منها : التبادر
ومـن علائـم ذلک الربط المعهود التبادر ، والمراد منـه ظهور المعنی مـن اللفظ بنفسه مـن غیر قرینة ، لا سرعـة حصول المعنی فی الذهـن بالنسبـة إلی معنی آخر ، أو سبقه علیه .
واُورد علیه : الدور المعروف ؛ من أنّ التبادر موقوف علی العلم بالوضع ، فلو توقّف ذلک علیه لدار .
وأجاب عنـه بعض المحقّقین : بأنّـه یکفی فی ارتفاع الـدور تغایر العلمین شخصاً ، والتغایـر بین العلم الشخصی الحاصـل مـن التبادر وبین العلـم الشخصی الـذی یتوقّف التبادر علیه واضح ؛ وإن قلنا بأنّ ما یتوقّف علیه التبادر هـو العلم التفصیلی أیضاً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 78
ولکنّه من عجائب الکلام ؛ إذ لایتصوّر الانکشاف بعد الانکشاف إلاّ بتعدّد متعلّق العلم خارجاً ، أو بتخلّل الذهول والنسیان عند وحدته ، وکلاهما مفقودان فی محلّ الکلام .
والحاصل : أنّه لایعقل الکشف التفصیلی فی حال واحد عن شیء مرّتین ، فلو حصل العلم قبل التبادر ـ بکون معنی اللفظ کذا ـ لایعقل کون التبادر موجباً لحصول مصداق آخر له ، مع توحّد الحال .
نعم ، لا مانع من تکرّر الصورة الذهنیة بما هو معلوم بالذات ، ولکن لایعقل الکشف عن المعلوم بالعرض مکرّراً .
هذا ، ولکن الحقّ فی دفع الإشکال : ما عن الشیخ الرئیس فی نظائر المقام ؛ من أنّ العلم التفصیلی بأنّ معنی هذا ذاک علی نحو القضیة الحملیة موقوف علی التبادر ، وهو لیس موقوفاً علی هذا العلم التصدیقی المحتاج إلی تصوّر الموضوع والمحمول ، بل یحصل بالعلم الارتکازی من مبادئه وعلله ، کعلم الأطفال بمعانی الألفاظ ومفاد اللغات .
ثمّ إنّه لا إشکال فی اشتراط کاشفیة التبادر بکونه مستنداً إلی حاقّ اللفظ لا إلی القرینة ، ولکنّه هل لنا طریق مضبوط إلی إثباته ـ من الاطّراد وغیره ـ بأن یقال : إنّ التبادر من اللفظ مطّرداً دلیل علی کونه مستنداً إلی الوضع ؟ الظاهر عدمه ؛ لأنّ کون الاطّراد فقط موجباً للعلم بذلک ممنوع ، وخروج عن البحث .
وتوهّم کونه طریقاً عقلائیاً ، مع عدم حصول العلم منه واضح الفساد ؛ إذ لم یثبت لنا من العقلاء التمسّک به ؛ ولو عند احتمال کون الانفهام مستنداً إلی قرینة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 79
عامّة بین أهل التخاطب ، کما أنّ أصالة عدم القرینة إنّما یحتجّ به العقلاء لإثبات المراد بعد العلم بالحقیقة والمجاز ، لا علی تعیین واحد منهما بعد العلم بالمراد .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 80