المحذور الثانی‏: محذور اجتماع الضدّین و النقیضین و المثلین

المحذور الثانی : محذور اجتماع الضدّین والنقیضین والمثلین

‏ ‏

‏أمّا هذا المحذور الذی کان ثالث المحاذیر فهو مبنی علی ما هو المسلّم‏‎ ‎‏عندهـم ؛ مـن أنّ الأحکام الخمسـة متضـادّة بأسرهـا ، یمتنع اجتماعها فـی‏‎ ‎‏موضوع واحد‏‎[1]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 373
‏والمراد من الأحکام ـ علی ما صرّحوا به فی بحث اجتماع الأمر والنهی وفی‏‎ ‎‏باب الجمع بین الحکم الواقعی والظاهری ـ هو الأحکام البعثیة والزجریة وغیرهما ،‏‎ ‎‏فلو فرضنا کون صلاة الجمعة محرّمة فی نفس الأمر ، وقامت الأمارة علی وجوبها‏‎ ‎‏تصیر صلاة الجمعة مهبطاً لحکمین متضادّین .‏

ولا یخفی علیک :‏ أنّ ما اشتهر بینهم من أنّ الأحکام متضادّة بأسرها لیس له‏‎ ‎‏أساس صحیح ، وقد استوفینا بعض الکلام فی ذلک عند البحث عن جواز اجتماع‏‎ ‎‏الأمر والنهی ، ولکن نعیده هنا ؛ حذراً عن الإحالة :‏

فنقول :‏ إنّهم عرّفوا الضدّین بأنّهما الأمران الوجودیان غیر المتضائفین ،‏‎ ‎‏المتعاقبان علی موضوع واحد ، لا یتصوّر اجتماعهما فیه ، بینهما غایة الخلاف .‏‎ ‎‏وعلیه : فما لا وجود له لا ضدّیة بینه وبین شیء آخر ، کما لا ضدّیة بین أشیاء‏‎ ‎‏لا وجود لها ، کالاعتباریات التی لیس لها وجود إلاّ فی وعاء الاعتبار .‏

‏وعلی هذا التعریف لا ضدّیة أیضاً بین أشیاء لا حلول لها فی موضوع ولا‏‎ ‎‏قیام لها به ؛ قیام حلول وعروض .‏

إذا عرفت هذا فاعلم :‏ أنّ الإنشائیات کلّها من الاُمور الاعتباریة لا تحقّق لها‏‎ ‎‏إلاّ فی وعاء الاعتبار ؛ فإنّ دلالة الألفاظ المنشأ بها علی معانیها إنّما هی بالمواضعة‏‎ ‎‏والوضع الاعتباریین ، فلا یعقل أن یوجد بها معنی حقیقی تکوینی أصیل .‏

‏فهیئة الأمر والنهی وضعت للبعث والزجر الاعتباریین فی مقابل البعث‏‎ ‎‏والزجر التکوینیین . فقول القائل «صلّ» مستعمل فی إیجاد البعث والحثّ والتحریک‏‎ ‎‏الاعتباری ، فالعلّة اعتباری والمعلول مثله .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 374
‏ومـا ربّما یقال : مـن أنّ الإنشاء قـولٌ قُصد به ثبوت المعنی فـی نفس‏‎ ‎‏الأمر‏‎[2]‎‏ ، یراد به أنّ نفس الإنشاء یکون منشأ للمعنی فی وعاء الاعتبار ؛ بحیث‏‎ ‎‏یکون الألفاظ التی بها یقع الإنشاء ـ کهیئتی الأمر والنهی ـ مصادیق ذاتیة للّفظ‏‎ ‎‏وعرضیة للمعنی المنشأ ، لا أنّهما علل المعانی المنشأة ؛ فإنّ العلّیة والمعلولیة‏‎ ‎‏الحقیقیتین لا یعقل بینهما .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ التکلّم بصیغة الأمر بما هو تکلّم وصوت معتمد علی‏‎ ‎‏مقطع الفم أمر تکوینی من مراتب التکوین ، وأمّا جعل هذا التکلّم دلیلاً علی إرادة‏‎ ‎‏البعث والتحریک بلا آلة تکوینیة فإنّما هو بالجعل والمواضعة التی هی الموجب‏‎ ‎‏الوحید لانفهام الأمر المنشأ البعث ، فإذا کان المبدأ أمراً اعتباریاً فالآخر مثله .‏

‏وعلی هذا الأساس فالأحکام التکلیفیة کلّها من الاُمور الاعتباریة لا وجود‏‎ ‎‏حقیقی لها إلاّ فی وعاء الاعتبار .‏

ومن ذلک یعلم :‏ أنّ الإضافات المتصوّرة عند الأمر بالشیء لیست إلاّ‏‎ ‎‏إضافات اعتباریة ، فإنّ للأمر إضافة إلی الآمر إضافة صدور ، وإضافة إلی المأمور‏‎ ‎‏إضافة انبعاث ، وإضافة إلی المتعلّق إضافة تعلیقیة أوّلیة ، وإلی الموضوع إضافة‏‎ ‎‏تعلیقیة ثانویة ، وهکذا . فهذه الإضافات لیست من مراتب التکوین ، وإنّما هی اُمور‏‎ ‎‏اعتباریة یستتبع بعضها بعضاً .‏

وبذلک یظهر :‏ أنّ الأحکام التکلیفیة لیست أعراضاً بالنسبة إلی متعلّقاتها ،‏‎ ‎‏فلیس قیام المعانی الاعتباریة ـ الأحکام ـ بمتعلّقاتها أو موضوعاتها قیام حلول‏‎ ‎‏وعروض فیهما ، بل کلّ ذلک تشبیهات وتنزیلات للمعقولات علی المحسوسات ؛‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 375
‏فإنّ الاُمور الاعتباریة أنزل من ذلک کلّه .‏

إذا عرفت ذلک :‏ تقف علی بطلان القول بأنّ الأحکام الخمسة اُمور متضادّة ،‏‎ ‎‏کما اشتهر عنهم فی باب الترتّب واجتماع الأمر والنهی والجمع بین الأحکام الواقعیة‏‎ ‎‏والظاهریة وغیرها .‏

‏وأظنّ أنّک بعد الوقوف علی ما ذکرنا تقف علی أنّ بطلان الضدّیة فیها لیس‏‎ ‎‏لأجل انتفاء شرط الضدّیة أو قیدها فیها ، بل البطلان لأجل أنّ التضادّ والتماثل‏‎ ‎‏والتخالف من مراتب الحقیقة ـ أی الماهیة الموجودة فی المادّة الخارجیة ـ‏‎ ‎‏فالأحکام لا حظّ لها من الوجود الخارجی حتّی یتحمّل أحکامه . وقس علیه سائر‏‎ ‎‏القیود ؛ فإنّها أیضاً منتفیة ، کما ذکرنا .‏

‏وأمّا امتناع الأمر والنهی بشیء واحد بجهة واحدة من شخص واحد فلیس‏‎ ‎‏لأجل تضادّ الأحکام ، بل لأجل مبادئهما ، کالمصالح والمفاسد والإرادة والکراهة ،‏‎ ‎‏وهما لا تجتمعان .‏

‏علی أنّ الأمر بالشیء جدّاً والنهی عنه کذلک من آمر عالم ممتنع ؛ لأنّه یرجع‏‎ ‎‏إلی التکلیف بالمحال ، ومرجعه إلی التکلیف المحال ، کما مرّ وجهه فی مبحث‏‎ ‎‏الاجتماع والامتناع . ولیعذرنی إخوانی من الإطالة ، وهو أولی من الإحالة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 376

  • )) قوانین الاُصول 1 : 142 / السطر 14 ، کفایة الاُصول : 193 ، فوائد الاُصول (تقریراتالمحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 437 .
  • )) کفایة الاُصول : 87 ـ 88 ، فوائد الاُصول ، المحقّق الخراسانی : 17 .