قیام الاستصحاب وقاعدة التجاوز مقام القطع بأقسامه
وأمّا قیام القاعدتین مقام القطع وعدمه فنقول : قد وافاک أنّ القطع قد یؤخذ علی نحو الطریقیة التامّة ، وقد یؤخذ علی نحو الوصفیة ، وقد یؤخذ علی الطریقیة المشترکة . وعلی التقادیر قد یکون المأخوذ تمام الموضوع ، وقد یکون بعضه .
لا کلام فی عدم قیام الطرق العقلائیة مقام القطع المأخوذ علی نحو الکاشفیة التامّة ولا علی نحو الوصفیة ، وأمّا المأخوذ علی نحو الکاشف المطلق فالأمارات تقوم مقامه ، لا من جهة النیابة ، بل لأ نّها مصداق واقعی للموضوع فی عرض القطع ، کما تقدّم بیانه .
وأمّا الاستصحاب : فعلی القول بأماریته فلا وجه لقیامه مقام القطع الوصفی ؛ إذ لا جامع بین الوسطیة فی الإثبات والقطع المأخوذ علی وجه الوصفیة ، وأدلّة حجّیة الاستصحاب قاصرة عن هذا التنزیل ، بل یمکن دعوی استحالة قیامه مقام القطع الوصفی ؛ لاستلزامه الجمع بین اللحاظین المتباینین علی ما مرّ بیانه ، علی إشکال منّا .
وأمّا القطع الطریقی المأخوذ بنحو کمال الطریقیة أو المشترکة فیقوم الاستصحاب بنفس أدلّته مقام القطع فیما إذا کان القطع تمام الموضوع فیما إذا کان
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 340
للمقطوع أثر آخر یکون التعبّد بلحاظه ؛ فإنّ مفاد أدلّة الاستصحاب ـ علی الفرض ـ إعطاء صفة الیقین وإطالة عمره ، فالمستصحب ـ بالکسر ـ فی حالة الاستصحاب ذو یقین تشریعاً .
وهکذا الکلام إذا کان مأخوذاً بنحو الجزئیة ؛ فإنّ نفس الأدلّة یکفی لإثبات الجزئین ، من غیر احتیاج إلی دلیل آخر ؛ فإنّ إطالة عمر الیقین هو الکشف عن الواقع وإحرازه ، فالواقع محرز بنفس الجعل .
وإن شئت قلت : إنّ المجعول بالذات هو إطالة عمر الیقین ، ولازمه العرفی إحراز الواقع ، لکن إطلاق القیام مقام القطع ـ حینئذٍ ـ لا یخلو من تسامح ، بل یکون الاستصحاب مصداقاً حقیقیاً للموضوع .
وأمّا علی القول بکونه أصلاً : فقیامه مقام القطع الطریقی مطلقاً غیر بعید ؛ لأنّ الکبری المجعولة فیه إمّا یکون مفادها التعبّد ببقاء الیقین عملاً وأثراً ، وإمّا التعبّد بلزوم ترتیب آثاره .
فعلی الأوّل تکون حاکمة علی ما اُخذ فیه القطع الطریقی موضوعاً ، لا لما ذکره بعض أعاظم العصر ، بل لأنّ مفاده لو کان هو التعبّد ببقاء الیقین یصیر حاکماً علیه ، کحکومة قوله علیه السلام : «کلّ شیء طاهر» علی قوله : «لاصلاة إلاّ بطهور» .
وعلی الثانی یقوم مقامه بنتیجة التحکیم ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 341
وأمّا قیامها مقام القطع الوصفی : فالظاهر قصور أدلّتها عن إثبات قیامه مقامه ؛ لأنّ الظاهر منها الیقین الطریقی ، فلا إطلاق فیها بالنسبة إلی الوصفی ؛ وإن کان لا یمتنع الجمع بینهما ، کما تقدّم .
وأ مّا قاعدة التجاوز : فلا شکّ أنّ دلیل تلک القاعدة قاصر عن إقامتها مقام القطع الموضوعی بأقسامه ؛ لأنّ مفاده ـ کما عرفت ـ لیس إلاّ المضیّ تعبّداً ، والبناء علی الوجود کذلک ، وهذا أجنبی عن القیام مقامه . نعم فیما إذا کان القطع طریقاً محضاً ویکون نفس الواقع بما هو هو موضوع الحکم لا یبعد إحرازه بالقاعدة ، لا بقیامها مقام القطع الطریقی ، بل بنتیجة القیام .
وقد یقال : إنّ للقطع جهات ، والجهة الثالثة منها جهة البناء والجری العملی علی وفق العلم ؛ حیث إنّ العلم بوجود الأسد یقتضی الفرار عنه ، والمجعول فی الاُصول المحرزة هی هذه الجهة ، فهی قائمة مقام القطع الطریقی بأقسامه .
وفیه : أنّ مجرّد البناء علی الوجود لا یقتضی القیام مقام القطع ، ولیس فی الأدلّة ما یستشمّ منها أنّ الجعل بعنایة التنزیل مقام القطع فی هذا الأثر . واشتراک القاعدة والقطع فی الأثر ـ لو فرض تسلیمه ـ لا یوجب التنزیل والقیام مقامه .
وبالجملة : إن کان المراد من قیام القاعدة مقام القطع کونها محرزة للواقع کالقطع ـ غایة الأمر أ نّها محرزة تعبّداً وهو محرز وجداناً ـ فهو صحیح ، لکنّه لا یوجب قیامها مقام القطع الموضوعی بأقسامه ، بل إطلاق القیام مقامه فی الطریقی المحض أیضاً خلاف الواقع ، وإن کان المراد هو القیام بمعناه المنظور ففیها منع ، منشؤه قصور الأدلّة ، فراجعها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 342