فی تمایز العلوم

فی تمایز العلوم

‏ ‏

‏کما أنّ منشأ وحدة العلوم إنّما هو تسانخ القضایا المتشتّتة التی یناسب بعضها‏‎ ‎‏بعضاً ، فهذه السنخیة والتناسب موجودة فی جوهر تلک القضایا وحقیقتها ولا‏‎ ‎‏تحتاج إلی التعلیل ، کذلک تمایز العلوم واختلاف بعضها یکون بذاتها .‏

‏فقضایا کلّ علم مختلفة ومتمیّزة بذواتها عن قضایا علم آخر ، من دون حاجة‏‎ ‎‏إلی التکلّفات الباردة اللازمة من کون التمیّز بالموضوع ، وقد عرفت عدم الحاجة‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 16
‏إلی نفس الموضوع ؛ فضلاً عن کون التمیّز به ، أو کون التمیّز بالأغـراض ، وهـو‏‎ ‎‏أیضاً سخیف ؛ إذ الغرض ـ سواء کان غرض التدوین أم التعلّم ـ متأخّر عن نفس‏‎ ‎‏المسائل ؛ إذ هی فوائد مترتّبة علیها ، فیکون التمیّز بنفس المسائل فی الرتبة‏‎ ‎‏السابقة .‏

‏وعلیک بالاختبار ؛ أتری التناسب الواقع بین مرفوعیة الفاعل ومنصوبیة‏‎ ‎‏المفعول موجوداً بین واحـد منها ، وبین المسائل الریاضیة أو العقلیة ، وهکذا‏‎ ‎‏مباحث سائر العلوم التی بأیدینا ؛ فنری أنّ جهة التوحّد والتمیّز هو تسانخ القضایا‏‎ ‎‏وتمایزها بالطبع .‏

‏وتداخل العلوم فی بعض المسائل لایوجب أن یکون التمیّز بالأغراض ؛ إذ‏‎ ‎‏کلّ علم مرکّب من قضایا کثیرة ، وأکثر مسائله ممتاز غیر متداخل فیه ، ولکنّه فی‏‎ ‎‏بعضها ـ ولعلّه القلیل ـ متّحد ومتداخل .‏

‏وعلیه : فهذا المرکّب بما أنّه مرکّب وواحد اعتباری مختلف ومتمیّز أیضاً‏‎ ‎‏بذاته عن غیره ؛ لاختلاف أکثر أجزاء هذا المرکّب مع أجزاء ذاک المرکّب ؛ وإن‏‎ ‎‏اتّحدا فی بعض ، ولکن النظر إلی المرکّب بنظر الترکّب والمرکّب بما هو کذلک ممتاز‏‎ ‎‏عن غیره ؛ وإن اشترک معه فی بعض الأجزاء .‏

وبذلک یتّضح :‏ أنّ أکثر المباحث العقلیة أو اللفظیة ـ التی یکون البحث فیها‏‎ ‎‏أعمّ ـ لابأس بأن یعدّ من المسائل الاُصولیة إذا اشترک مـع سائر مسائل الاُصول‏‎ ‎‏فی الخصوصیة التی بها عدّت علماً واحداً .‏

‏فالمسألة المتداخلة قضیة واحدة ، لها سنخیة مع هذا المرکّب وذلک المؤلّف ،‏‎ ‎‏وتکون أدبیة لحصول ما یبتغیه الأدیب من تأسیس قاعدة لفهم کلام العرب واُصولیة‏‎ ‎‏یطلبها الاُصولی لفهم کلام الشارع .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 17