نقل مقال و توضیح حال

نقل مقال وتوضیح حال

‏ ‏

‏إنّ بعض الأعیان من المحقّقین ‏‏رحمه الله‏‏ ذکر وجهاً لصحّة تعلّق الأمر والنهی‏‎ ‎‏بالالتزام والتسلیم ، فقال : إنّ الفعل القلبی ضرب من الوجود النوری ، والوجود فی‏‎ ‎‏قبال المقولات ؛ وهو من العلوم الفعلیة دون الانفعالیة ، والأفعال القلبیة اُمور‏‎ ‎‏یساعدها الوجدان ؛ فإنّ الإنسان کثیراً ما یعلم بأهلیة المنصوب من قِبَل من له‏‎ ‎‏النصب ، لکنّه لا ینقاد له قلباً ، ولا یقرّ به باطناً ؛ لخباثة نفسه أو لجهة اُخری ؛ وإن‏‎ ‎‏کان فی مقام العمل یتحرّک بحرکته خوفاً من سوطه وسطوته .‏

‏وهکذا کان حال کثیر من الکفّار بالنسبة إلی نبیّنا ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ؛ حیث إنّهم کانوا‏‎ ‎‏عالمین بحقیته ، کما نطق به القرآن ، ومع ذلک لم یکونوا منقادین ـ ولو کان ملاک‏‎ ‎‏الإیمان الحقیقی نفس العلم ـ لزم أن یکونوا مؤمنین به ، أو جعل الإیمان الذی هو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 348
‏أشرف الکمالات مجرّد الإقرار باللسان ؛ حتّی یلزم کفرهم لأجل عدم الإقرار‏‎[1]‎‏ .‏

وأنت خبیر :‏ بأنّه ‏‏قدس سره‏‏ لم یبرهن علی أنّ الالتزام من العلوم الفعلیة دون‏‎ ‎‏الانفعالیة ، بل من القریب کونه من انفعالات النفس ومن الکیفیات الحاصلة لها من‏‎ ‎‏المبادئ الموجودة فیها أو حاصلة لها .‏

‏وما قال : إنّ الکیفیات النفسانیة‏‎[2]‎‏ محصورة غیر وجیه ؛ لعدم قیام برهان‏‎ ‎‏علی حصرها . فالأشبه أن تکون نحو تلک الحالات من مقولة الکیف ، ومن‏‎ ‎‏الکیفیات النفسانیة التی تنفعل بها النفس .‏

‏فما ادّعاه من أنّه ضرب من الوجود ، وهو لا یدخل تحت مقولة غیر صحیح ؛‏‎ ‎‏لأنّ الموجود فی صقع الإمکان لا یمکن أن یکون موجوداً مطلقاً ، فیلزم وجوب‏‎ ‎‏وجوده ، وهو خلف ، بل یکون موجوداً مقروناً بالحدّ والحدود ، فیتألّف من وجود‏‎ ‎‏وماهیة ، ویدخل علی وجه التسامح تحت إحدی المقولات .‏

‏أضف إلی ذلک ما عرفت : أنّ الالتزام لا ینفکّ عن العلم بالشیء ، وأنّه یستتبع‏‎ ‎‏الالتزام فی کمّه وکیفه فی تفصیله وإجماله علی مقدار علمه ، ویوجد ذلک الالتزام‏‎ ‎‏فی لوح النفس غبّ حصول العلم .‏

‏وقد عرفت : أنّ جحد الکفّار لم یکن إلاّ جحداً فی الظاهر ؛ لعنادهم‏‎ ‎‏وعداوتهم وحبّ الریاسة والعصبیة الجاهلیة ، وإلاّ فکیف یمکن الإنکار الباطنی مع‏‎ ‎‏العلم الوجدانی بالخلاف ؟ فهل یمکن إنکار وجود الیوم مع العلم بوجوده ؟‏

‏ولا یلزم ممّا ذکـر أن یکون الإیمان هـو العلم فقط حتّی یقال : إنّ الشیطان‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 349
‏کان عالماً بجمیع المعارف ، مع أنّـه عدّ مـن الکفّار ، کما لا یلزم مـن ذلک أیضاً‏‎ ‎‏کون الانقیاد والتسلیم القلبی حاصلین فی النفس بالاختیار ، بل الإیمان عبارة عـن‏‎ ‎‏مرتبة من العلم الملازم لخضوع القلب للنبوّة .‏

‏وقد فصّلنا حقیقة العلم والإیمان فی بعض مسفوراتنا ، وأوضحنا فیه أنّ‏‎ ‎‏الإیمان لیس مطلق العلم الذی یناله العقل ، ویعدّ حظّاً فریداً له ، وبما أنّ المقام لا‏‎ ‎‏یسع طرح تلک الأبحاث فلیرجع من أراد التفصیل إلی محالّه‏‎[3]‎‏ .‏

فظهر :‏ أنّه لا یلزم من عدم کون العلم عین الإیمان کون الالتزام والانقیاد‏‎ ‎‏اختیاریاً متحقّقاً بالإرادة .‏

‏هذا کلّه فی إمکان تعلّق الوجوب علی الالتزام وعدمه .‏

‏ثمّ إنّـه لو فرضنا إمکان التعلّق فالظاهـر عـدم وجـوبه ؛ لعدم الدلیل علیه فی‏‎ ‎‏الفرعیات نقـلاً ولا عقـلاً ، وعـدم اقتضاء التکلیف إلاّ الموافقـة العملیة ، وحکـم‏‎ ‎‏الوجـدان بعدم استحقاق العبد لعقوبتین علی فرض مخالفـة التکلیف عملاً والتزاماً ،‏‎ ‎‏وعـدم استحقاقـه للعقوبة مع العمل بلا التزام ، واستحقاقـه لمثوبة واحـدة مع العمل‏‎ ‎‏والالتزام .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 350

  • )) نهایة الدرایة 3 : 77 .
  • )) نفس المصدر 3 : 76 .
  • )) جنود عقل وجهل : 87 .