و منها‏: إطلاق اللفظ و إرادة نوعه و صنفه

ومنها : إطلاق اللفظ وإرادة نوعه وصنفه

‏ ‏

‏فربّما یقال بکونه من قبیل إلقاء الموضوع بنفسه أیضاً ؛ نظراً إلی أنّ السامع‏‎ ‎‏بعد سماعه یغفل عن التشخّصات الزمانیة والمکانیة وغیرهما ، فیکون من باب‏‎ ‎‏إیجاد الکلّی وإیداعه فی نفسه بذاته . ولو قیّد بدالّ آخر لفهم الصنف منه کان من‏‎ ‎‏إلقاء الصنف .‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ کون شیء فرداً أو کلّیاً تابع لواقعه ولا تناله ید الاعتبار ،‏‎ ‎‏والفرد الحقیقی لا یصیر کلّیاً ؛ ولو اُغمض عن عوارضه ألف مرّة ، وأثر کلّ منهما‏‎ ‎‏ـ من امتناع الصدق علی کثیرین وعدمه ـ تابع لنفس الأمر .‏

وبالجملة :‏ أنّ الصورة الحاصلة فی ذهنه جزئی حقیقی ؛ وهی المعلومة بالذات ،‏‎ ‎‏ولها عوارض وتشخّصات لاتسلب عنها بالغفلـة ، فلا تصیر فی نفس الأمر کلّیاً .‏

‏نعم ، لو کان المراد من کلّیتها : أنّ المخاطب بما أنّه غافل عن الخصوصیات‏‎ ‎‏یفهم من هذه الصورة المعلومة بالذات نفس الطبیعة بالعرض ، وینتقل إلیها فی المرّة‏‎ ‎‏الثانیة فهو حقّ لاغبار علیه ، ولکن جعل ذلک من باب الإلقاء أمر غریب ؛ إذ لایشذّ‏‎ ‎‏ذلک عن الاستعمال والدلالة . ولا مانع من أن یقال : إنّ اللفظ فی قولنا «ضرب فعل‏‎ ‎‏ماض» حاکٍ ودالّ علی نوعه أو صنفه ؛ إذ لیست الدلالة والحکایة إلاّ کون الشیء‏‎ ‎‏یفهم منه المعنی ، ویکون اللفظ الصادر آلة لإیجاد الصورة فی الذهن ووسیلة‏‎ ‎‏لانتقال المخاطب منه إلی المراد ؛ أعنی طبیعة اللفظ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 67
فإن قلت :‏ یلزم من استعمال اللفظ فی نوعه اتّحاد الدالّ والمدلول ؛ لأنّ اللفظ‏‎ ‎‏المستعمل فی نوعه إمّا أن یکون طبیعی اللفظ أو شخصه ، وعلی الأوّل یلزم الاتّحاد‏‎ ‎‏ـ وهو واضح ـ وعلی الثانی یلزم ذلک فیما إذا کان الحکم شاملاً لموضوع القضیة‏‎ ‎‏الملفوظة . مضافاً إلی تباین الشخص مع الطبیعی ؛ لأنّه مرکّب منه ومن التشخّص ،‏‎ ‎‏والمرکّب من المباین مباینٌ ، فعلی فرض الإمکان لایصحّ الاستعمال ؛ للمباینة .‏

قلت :‏ ما ذکرت مردود أصله ، وباطل فرعه ؛ لأنّ اللفظ المستعمل إنّما هو‏‎ ‎‏شخصه لاطبیعته ، فیکون الشخص هو الدالّ ، وأمّا المدلول فلیس إلاّ نفس الکلّی‏‎ ‎‏بما هو هو ، وبما أنّه یحکی لایدلّ علی الأفراد والخصوصیات التی ربّما ینطبق‏‎ ‎‏علیها ، فارتفع اتّحاد الدالّ والمدلول .‏

‏وکون الکلّی منطبقاً علی فردٍ ـ کما مثّله ‏‏قدس سره‏‏ ـ لایلزم أن یکون ذلک الفرد‏‎ ‎‏جزء لمدلول ذلک الکلّی حتّی یلزم الاتّحاد فیما إذا کانت القضیة شاملة لموضوع‏‎ ‎‏القضیة ؛ إذ الدالّ هو الشخص والمدلول هو الطبیعی ، وشموله له لایوجب کونه جزء‏‎ ‎‏المدلول ، بل هی الطبیعة المرسلة الخالیة عن التکثّر .‏

‏وتخیّل کون المباینة من موانع الاستعمال غرابة بعد غرابة ؛ إذ صحّة‏‎ ‎‏الاستعمال تدور مدار المناسبة بأیّ وجه حصلت . وبذلک یتّضح : أنّ إطلاق المجاز‏‎ ‎‏علی هذه الاستعمالات لیس علی وزان سائر المجازات علی کلا القولین فی تحقیق‏‎ ‎‏المجاز ؛ إذ لا ادّعاء ولا تأوّل هنا ، ولا اختلاف بین الإرادتین ، بل المناسبة بین اللفظ‏‎ ‎‏ونوعه ومثله وصنفه أوجب إحضار المستعمل فیه . کما أنّه لو کان المدار فی المجاز‏‎ ‎‏هو المناسبات والعلائق الذوقیة الطبیعیة ـ کما هو آخر الرأی بین مشاهیر القوم ـ‏‎ ‎‏لایکون المقام من المجاز المشهور الدائر الرائج بینهم ؛ لأنّ العلاقة هنا هی المناسبة‏‎ ‎‏الصوریة ، وهی مع وجودها غیر منظورة للمستعمل قطعاً ، بل لاتخطر بباله قطّ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 68