فی ألفاظ الإشارة

فی ألفاظ الإشارة

‏ ‏

‏إنّک إذا راجعت وجدانک وأحفیت الحقیقة من موارد استعمال ألفاظ الإشارة‏‎ ‎‏وأخواتها تجد : أنّ ما زعمه القوم ـ من الاُدباء وغیرهم ـ فی توضیح معانیها بعید‏‎ ‎‏عن الصواب ، وغیر خال عن التعسّف ؛ إذ هم قائلون بأنّ لفظة «هذا» مثلاً موضوعة‏‎ ‎‏لنفس المشار إلیه ـ أعنی المفرد المذکّر‏‎[1]‎‏ ـ وإن کان بعض تعبیراتهم أیضاً یناسب ما‏‎ ‎‏اخترناه ، وکذلک الضمائر الغائبة ؛ فإنّها عندهم لأفراد الغائب علی اختلافها‏‎[2]‎‏ ، فعلیه‏‎ ‎‏یکون مفادها معانٍ اسمیة مستقلّة .‏

هذا ، ولکن التحقیق :‏ أنّها موضوعة لنفس الإشارة ، أعنی لإیجادها ، إمّا إلی‏‎ ‎‏الحاضر کما فی ألفاظ الإشارة ، أو إلی الغائب کما فی بعض الضمائر ، فعلیه لایکون‏‎ ‎‏المشار إلیه داخلاً فی معناه رأساً ، بل تمام الموضوع له فیها لیس إلاّ نفس الإشارة .‏

‏وإحضار المشار إلیه فی ذهن السامع ـ علی اختلاف فی المتعلّق ـ تبعی ،‏‎ ‎‏کإحضاره بإشارة الأخرس ، من غیر أن یکون دخیلاً فی الموضوع له فالإشارة إلی‏‎ ‎‏الحاضر لا تتوقّف إلاّ علی حضور المشار إلیه حقیقة وحکماً ، کما أنّ الإشارة إلی‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 56
‏الغائب تحتاج إلی کونه معهوداً أو مذکوراً من قبل حتّی یمکن الإشارة إلیه . وعلی‏‎ ‎‏هذا فیندرج تلک الألفاظ برمّتها فی باب الحروف ، وتنسلک فی عداد مفاهیمها ؛ من‏‎ ‎‏حیث عدم الاستقلال مفهوماً ووجوداً .‏

والدلیل علیه‏ ـ مضافاً إلی أنّ العرف ببابک ـ أنّک لا تجد فرقاً فی إحضار‏‎ ‎‏الموضوع بین الإشارة إلیه بالإصبع وبین ذکر اسم الإشارة المناسب ، بل ربّما یقوم‏‎ ‎‏أحدهما مقام الآخر عند عدم التمکّن منه ، کما فی إشارة الأخرس .‏

‏فتری أنّ الجمیع ـ بمیزان واحد ـ آلة لإیجاد الإشارة ، من غیر فرق بینها .‏‎ ‎‏غایة الأمر : أنّه یترتّب علیه إحضار المشار إلیه فی الذهن قهراً ، من دون أن یکون‏‎ ‎‏الوضع منحدراً علیه . وقد أشار إلی ما ذکرنا بعض الأجلّة ، دام ظلّه‏‎[3]‎‏ .‏

‏وصحّة الترکیب ووقوعها مخبراً عنها فی قولنا «هذا قائم» و«هو قائم»‏‎ ‎‏وأشباههما لا تثبت ما راموه ؛ إذ لا نسلّم أنّ المخبر عنه فی هذه الموارد هو مفاد‏‎ ‎‏هذه الکلمات ، بل المشار بها إلیه .‏

‏فتری الفرق بین قولنا «زید قائم» وبین «هذا قائم» أو «هو قائم» ، فلفظة زید‏‎ ‎‏فی الأوّل تحکی عن المحکوم علیه ؛ حکایة اللفظ عن معناه الموضوع له ،‏‎ ‎‏بخلافهما ؛ فإنّهما یحضران المحکوم علیه فی ذهن السامع ، کما فی الإشارة‏‎ ‎‏بالإصبع ، من غیر أن یکونا موضوعین له ، ومن دون أن یکون دلالتهما علیه من‏‎ ‎‏قبیل حکایة اللفظ عن معناه .‏

‏نعم ، یفترق الثانی عن الثالث بالإشارة إلی الحاضر والإیماء إلی الغائب ،‏‎ ‎‏ولعلّه إلی ما ذکرنا ینظر قول ابن مالک فی «ألفیته» :‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 57

‏بـذا لمفـرد مـذکّــر أشــر‏

‎ ‎‏بذی وذه تی تا علی الاُنثی اقتصر‏

‏ ‏

‏ولا یشذّ عن ذلک لسان الفُرس وغیرهم ؛ حیث تری مرادفاتها فی تلک‏‎ ‎‏الألسنة أیضاً کذلک .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 58

  • )) شرح الکافیة فی النحو 2 : 29 ، البهجة المرضیة 1 : 42 ، هدایة المسترشدین 1 : 182 ، کفایة الاُصول : 27 .
  • )) شرح الکافیة فی النحو 2 : 3 ، البهجة المرضیة 1 : 42 ، هدایة المسترشدین 1 : 182 ـ 183 ، کفایة الاُصول : 27 .
  • )) نهایة الاُصول : 25 ـ 26 .