ما أفاده الأعلام فی تقریر الأصل

ما أفاده الأعلام فی تقریر الأصل

‏ ‏

الحقّ فی تقریر الأصل ما أفاده فی «الکفایة»‏ فإنّه الأنسب بالبحث الاُصولی ؛‏‎ ‎‏حیث قال : إنّ الأصل فیما لا یعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا یحرز التعبّد به‏‎ ‎‏واقعاً عدم حجّیته جزماً ؛ بمعنی عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة علیه قطعاً‏‎[1]‎‏ .‏

وما أفاده شیخنا العلاّمـة‏ ـ أعلی الله مقامه‏‎[2]‎‏ ـ فکأنّه خارج عن محطّ‏‎ ‎‏الکلام ، فراجع ، هذا .‏

ثمّ إنّ ما أفاد الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ فی تأسیس الأصل من حرمة التعبّد بالظنّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 404
‏الذی لم یدلّ دلیل علی وقوع التعبّد به إذا تعبّدنا علی أنّه من الشارع والالتزام به‏‎ ‎‏کذلک ، لا إذا أتی به رجاء إدراک الواقع ؛ فإنّه لیس بمحرّم إلاّ إذا استلزم طرح ما‏‎ ‎‏یقابله من الاُصول والأدلّة . ثمّ استدلّ علی مختاره بالأدلّة الأربعة‏‎[3]‎‏ .‏

فیه مواقع للنظر :

‏منها :‏‏ أنّ البحث عن الحرمة التکلیفیة للتعبّد بالظنّ لا یناسب مع تقریر‏‎ ‎‏الأصل فی المسألة الاُصولیة . اللهمّ إلاّ أن یرجع إلی نفی الحجّیة بإثبات الحرمة ؛‏‎ ‎‏استدلالاً علی الملزوم ـ عدم الحجّیة ـ بوجود اللازم ، بناءً علی الملازمة بینهما .‏‎ ‎‏والذی دعاه إلی ذلک بناؤه علی عدم کون الحجّیة مجعولة .‏

‏وفیه : منع الملازمة بینهما ، ولم یقم برهان علیه بل قام علی خلافه .‏

‏واُورد علیه ‏‏قدس سره‏‏ نقوض :‏

‏منها : ما عن المحقّق الخراسانی  ‏‏قدس سره‏‏ ؛ قائلاً بنفی الملازمة بین الحجّیة وصحّة‏‎ ‎‏الاستناد ؛ مستشهداً بأنّ حجّیة الظنّ عقلاً علی الحکومة فی حال الانسداد لا‏‎ ‎‏توجب صحّة الاستناد‏‎[4]‎‏ .‏

‏ومنها : ما عن بعض محقّقی العصر ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ الشکّ حجّة فی الشبهات‏‎ ‎‏البدویة قبل الفحص ، مع أنّه لا یجوز الانتساب إلیه تعالی‏‎[5]‎‏ .‏

‏ومنها : ما عنه ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ جعل الاحتیاط فی الشبهات البدویة کلّها أو بعضها‏‎ ‎‏حجّة علی الواقع ، مع أنّه لا یصحّ معه الانتساب‏‎[6]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 405
ویمکن أن یجاب :‏ عن الأوّل : بأنّ الحجّة فی حال الانسداد هو العلم‏‎ ‎‏الإجمالی ؛ فیکون الحجّة هو العلم لا الظنّ ، وسیوافیک ـ لو ساعدنا الحال لبیان ما‏‎ ‎‏هو الحقّ فی الانسداد ـ أنّ ما یدّعی من عدم کون العلم مقدّمة ضعیف ؛ فإنّ العلم‏‎ ‎‏الإجمالی بالأحکام مع عدم جواز الاحتیاط والإهمال یوجب حکومة العقل بأنّ‏‎ ‎‏أقرب الطرق إلی الواقع هو الظنّ ، فالظنّ لیس حجّة بما هو ظنّ ، بل الحجّة هو العلم‏‎ ‎‏الإجمالی .‏

‏وأمّا الجواب عن ثانی النقوض : أنّ الحجّة لیس نفس الشکّ ؛ لأنّ قاعدة قبح‏‎ ‎‏العقاب بلا بیان غیر محکّمة مع وجود البیان فی الکتب المعدّة للبیان ، فالحجّة‏‎ ‎‏الواصلة الواردة فی الکتب حجّة علی الواقع دون الشکّ ، نعم یمکن أن یجعل ذلک‏‎ ‎‏نقضاً علیه إن کان محطّ البحث أعمّ من قبل الفحص .‏

‏وقس علیه ثالث النقوض ؛ فإنّ إیجاب الاحتیاط رافع لموضوع حکم العقل ،‏‎ ‎‏فلیس الشکّ حجّة بل الحجّة هو الحکم الواقعی أو إیجاب الاحتیاط ، وهذا أیضاً‏‎ ‎‏نقض علیه ولا الشکّ البدوی .‏

ومنها :‏ أنّ مـا استدلّ به مـن الأدلّـة غیر حکم العقل مخـدوش جـدّاً ، بعد‏‎ ‎‏الغضّ عمّا تقدّم منّا‏‎[7]‎‏ مـن أنّ الالتزام الجـزمی بما شکّ کونه مـن المولی ، أمر‏‎ ‎‏ممتنع لا حرام .‏

‏وأمّا ضعف الأدلّة اللفظیة : فلأنّ الافتراء فی قوله تعالی : ‏‏«‏آلله ُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ‎ ‎عَلَی الله ِ تَفْتَرُونَ‏»‏‎[8]‎‏ عبارة عن الانتساب إلی الله تعالی عمداً وکذباً ؛ إذ الافتراء لغةً‏‎ ‎‏هو الکذب لا انتساب المشکوک فیه إلیه .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 406
‏وما ربّما یقال : من أنّ الافتراء وإن کان لغة هو الکذب إلاّ أنّه لوقوعه فی‏‎ ‎‏مقابل قولـه : ‏‏«‏أَذِنَ لَکُمْ‏»‏‏ یعمّ المقام أیضاً‏‎[9]‎‏ ضعیف ؛ فإنّ المراد من الإذن هو‏‎ ‎‏الإذن الواقعی لا الإذن الواصل ؛ حتّی یقال بأنّ عدم وصول الإذن یلازم کونه‏‎ ‎‏افتراءً ، کما لا یخفی .‏

والأولی :‏ الاستدلال علی حرمة الانتساب بقوله تعالی : ‏‏«‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّیَ‎ ‎الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . . .‏»‏‏ إلی أن قال عزّ اسمه : ‏‏«‏وَأَنْ تَقُولُوا عَلی الله ِ‎ ‎مَا لا تَعْلَمُونَ‏»‏‎[10]‎‏ .‏

‏وبالأخبار الـواردة فی القول بغیر علم‏‎[11]‎‏ ، لـو لم نقل بکونها إرشاداً إلی‏‎ ‎‏حکـم العقل .‏

‏وأمّا الآیـة السابقة : ‏‏«‏آلله ُ أَذِنَ لَکُمْ . . .‏»‏‏ إلی آخـره فظاهـرها یأبی عـن‏‎ ‎‏الإرشاد .‏

‏وأمّـا الإجماع فموهـون بالعلم بمستنده . نعم حکم العقل بقبح الانتساب‏‎ ‎‏بغیر علم لا سترة فیه ؛ خصوصاً إلی الله تعالی .‏

ومنها :‏ أنّ ما أفاده من حرمة العمل بالظنّ إذا استلزم طرح ما یقابله من‏‎ ‎‏الاُصول والأمارات لا یصحّ علی مختاره ؛ لأنّ المحرّم هو مخالفة الواقع لا‏‎ ‎‏الأمارات والاُصول ، والأمر دائر بین التجرّی والمعصیة .‏

وربّما یقرّر الأصل الأوّلی‏ بالتمسّک بالاستصحـاب ؛ أعنی أصالـة عـدم‏‎ ‎‏حجّیـة الظنّ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 407
وأورد علیه الشیخ :‏ بعدم ترتّب الأثر العملی علی مقتضی الاستصحاب ؛ لأنّ‏‎ ‎‏نفس الشکّ فی الحجّیة موضوع لحرمة التعبّد ، ولا یحتاج إلی إحراز عدم ورود‏‎ ‎‏التعبّد بالأمارة‏‎[12]‎‏ .‏

واستشکل علیه‏ المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ بوجهین :‏

أحدهما :‏ أنّ الحجّیة من الأحکام الوضعیة ، وجریان الاستصحاب وجوداً‏‎ ‎‏وعدماً لا یحتاج فیها إلی أثر آخر ورائها ، کاستصحاب عدم الوجوب والحرمة .‏

ثانیهما :‏ لو سلّم الاحتیاج إلی الأثر فحرمة التعبّد کما تکون أثراً للشکّ فی‏‎ ‎‏الحجّیة کذلک تکون أثراً لعدم الحجّیة واقعاً ، فیکون الشکّ فی الحجّیة مورداً لکلّ‏‎ ‎‏من الاستصحاب والقاعدة المضروبة لحال الشکّ ، ویقدّم الاستصحاب علی القاعدة ؛‏‎ ‎‏لحکومتها علیها کحکومة استصحاب الطهارة علی قاعدتها‏‎[13]‎‏ .‏

وأورد علی الوجهین ‏بعض أعاظم العصر ، بعدما لخّص کلامه کما ذکرنا بما‏‎ ‎‏ملخّصه :‏

أمّا الأوّل :‏ فلأنّ الاستصحاب من الاُصول العملیة ، ولا یجری إلاّ إذا کان فی‏‎ ‎‏البین عمل ، وما اشتهر : أنّ الاُصول الحکمیة لا تتوقّف علی الأثر إنّما هو فیما إذا‏‎ ‎‏کان المؤدّی بنفسه من الآثار العملیة لا مطلقاً ، والحجّیة وإن کانت من الأحکام‏‎ ‎‏الوضعیة المجعولة إلاّ أنّها بوجودها الواقعی لا یترتّب علیها أثر عملی .‏

‏والآثار المترتّبة علیها : منها ما یترتّب علیها بوجودها العلمی ، ککونها منجّزة‏‎ ‎‏للواقع عند الإصابة وعذراً عند المخالفة ، ومنها ما یترتّب علی نفس الشکّ فی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 408
‏حجّیتها ، کحرمة التعبّد بها وعدم جواز إسنادها إلی الشارع .‏

‏فلیس لإثبات عدم الحجّیة أثر إلاّ حرمة التعبّد بها ، وهو حاصل بنفس الشکّ‏‎ ‎‏فی الحجّیة وجداناً . فجریان الأصل لإثبات هذا الأثر أسوأ حالاً من تحصیل‏‎ ‎‏الحاصل ؛ للزوم إحراز ما هو محرز وجداناً بالتعبّد .‏

وأمّا الوجه الثانی :‏ فلأنّ ما أفاده ـ یعنی المحقّق الخراسانی ـ من أنّ حرمة‏‎ ‎‏التعبّد بالأمارة تکون أثراً للشکّ فی الحجّیة ولعدم الحجّیة واقعاً ، وفی ظرف الشکّ‏‎ ‎‏یکون الاستصحاب حاکماً علی القاعدة المضروبة له .‏

‏ففیه : أنّه لا یعقل أن یکون الشکّ فی الواقع موضوعاً للأثر الشرعی فی‏‎ ‎‏عرض الواقع . مع عدم جریان الاستصحاب علی هذا الفرض أیضاً ؛ لأنّ الأثر‏‎ ‎‏یترتّب بمجرّد الشکّ لتحقّق موضوعه ، فلا یبقی مجال لجریان الاستصحاب ،‏‎ ‎‏ولا تصل النوبـة إلی إثبات الواقع لیجری الاستصحاب ؛ فإنّـه فی الرتبـة السابقة‏‎ ‎‏علی هذا الإثبات ، تحقّق موضوع الأثـر وترتّب علیـه الأثـر ، فأیّ فائدة فی‏‎ ‎‏جریان الاستصحاب ؟‏

‏وحکومته علی القاعدة إنّما تکون فیما إذا کان ما یثبته الاستصحاب غیر ما‏‎ ‎‏یثبته القاعدة ، کقاعدتی الطهارة والحلّ واستصحابهما ؛ فإنّ القاعدة لا تثبت الطهارة‏‎ ‎‏والحلّیة الواقعیة ، بل مفادهما حکم ظاهری ، بخلاف الاستصحاب .‏

‏وقد یترتّب علی بقاء الطهارة والحلّیة الواقعیة غیر جواز الاستعمال وحلّیة‏‎ ‎‏الأکل . وعلی ذلک یبتنی جواز الصلاة فی أجزاء الحیوان الذی شکّ فی حلّیته إذا‏‎ ‎‏کان استصحاب الحلّیة جاریاً ، کما إذا کان الحیوان غنماً ، فشکّ فی مسخه إلی‏‎ ‎‏الأرنب وعدم جواز الصلاة فی أجزائه إذا لم یجر الاستصحاب ؛ وإن جرت فیه‏‎ ‎‏أصالة الحلّ ، فإنّها لا تثبت الحلّیة الواقعیة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 409
‏وکذا الکلام فی قاعدة الاشتغال مع الاستصحاب ؛ فإنّه فی مورد جریان‏‎ ‎‏القاعدة لا یجری الاستصحاب وبالعکس .‏

‏فالقاعدة تجری فی مورد العلم الإجمالی عند خروج بعض الأطراف عن‏‎ ‎‏محلّ الابتلاء بالامتثال ونحوه ، والاستصحاب یجری عند الشکّ فی فعل المأمور‏‎ ‎‏به ، وأین هذا ممّا نحن فیه ممّا کان الأثر المترتّب علی الاستصحاب عین الأثر‏‎ ‎‏المترتّب علی الشکّ ؟ !‏

‏فالإنصاف : أنّـه لا مجال لتوهّم جریان استصحاب عـدم الحجّیـة عند‏‎ ‎‏الشکّ فیها‏‎[14]‎‏ ، انتهی .‏

أقول :‏ قد عرفت سابقاً‏‎[15]‎‏ أنّ التشریع وإدخال شیء فی الشریعة وتبدیل‏‎ ‎‏الأحکام عنوان برأسه ومبغوض شرعاً ومحرّم واقعی ـ علم المکلّف أو لا ـ کما أنّ‏‎ ‎‏القول بغیر العلم وانتساب شیء إلی الشارع بلا حجّة قبیح عقلاً ومحرّم شرعی غیر‏‎ ‎‏التشریع ، وبمناط مستقلّ خاصّ به . فالشکّ فی الحجّیة کما أنّه موضوع لحرمة‏‎ ‎‏التعبّد وحرمة الانتساب إلی الشارع موضوع لاستصحاب عدم الحجّیة وحرمة‏‎ ‎‏التشریع وإدخال ما لیس فی الدین فیه .‏

‏وعلیه : یکون الاستصحاب حاکماً علی القاعدة المضروبة للشکّ ؛ بمعنی أنّه‏‎ ‎‏مع استصحاب عدم جعل الحجّیة وعدم کون شیء من الدین یخرج الموضوع عن‏‎ ‎‏القول بغیر علم ؛ لأنّ المراد من القول بغیر علم هو القول بغیر حجّة ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الإفتاء بمقتضی الأمارات والاُصول والانتساب إلی الشارع مقتضاهما غیر محرّم‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 410
‏وغیر داخل فی القول بغیر علم . فعلیه : لا یکون الانتساب مع استصحاب العدم‏‎ ‎‏انتساباً بغیر حجّة ، بل انتساب مع الحجّة علی العدم ، وهو کذب وافتراء وبدعة ،‏‎ ‎‏وتکون حرمته لأجل انطباق تلک العناوین علیه ، لا عنوان القول بغیر علم . وتوهّم‏‎ ‎‏مثبتیة الأصل فی غیر محلّه ، کما لا یخفی علی المتأمّل .‏

ثمّ‏ إنّه یرد علی ما أفاده بعض أعاظم العصر اُمور :‏

الأوّل :‏ أنّ قولـه جریان الاستصحاب تحصیل للحاصل بل أسوأ منه ،‏‎ ‎‏لا یخلو من خلط ؛ لما عرفت أنّ التشریع غیر التقوّل بغیر علم ، وما یحصل حکمـه‏‎ ‎‏ـ أعنی الحرمة بمجرّد الشکّ ـ إنّما هو الثانی ، وأمّا الأوّل فهو یحتاج إلی عنایة‏‎ ‎‏اُخری ، کما تقدّم .‏

الثانی :‏ أنّ ما ادّعاه من امتناع کون الشکّ موضوعاً للأثر فی عرض الواقع لم‏‎ ‎‏یقم علیه برهان إذا فرضنا وجود جعلین مستقلّین .‏

الثالث :‏ أنّ ما أفاده من أنّ الشکّ فی الرتبة السابقـة علی الاستصحاب‏‎ ‎‏یترتّب علیه الأثر ، فلا یبقی مجال لجریانه ، غیر وجیه ؛ فإنّ الشکّ فی الواقع فی‏‎ ‎‏رتبة واحدة موضوع للقاعدة والاستصحاب ، فکیف یمکن أن یتقدّم علی موضوع‏‎ ‎‏الاستصحاب بعدما کان الأثر مترتّباً علی الواقع کما هو المفروض لا علی العلم‏‎ ‎‏بعدم الواقع حتّی یقال : تحقّق هذا العنوان تعبّداً فی الرتبة المتأخّرة عن‏‎ ‎‏الاستصحاب ، فتأمّل .‏

‏وتقدّمه علی الحکم الاستصحابی لیس إلاّ کتقدّمه علی الحکم الثابت‏‎ ‎‏بالقاعدة ؛ ضرورة تقدّم کلّ موضوع علی حکمه .‏

‏فإن قلت : لعلّ نظره ـ کما یستفاد مـن کلمات الشیخ الأعظم أیضاً ـ أنّ‏‎ ‎‏صرف الشکّ یترتّب علیه الأثر فی القاعدة ، وأمّا الاستصحاب فهو یحتاج إلی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 411
‏عنایـة اُخـری ؛ مـن لحاظ الحالة السابقة وجـرّ الثابت سابقاً إلی الزمان اللاحق .‏

‏قلت : ترتّب الأثر علی الشکّ عبارة اُخری عن جعل الحکم علیه ، کما أنّ‏‎ ‎‏العنایة فی الاستصحاب کذلک ، فالشکّ فیهما موضوع للحکم فی عرض واحد ،‏‎ ‎‏وحکمهما متأخّر عنه ؛ تأخّر الحکم عن موضوعه .‏

الرابع :‏ أنّ ما أفاده من الفرق بین قاعدة الحلّیة والطهارة واستصحابهما من‏‎ ‎‏جواز الصلاة فی المحکوم بالطهارة والحلّیة بالاستصحاب ، دون المحکوم بهما‏‎ ‎‏بمعونة القاعدتین ، قد فرغنا‏‎[16]‎‏ عن ضعف هذا التفصیل فی محلّه ، وأوضحنا حکومة‏‎ ‎‏القاعدتین علی أدلّة الشرائط والأجزاء ، وحکمنا بصحّة الصلاة ، فراجع .‏

الخامس :‏ أنّ ما أفاده من عدم جریان الاستصحاب فی مورد قاعدة الاشتغال‏‎ ‎‏ضعیف إذا ادّعی الکلّیة ، وإن ادّعی فی بعض الموارد ـ کما إذا اختلّ أرکان‏‎ ‎‏الاستصحاب ـ فلا یفید بحاله .‏

‏ولعلّ ما ذکره من المثال من هذا القبیل ، کما أنّ ما ذکره من عدم جریان‏‎ ‎‏القاعدة عند الشکّ فی المأمور به غیر صحیح ، فتدبّر .‏

اعلم أنّه قد خرج عن الأصل المذکور اُمور :

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 412

  • )) کفایة الاُصول : 322 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 356 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 24 : 125 .
  • )) کفایة الاُصول : 323 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 80 .
  • )) نفس المصدر 3 : 80 ـ 81 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 346 .
  • )) یونس (10) : 59 .
  • )) بحر الفوائد فی شرح الفرائد : 77 / السطر11 ، أوثق الوسائل : 65 / السطر35 .
  • )) الأعراف (7) : 33 .
  • )) تقدّم تخریجها فی الصفحة 402 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 24 : 127 ـ 128 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الخراسانی : 80 ـ 81 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 126 ـ 132 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 402 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 272 .