المقام الأوّل‏: فی ثبوت التکلیف بالعلم الإجمالی

المقام الأوّل : فی ثبوت التکلیف بالعلم الإجمالی

‏ ‏

‏فاعلم أنّه قد یطلق العلم الإجمالی ویراد منه القطع الوجدانی بالتکلیف الذی‏‎ ‎‏لا یحتمل فیه الخلاف ، ولا یحتمل رضا المولی بترکه .‏

‏وقد یطلق علی الحجّة الإجمالیة ، کما إذا قامت الدلیل الشرعی علی حرمة‏‎ ‎‏الخمر علی نحو الإطلاق ، ثمّ علمنا أنّ هذا أو ذاک خمر ، فلیس فی هذه الصورة‏‎ ‎‏علم قطعی بالحرمة الشرعیة التی لا یرضی الشارع بترکه ، بل العلم تعلّق بإطلاق‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 353
‏الدلیل والحجّة الشرعیة ، والإجمال فی مصداق ما هو موضوع للحجّة الشرعیة .‏‎ ‎‏وحینئذٍ فالعلم بالحرمة غیر العلم بالحجّة .‏

‏فما هو المناسب للبحث عنه فی المقام هو الأوّل ، کما أنّ المناسب لمباحث‏‎ ‎‏الاشتغال هو الثانی .‏

فنقول :‏ المشهور المتداول کون العلم علّة تامّة لوجوب الموافقة وحرمة‏‎ ‎‏المخالفة القطعیتین . وربّما یقال بکونه علّة تامّة بالنسبة إلی الثانیة دون الاُولی ،‏‎ ‎‏ونسب إلی بعضهم جواز المخالفة القطعیة ؛ فضلاً عن احتمالها . ولا یهمّنا سرد‏‎ ‎‏الأقوال بعد کون المسألة عقلیة محضة ، غیر أنّ هذه الأقوال یظهر حالها صحّةً‏‎ ‎‏وفساداً بعد ملاحظة ما هو مصبّ النزاع فی هذا الباب .‏

قد عرفت :‏ أنّ البحث فی المقام إنّما هو عن القطع الوجدانی بالتکلیف الفعلی‏‎ ‎‏الذی لا یحتمل الخلاف ، ویعلم بعدم رضا المولی بترکه ، لکن اشتبه متعلّق التکلیف‏‎ ‎‏بحسب المصداق أو غیره . کما أنّ البحث فی باب الاشتغال إنّما هو عن العلم‏‎ ‎‏بالحجّة المحتمل صدقها وکذبها ، کإطلاق دلیل حرمة الخمر الشامل لصورتی العلم‏‎ ‎‏بالتفصیل والإجمال .‏

‏وعلی ذلک : فلا شکّ أنّ العلم والقطع الوجدانی بالتکلیف علّة تامّة لحرمة‏‎ ‎‏المخالفة ووجوب الموافقة القطعیین ، ولا یجوز الترخیص فی بعض أطرافه ؛ فضلاً‏‎ ‎‏عن جمیعه ؛ إذ الترخیص ـ کلاًّ أو بعضاً ـ ینافی بالضرورة مع ذاک العلم الوجدانی ،‏‎ ‎‏فإنّ الترخیص فی تمام الأطراف یوجب التناقض بین الإرادتین فی نفس المولی ،‏‎ ‎‏کما أنّ الترخیص فی بعضها یناقض ذاک العلم فی صورة المصادفة .‏

‏وإن شئت فحاسب فی نفسک ، فهل یمکن تعلّق الإرادة القطعیة علی ترک‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 354
‏شرب الخمر الذی یتردّد بین الأطراف مع الترخیص فی تمامها أو بعضها مع احتمال‏‎ ‎‏انطباق الواقع .‏

وبذلک یظهر :‏ أنّه لا مناص عن الاحتیاط المحرز للواقع فی تمام الأقسام‏‎ ‎‏من الشبهات ؛ محصورة کانت أو غیر محصورة ، بدویة کانت أو غیرها ؛ فإنّ العلم‏‎ ‎‏القطعی بالتکلیف لا یجتمع أبداً مع الترخیص فی الشبهات فی أیّ قسم منها .‏

‏وسیوافیک فی مقام البحث عن الجمع بین الحکم الظاهری والواقعی : أنّ‏‎ ‎‏الترخیص فی الشبهات لا ینفکّ عن رفع الید عن التکالیف والتصرّف فی المعلوم‏‎ ‎‏والتکلیف وصیرورته شأنیاً‏‎[1]‎‏ ، وإلاّ فمع الفعلیة بالمعنی الذی عرفته لا یجوز‏‎ ‎‏احتمال الترخیص ؛ فضلاً عن الترخیص الفعلی .‏

والحاصل :‏ أنّه مع العلم القطعی بالتکلیف لا یمکن العلم بالترخیص ؛‏‎ ‎‏لاستلزامه العلم بالمتناقضین ، کما لا یجوز العلم به مع احتمال التکلیف القطعی ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الترخیص الفعلی مع احتمال التکلیف من باب احتمال اجتماع النقیضین ، ویعدّ من‏‎ ‎‏اجتماعهما علی فرض المصادفة .‏

وبهذا یعلم :‏ أنّ وجه الامتناع هو لزوم اجتماع النقیضین مع التصادف‏‎ ‎‏واحتماله مع الجهل بالواقع ، وأنّه لا فرق فی عدم جواز الترخیص بین العلم القطعی‏‎ ‎‏بالتکلیف أو احتمال ذلک التکلیف ، وأنّه لیس ذلک لأجل کون العلم علّة تامّة‏‎ ‎‏للتنجیز أو مقتضیاً له ؛ فإنّ وجه الامتناع مقدّم رتبةً علی منجّزیة العلم ، فالامتناع‏‎ ‎‏حاصل ؛ سواء کان العلم منجّزاً أم لا ، کان علّة تامّة أم لا .‏

‏فوجه الامتناع هو لزوم التناقض أو احتماله ، وقد عرفت أنّه مشترک بین‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 355
‏العلم الإجمالی والشبهة البدویة ، مع أنّ فیها لا یکون التکلیف منجّزاً .‏

فملخّص الکلام :‏ أنّ احتمال الترخیص مع احتمال التکلیف الفعلی مستلزم‏‎ ‎‏لاحتمال اجتماع النقیضین ؛ فضلاً عن احتماله مع العلم بالتکلیف کذلک .‏

‏وممّا ذکر یظهر حال الأقوال المذکورة فی الباب ؛ فإنّ کلّ ذلک ناشٍ عن‏‎ ‎‏خلط ما هو مصبّ البحث مع ما هو مصبّه فی باب الاشتغال .‏

‏فما یقال : من أنّ للشارع الاکتفاء بالإطاعة الاحتمالیة عند العلم بالتکلیف‏‎ ‎‏التفصیلی ـ کما فی مجاری الاُصول ـ فکیف مع العلم الإجمالی ؟ صحیح لو أراد بها‏‎ ‎‏ما هو مصبّ البحث فی باب الاشتغال ؛ فإنّ الاکتفاء یکشف عن التصرّف فی‏‎ ‎‏المعلوم وتقبّل الناقص مقام الکامل أو ما أشبهه من التوسعة فی مصداق الطبیعة ،‏‎ ‎‏وأمّا لو تعلّق العلم الوجدانی بأنّ الطهور شرط للصلاة فمع هذا العلم لا یعقل‏‎ ‎‏الترخیص والمضی .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 356

  • )) یأتی فی الصفحة 376 .