الأمر السابع فی وضع المرکّبات

الأمر السابع فی وضع المرکّبات

‏ ‏

‏قد وقع الکلام فی أ نّه هل لمجموع الجمل من المادّة والهیئة وضع أولا ؟‏

ومجمل القول فیه :‏ هو أنّ اللغات الحیة والألسنة العالمیة الراقیة بین أبناء‏‎ ‎‏البشر ـ کلّها ـ کافلة لإفادة الأغراض وطرح المعانی فی قالب الألفاظ ؛ تصدیقیة‏‎ ‎‏کانت أو تصوّریة ؛ وإن کان الأوّل أکثر اهتماماً به وأعلی درجة فی سلسلة المقاصد‏‎ ‎‏التی یقصد إفهامها .‏

‏ومن البعید غایته ـ بل من الممتنع عادة ـ عدم وضع لفظ للمعانی التصدیقیة‏‎ ‎‏فی هذه اللغات الوسیعة .‏

‏ونحن قد تصفّحنا ، فلم نجد ما یدلّ علی المعانی التصدیقیة فی کلام العرب ،‏‎ ‎‏سوی الهیئات المزدوجة مع الموادّ ، وقد تقدّم‏‎[1]‎‏ أنّ الحملیة منها تدلّ علی الهوهویة‏‎ ‎‏التصدیقیة ، کما أنّ المؤوّلة المتخلّل فیها الأدات تدلّ علی النسب التصدیقیة ،‏‎ ‎‏ومفردات القسمین دالّة علی معانیها التصوّریة بالبراهین التی مضت . وعلیه فلم یبق‏‎ ‎‏لهذا النزاع معنی صحیح بعد تعیین مفاد الهیئات والموادّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 73
‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الکلام هنا فی أنّ الدالّ علی المعانی التصدیقیة هل هو‏‎ ‎‏الهیئات أو مجموع الجملة ؟ فالمشهور علی الأوّل ، وشرذمة علی الثانی .‏

‏وکیف کان : فما ربّما یقال من أنّ مراد القائل من الوضع للمجموع هو وضع‏‎ ‎‏جدید له ، من غیر إفادة شیء واضح الفساد ، لایلیق أن ینسب إلی ذی فضلٍ .‏

‏وأظنّ : أنّ تحریر النزاع بما ذکرنا من أنّ وجود معانٍ تصدیقیة محتاجة إلی‏‎ ‎‏دوالٍّ لفظیة متسالم علیه بینهم ، وأنّ الخلاف فی أنّ تلک الدوالّ هی الهیئات أو‏‎ ‎‏المجموع أولی وأحسن .‏

‏ثمّ إنّ هناک احتمالاً آخر ؛ وهو کون المجموع موضوعاً لإفادة ما تفیده الهیئة‏‎ ‎‏علی سبیل الترادف .‏

‏وعلی کلّ حال : یرد علی الوضع للمجموع ما نقل عن ابن مالک فی «شرح‏‎ ‎‏المفصّل» من أنّ المرکّبات لو کان لها وضع لما کان لنا أن نتکلّم بکلام لم نسبق إلیه ؛‏‎ ‎‏إذ المرکّب الذی أحدثناه لم یسبق إلیه أحد ، وهذا المؤلّف لم یکن موجوداً عند‏‎ ‎‏الواضع ، فکیف وضعه الواضع ؟ انتهی کلامه .‏

‏وهو کلام متین صدر عن أدیب بارع ، وتوضیحه : أنّ الجمل الاسمیة‏‎ ‎‏وإن کانت تشترک فی الهیئة ، ولکنّها مختلفة بحسب المادّة ، والوضع النوعی إنّما‏‎ ‎‏یتصوّر فی الهیئات فقط ؛ لوحدتها النوعیة ، لا بالنسبة إلی المجموع منها ومن‏‎ ‎‏الموادّ ؛ لعدم حصر الموادّ وتنوّعها جدّاً ، مثل قیام زید وقعود عمرو ، وهلمّ جرّاً .‏

‏ولیس هناک جامع واحد وعنوان نوعی تجتمع الموادّ تحته ؛ کی یشار به‏‎ ‎‏إلیها ، کما یوجد فی الهیئات . فلو کان الموضوع هو المجموع لزم الالتزام بوضع کلّ‏‎ ‎‏جملة جملة وضعاً شخصیاً ، وهو مع امتناعه عادة یستلزم القول بأنّ الجمل التی‏‎ ‎‏أحدثها المتکلّم من الموادّ المختلفة غیر موضوعة .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 74
‏وبذلک یظهر النظر فی کلام بعض الأعیان من المحشّین ؛ حیث جعل محلّ‏‎ ‎‏النزاع ما هو بدیهی البطلان ، وحمل کلام ابن مالک علیه ؛ قائلاً : أ نّه لایخفی علی‏‎ ‎‏مثله أنّ الوضع هنا نوعی لاشخصی‏‎[2]‎‏ ، فراجع وتأمّل .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 75

  • )) تقدّم فی الصفحة 49 ـ 50 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 76 .