احول إشکالات لا یختصّ بآیة النبأ وأجوبتها
منها : أنّ النسبة بین الأدلّة الدالّة علی حجّیة قول العادل وبین عموم الآیات الناهیة عن العمل بالظنّ وما وراء العلم عموم من وجه ، والمرجع بعد التعارض إلی أصالة عدم الحجّیة .
ولکن عرفت : أنّ من الآیات ما یختصّ بالاُصول الاعتقادیة ، ولسانها آبٍ من التخصیص ـ ولو کانت النسبة عموماً وخصوصاً مطلقاً ـ ومنها ما هو قابل للتخصیص ؛ لعمومیتها للاُصول والفروع ، مثل قوله تعالی : «وَلا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 446
بِهِ عِلْمٌ» والنسبة بینه وبین أدلّة الباب هو العموم والخصوص المطلق ، فیخصّص عمومها أو یقیّد إطلاقها ، کما مرّ .
وأجاب بعض أعاظم العصر قدس سره بأنّ أدلّة الحجّیة حاکمة علی الآیات الناهیة ؛ لأنّ أدلّة الحجّیة تقتضی خروج العمل بخبر العادل عن کونه عملاً بالظنّ .
ثمّ قال : ولو لم نسلّم الحکومة فالنسبة بین أدلّة الباب مع الآیات الناهیة هو العموم والخصوص المطلق ، والصناعة یقتضی تخصیص عمومها بما عدا خبر العادل .
وقد عرفت الإشکال فی حکومة أدلّة الحجّیة ؛ لأنّ الحکومة قائمة باللسان ، ولیس هنا ما یتکفّل تنزیل الخبر الواحد منزلة العلم .
وأمّا ما أفاده من التخصیص ففیه : أنّه لو کان لسان العامّ آبیاً عن التخصیص یقع المعارضة بینه وبین الخاصّ ، ولا یجری صناعة التخصیص فی هذا المقام أصلاً ، والجواب ما عرفت .
ومنها : أنّ حجّیة خبر الواحد تستلزم عدم حجّیته ؛ إذ لو کان حجّة لکان یعمّ قول السیّد وإخباره عن تحقّق الإجماع علی عدم حجّیته ، فیلزم من حجّیة الخبر عدم حجّیته ، وهو باطل بالضرورة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 447
وفیه ـ بعد الغضّ عن أنّه إجماع منقول وأدلّة حجّیته لا تشمله ، وعن أنّ الاستحالة إنّما هو ناشٍ من إطلاق دلیل الحجّیة وشموله لخبر السیّد لا عن أصل الحجّیة ـ أنّ الأمر دائر بین إبقاء عامّة الأفراد وإخراج قوله بالتخصیص أو العکس .
ولا یخفی أنّ الأوّل متعیّن ؛ إذ ـ مضافاً إلی بشاعة التخصیص الکثیر المستهجن ـ أنّ التعبیر عن عدم حجّیة الخبر الواحد بلفظٍ یدلّ علی حجّیة عامّة أفراده ، ثمّ إخراج ما عدا الفرد الواحد الذی یؤول إلی القول بعدم الحجّیة قبیح لا یصدر من الحکیم .
وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی : أنّ من الجائز أن یکون خبر العادل حجّة فی زمن صدور الآیة إلی زمن صدور هذا الخبر من السیّد ، وبعده یکون هذا الخبر حجّة فقط ، فیکون شمول العامّ لخبر السیّد مفیداً لانتهاء الحکم فی هذا الزمان ، ولیس هذا بمستهجن .
فیرد علیه : أنّ الإجماع المحکی بقول السیّد یدلّ علی عدم حجّیة قول العادل من أوّل البعثة ؛ إذ هو یحکی عن حکم إلهی عامّ لکلّ الأفراد فی عامّة الأعصار والأدوار ، فلو کان قوله داخلاً تحت العموم لکشف عن عدم حجّیة الخبر الواحد من زمن النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، وأنّ عمل الناس علیه واستفادتهم حجّیتها بظاهر الآیة إنّما هو لأجل جهلهم بالحکم الواقعی . وعلی ذلک فلا معنی لما أفاده من انتهاء زمن الحجّیة .
ومن ذلک یظهر : أنّ ما أفاده شیخنا العلاّمة قدس سره من أنّ بشاعة الکلام علی تقدیر شموله لخبر السیّد لیست من جهة خروج تمام الأفراد سوی فرد واحد حتّی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 448
یدفع بما أفاده ـ أی المحقّق الخراسانی ـ بل من جهة التعبیر بالحجّیة فی مقام إرادة عدمها ، وهذا لا یدفع بما أفاده .
لا یخلو عن نظر ؛ لما عرفت من أنّ البشاعة الاُولی لا تندفع بما أفاده أیضاً ؛ لما عرفت أنّ مفاد الإجماع حکم إلهی کاشف عن عدم الحجّیة من زمن النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، فیکون تمام الأفراد خارجاً سوی فرد واحد .
ولو أغمضنا عمّا ذکرناه ، وسلّمنا أنّ شمول الأدلّة لخبر السیّد یدلّ علی انتهاء أمد الحکم بعد شموله لهذه الأفراد طول مدّة قرون ، فالبشاعة الثانیة مندفعة بما فی کلام المحقّق الخراسانی ؛ إذ لا مانع من شمول الإطلاق لفرد من الأفراد یفید انتهاء أمد الحکم ، ویعلن بعدم حجّیة قول العادل الواحد بعد هذا الإعلان والإخبار ، ولا إشکال فیه .
وأجاب بعض محقّقی العصر قدس سره عن الإشکال بما هذا حاصله : إنّ شمول إطلاق أدلّة الباب لمثل خبر السیّد الحاکی عن عدم الحجّیة ممتنع ؛ لاستلزامه شمول الإطلاق لمرتبة الشکّ بمضمون نفسه ؛ لأنّ التعبّد بإخبار السیّد بعدم الحجّیة إنّما کان فی ظرف الشکّ فی الحجّیة واللاحجّیة ، وهو عین الشکّ فی مضمون أدلّة الحجّیة التی منها المفهوم ، وإطلاقه لمثل هذه المراتب المتأخّرة غیر ممکن .
وفیه : أنّه مبنی علی امتناع شمول إطلاق الجعل للحالات المتأخّرة عنه ـ کالشکّ ونحوه ـ وقد عرفت بطلانه وأنّ إطلاق الحکم یشمل لبعض الحالات المتأخّرة من الشکّ والعلم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 449
وبالجملة : أنّ الآیة وسائر الأدلّة وردت رافعة لعامّة الشکوک ، والشکّ فی حجّیة قول العادل وعدمها أمر ینقدح فی ذهن الإنسان ؛ سواء جعل الحجّیة له أو لا ، وسواء وقف علیها أو لا .
وحینئذٍ : فلو غضّ عن سائر الإشکالات فلا مانع لو قلنا بأنّ إطلاق الأدلّة شامل لقول السیّد ؛ حتّی یکون قول السیّد رافعة للشکّ ؛ إذ هو نبأ والحکم معلّق علی مطلق النبأ ؛ ولکن بشرطین : أحدهما : عدم الإجماع علی الفرق بین النبائین : نبأ السیّد وسائر الأنباء .
ثانیهما : عدم کون إجماع السیّد ناظراً إلی عدم الحجّیة من أوّل البعثة.
وعند ذلک ؛ جاز الأخذ بالمفهوم وإدخال قول السیّد تحته ، فتکون النتیجة حجّیة أخبار الآحاد من عصر الرسول إلی زمن السیّد ، وانتهاء أمد الحجّیة فی زمانه ، کما أفاده المحقّق الخراسانی .
وربّما یجاب : بأنّ الأمر دائر بین التخصیص والتخصّص ؛ لأنّ شمول الآیة لسائر الأخبار یجعلها مقطوع الحجّیة ، فیعلم بکذب خبر السیّد . وأمّا شمولها لخبر السیّد وإخراج غیره یکون من قبیل التخصیص ؛ لعدم العلم بکذب مؤدّیاتها ؛ ولو مع العلم بحجّیة خبر السیّد ؛ لأنّ مؤدّیاتها غیر الحجّیة واللاحجّیة .
وفیه أوّلاً : أنّ مفاد أدلّة الباب لیس هو الحجّیة ، وإنّما لسانها ومفادها وجوب العمل ، وینتزع الحجّیة من الوجوب الطریقی ، کما أنّ إجماع السیّد لیس مضمونه عدم الحجّیة ، بل مفاده حرمة العمل بالأخبار ، وینتزع من الحرمة عدم الحجّیة ؛ وذلک لأنّ الحجّیة واللاحجّیة لیستا من الاُمور القابلة للجعل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 450
فإجماع السیّد أیضاً یرجع إلی الإجماع علی حرمة العمل المنتزع منها عدم الحجّیة . وعلیه یدور الأمر بین التخصیصین .
وثانیاً : أنّ مضمون الآیة لو کان جعل الحجّیة للأخبار فلا إشکال فی عدم شموله لما قطع بعدم حجّیته أو قطعت حجّیته . فحینئذٍ لو شملت الآیة لخبر السیّد یصیر خبره مقطوع الحجّیة وخبر غیره مقطوع عدم الحجّیة ـ وإن لم یکن مقطوع المخالفة للواقع ـ فیصیر حال غیره کحاله فی خروجه تخصّصاً ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 451