عدم وجود الموضوع لکلّ علم

عدم وجود الموضوع لکلّ علم

‏ ‏

‏وهناک مشکلة اُخری : وهو أنّ القوم قد التزموا ـ عدا بعض المحقّقین من‏‎ ‎‏متأخّریهم‏‎[1]‎‏ ـ علی وجود موضوع للعلم ینطبق علی موضوعات المسائل‏‎[2]‎‏ ، وربّما‏‎ ‎‏یتمسّک فی إثباته بقاعدة الواحد‏‎[3]‎‏ ، التی لایکاد یخفی بطلان التمسّک بها هنا علی‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 14
‏من له أدنی إلمام بالعلوم العقلیة ؛ إذ هی تختصّ بالبسیط الحقیقی ، ولا تجری فی‏‎ ‎‏مثل العلوم التی هی قضایا کثیرة ، یترتّب علی کلّ قضیة فائدةٌ غیر ما یترتّب علی‏‎ ‎‏الاُخری ، وإن کان بین الفائدتین وحدة وربط بالسنخ .‏

‏مع أنّ حدیث تأثیر الجامع إذا اجتمعت المؤثّرات علی أثرٍ واحد قول فاسد ،‏‎ ‎‏لاینطبق إلاّ علی قول الرجل الهمدانی‏‎[4]‎‏ .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ السبر والتتبّع فی العلوم ناهض علی خلاف ما التزموه ؛ إذ‏‎ ‎‏العلوم ـ کما سمعت ـ لم تکن إلاّ قضایا قلیلة قد تکمّلت بمرور الزمان ، فلم یکن‏‎ ‎‏الموضوع عند المؤسّس المدوّن مشخّصاً حتّی یجعل البحث عن أحواله .‏

‏وما تقدّم من علم الجغرافیا أصدق شاهد ؛ إذ العلم بأوضاع الأرض ؛ من‏‎ ‎‏جبالها ومیاهها وبحارها وبلدانها لم یتیسّر إلاّ بمجاهدة الرجال قد قام کلٌّ علی‏‎ ‎‏تألیف کتاب فی أوضاع مملکته الخاصّة به ، حتّی تمّ العلم . ولم یکن الهدف فی هذا‏‎ ‎‏البحث لدی هؤلاء الرجال العلم بأوضاع الأرض حتّی یکون البحث عن أحوال‏‎ ‎‏مملکته بحثاً عن عوارضها .‏

‏ونظیره علم الفقه ؛ فلم تکن الفقیه الباحث لدی تأسیسه ناظراً ولاحظاً فعل‏‎ ‎‏المکلّف حتّی یجعله موضوعاً لما یحمله علیه وما یسلبه عنه .‏

‏مع أنّ ما تخیّلوه موضوعاً للعلم لاینطبق علی أکثر مسائل باب الضمان‏‎ ‎‏والإرث والمطهّرات والنجاسات وسائر الأحکام الوضعیة ممّا هی من الفقه‏‎ ‎‏بالضرورة . کما أنّ ما تصوّروه موضوعاً للفنّ الأعلی لایطّرد ؛ لاستلزامه خروج‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 15
‏مباحث الماهیات ـ التی هی من أدقّ مسائله ـ عنه ، ونظیرها مباحث کیفیة المعاد‏‎ ‎‏والأعدام والجنّة والنار .‏

‏والقول بالاستطراد أو التمسّک بما ذکره بعض الأکابر‏‎[5]‎‏ غیر تامّ ، مع أنّ‏‎ ‎‏القضایا السلبیة التحصیلیة موجودة فی مسائل العلوم ، وهی لاتحتاج إلی وجود‏‎ ‎‏الموضوع ، ولم تکن أحکامها من قبیل الأعراض للموضوعات ، بناءً علی التحقیق‏‎ ‎‏فیها من کون مفادها سلب الربط‏‎[6]‎‏ .‏

فتلخّص :‏ أنّ الالتزام بأنّه لابدّ لکلّ علمٍ من موضوع جامع بین موضوعات‏‎ ‎‏المسائل ، ثمّ الالتزام بأنّه لابدّ من البحث عن عوارضه الذاتیة ، ثمّ ارتکاب تکلّفات‏‎ ‎‏غیر تامّة لتصحیحه ، والذهاب إلی استطراد کثیر من المباحث المهمّة التی تقضی‏‎ ‎‏الضرورة بکونها من العلم ، ممّا لا أری وجهاً صحیحاً له ، ولا قام به برهان ، بل‏‎ ‎‏البرهان علی خلافه .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 16

  • )) نهایة الأفکار 1 : 10 .
  • )) کفایـة الاُصول : 21 ، فوائـد الاُصـول (تقریـرات المحقّـق النائینی) الکاظمی 1 : 22 ، نهایـة الدرایة 1 : 34 .
  • )) کفایة الاُصول : 39 .
  • )) راجـع رسالـة بعض الأفاضـل إلی علمـاء مدینـة السلام ، ضمن الـرسائل : 463 ، الحکمـة المتعالیة 1 : 273 ـ 274 .
  • )) الحکمة المتعالیة 1 : 23 ـ 25 ، الشواهد الربوبیة : 14 .
  • )) راجع الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 96 ـ 98 .