جولة حول الأجوبة الماضیة
هذه جملة ما قیل أو یمکن أن یقال حول الإشکالات والأجوبة ، غیر أنّ کلّ ذلک یتوقّف علی أن یکون لسان الأدلّة لسان جعل الطریقیة وأمثالها أو لسان التنزیل وجعل المصداق ؛ بأن یکون خبر الواحد من مصادیق العلم تشریعاً وتعبّداً ، أو یکون لسان الأدلّة ناظراً إلی تحقّق المخبر به فی الخارج ؛ سواء کان المخبر به قول الإمام أو إخبار المفید للشیخ مثلاً .
فلو صحّ واحد من هذه لصحّ ما تشبّثوا به ؛ من إحراز الموضوع بدلیل «صدّق العادل» ؛ فإنّ العلم وما هو منزّل منزلته ـ أعنی خبر الشیخ ـ یکشف کشفاً تامّاً تعبّدیاً عن وجود موضوع کان مستوراً عنّا ، فیشمله وجوب التصدیق ؛ لانحلاله إلی وجوبات حسب تعدّد موضوعه .
وأمّا إذا قلنا : إنّ لسانها علی فرض دلالتها هو إیجاب العمل ولزوم التمسّک به فلا وجه لهذه الأجوبة ؛ لأنّ المحرز بالوجدان هو خبر الشیخ ، وما قبله لیس محرزاً ؛ لا بالوجدان ولا بالتعبّد ؛ لأنّ المفروض أنّ لسان الأدلّة وجوب العمل بها حسب الوظیفة ، لا کون قول العادل نازلاً منزلة العلم ، أو دالاًّ علی وقوع المخبر به تعبّداً . وعلیه : فلا یشمل وجوب التصدیق لغیر المحرز بالوجدان .
وأمّا کون أدلّة حجّیة الخبر کذلک فیظهر بالمراجعة إلیها والتأمّل فیها .
هذا إذا قلنا بأنّ أدلّة الحجّیة تأسیسیة ، وإلاّ فلابدّ من ملاحظة بناء العقلاء ، ویأتی الکلام فیه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 459
وأمّا حصول الظنّ النوعی منه أو الکشف الظنّی عن الواقع فکلّ ذلک یمکن أن یکون نکتة التشریع لیس مصبّاً للجعل ، کالقول بأنّ علّة التشریع عدم وقوع الناس فی الکلفة وما أشبهه .
أضف إلی ذلک : أنّ إیجاب التصدیق شرعاً یتوقّف علی أثر عملی للمنکشف ، ولیس لمحکی قول الشیخ ـ إخبار المفید له عن الصدوق ـ أیّ أثر شرعی ؛ فإنّه لا یخبر عن وجوب صلاة الجمعة ، بل عن إخبار اُستاذه له ، کما ذکرناه . وعلیه فلا أثر لقوله بما هو قوله .
وأمّا ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ من أنّه لو أخبر العادل بشیء یکون ملازماً لشیء له أثر شرعاً ؛ إمّا عادة أو عقلاً أو بحسب العلم نأخذ به ، ویکفی فی حجّیة خبر العادل انتهاؤه إلی أثر شرعی .
لا یقال : إنّ ذلک إنّما یصحّ إذا کانت الملازمة عادیة أو عقلیة ، ولیس هنا بین المخبر به ـ حدیث المفید ـ وصدقه ملازمة ؛ لا عادیة ولا عقلیة .
لأنّا نقول : إنّ الملازمة وإن لم تکن عقلیة ولا عادیة ولکن یکفی ثبوت الملازمة الجعلیة ؛ بمعنی أنّ الشارع جعل الملازمة النوعیة الواقعیة بین إخبار العادل وتحقّق المخبر به بمنزلة الملازمة القطعیة .
فلا یخلو عن إشکال ؛ فإنّ الملازمة لیست عقلیة ولا عادیة کما اعترف به ، والملازمة الشرعیة تحتاج إلی الجعل ، ولیس بین الأدلّة ما یتکفّل بذلک .
ودعوی دخالة کلّ واحد من السلسلة فی موضوع الحکم غریبة ؛ فإنّ ما هو الموضوع للوجوب لیس إلاّ نفس الصلاة ، لا الصلاة المحکی وجوبها . علی أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 460
الانتهاء إلی الأثر إنّما هو بالتعبّد ، والتعبّد بالشیء فرع تحقّق الأثر الشرعی حتّی یکون التعبّد بلحاظ ذلک الأثر .
وإن شئت قلت : إنّ خبر الشیخ لا عمل له ولا أثر عملی له ، ولیس جزء موضوع للعمل . نعم له أثر عملی بما هو موضوع من الموضوعات ، وهو جواز انتساب الخبر إلی المفید ، وهو یتوقّف علی تعدّد المخبر کسائر الموضوعات .
وأمّا وجوب صلاة الجمعة فلیس مفاد خبر الشیخ حتّی یکون إقامة الصلاة ترتیباً عملیاً له ؛ فإنّ الشیخ لم یخبر عن وجوبها ، وإنّما أخبر عن إخبار المفید ، ولأجل ذلک یدور صدق قوله أو کذبه مدار إخبار المفید له وعدم إخباره ؛ سواء کانت الصلاة واجبة أم لا .
ومن الغریب : أنّ الأساتذة أعرضوا عن مصبّ الإشکال ـ أعنی آخر السلسلة ؛ وهو خبر الشیخ ـ وتشبّثوا بأوّل السلسلة ـ أعنی خبر الصفّار عن العسکری علیه السلام ـ حیث قالوا : إنّ قول الصفّار له أثر غیر وجوب التصدیق ، فیجب تصدیقه لأجل ذاک الأثر المغایر لوجوب تصدیقه ، فیصیر قوله ذا أثر ، فإذا أخبر الکلینی یکون إخباره موضوعاً ذا أثر ؛ حتّی ینتهی إلی آخر السلسلة .
وقد عرفت : أنّ ما هو المهمّ تصحیح الحجّیة من جانب الشیخ ؛ حیث لیس لقوله وإخباره أثر عملی حتّی یجب التصدیق بلحاظه ، وأمّا إخبار الصفّار فإنّ قوله وإن کان ذا أثر شرعی غیر أنّ إخبار الصفّار للکلینی لیس لنا وجدانیاً ، بل لم یثبت لنا إلاّ بدلیل التعبّد ، فلا یثبت إخباره له إلاّ أن یثبت قبله إخبار المفید للشیخ ، وما بین المفید والصفّار من الوسائط . فلا مناص إلاّ التشبّث بآخر السلسلة وإصلاح حاله . وقد مضی إشکاله .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 461