک المجمل دون الأوّل المفصّل .‏

‏وربّما یعلّل کاشفیة صحّة الحمل عن الوضع وصحّة السلب عن عدمه بأنّ‏‎ ‎‏الوجود اللفظی نحو وجود للمعنی ومن مراتب وجوده ، واللفظ لمّا کان فانیاً فیه‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 81
‏صار نحو تحقّق له ؛ وبذلک تتنافر الطباع عن سلبه عنه ، ویراه بمنزلة سلب الشیء‏‎ ‎‏عن نفسه ، وبذلک أیضاً خرج عن مشابهة ما لاتتنافر عن سلبه عنه من اللفظ الذی‏‎ ‎‏لم یوضع له‏‎[2]‎‏ .‏

‏قلت : الظاهر أنّ ما هو العلامة إنّما هو صحّة سلب اللفظ وعدمها بما له من‏‎ ‎‏المعنی لا بما هو لفظ ، وإلاّ فنفس اللفظ ـ بما هو حروف ـ تصحّ سلبها عن معناها .‏‎ ‎‏وما ذیّل به کلامه من حدیث التنافر أقوی شاهد علیه ؛ إذ ما تتنافر الطباع عنه هو‏‎ ‎‏اللفظ بما هو مرآة المعنی ، لا بما هو صورة وعرض ، فعاد المحذور المتقدّم .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 82

  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 99 .
  • )) اُنظر نهایة الاُصول : 41 .