قیام الاستصحاب و قاعدة التجاوز مقام القطع بأقسامه

قیام الاستصحاب وقاعدة التجاوز مقام القطع بأقسامه

‏ ‏

‏وأمّا قیام القاعدتین مقام القطع وعدمه فنقول : قد وافاک أنّ القطع قد یؤخذ‏‎ ‎‏علی نحو الطریقیة التامّة ، وقد یؤخذ علی نحو الوصفیة ، وقد یؤخذ علی الطریقیة‏‎ ‎‏المشترکة . وعلی التقادیر قد یکون المأخوذ تمام الموضوع ، وقد یکون بعضه .‏

‏لا کلام فی عدم قیام الطرق العقلائیة مقام القطع المأخوذ علی نحو الکاشفیة‏‎ ‎‏التامّة ولا علی نحو الوصفیة ، وأمّا المأخوذ علی نحو الکاشف المطلق فالأمارات‏‎ ‎‏تقوم مقامه ، لا من جهة النیابة ، بل لأ نّها مصداق واقعی للموضوع فی عرض القطع ،‏‎ ‎‏کما تقدّم بیانه‏‎[1]‎‏ .‏

وأمّا الاستصحاب :‏ فعلی القول بأماریته فلا وجه لقیامه مقام القطع الوصفی ؛‏‎ ‎‏إذ لا جامع بین الوسطیة فی الإثبات والقطع المأخوذ علی وجه الوصفیة ، وأدلّة‏‎ ‎‏حجّیة الاستصحاب قاصرة عن هذا التنزیل ، بل یمکن دعوی استحالة قیامه مقام‏‎ ‎‏القطع الوصفی ؛ لاستلزامه الجمع بین اللحاظین المتباینین علی ما مرّ بیانه ، علی‏‎ ‎‏إشکال منّا‏‎[2]‎‏ .‏

‏وأمّا القطع الطریقی المأخوذ بنحو کمال الطریقیة أو المشترکة فیقوم‏‎ ‎‏الاستصحاب بنفس أدلّته مقام القطع فیما إذا کان القطع تمام الموضوع فیما إذا کان‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 340
‏للمقطوع أثر آخر یکون التعبّد بلحاظه ؛ فإنّ مفاد أدلّة الاستصحاب ـ علی‏‎ ‎‏الفرض ـ إعطاء صفة الیقین وإطالة عمره ، فالمستصحب ـ بالکسر ـ فی حالة‏‎ ‎‏الاستصحاب ذو یقین تشریعاً .‏

‏وهکذا الکلام إذا کان مأخوذاً بنحو الجزئیة ؛ فإنّ نفس الأدلّة یکفی لإثبات‏‎ ‎‏الجزئین ، من غیر احتیاج إلی دلیل آخر ؛ فإنّ إطالة عمر الیقین هو الکشف عن‏‎ ‎‏الواقع وإحرازه ، فالواقع محرز بنفس الجعل .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ المجعول بالذات هو إطالة عمر الیقین ، ولازمه العرفی‏‎ ‎‏إحراز الواقع ، لکن إطلاق القیام مقام القطع ـ حینئذٍ ـ لا یخلو من تسامح ، بل یکون‏‎ ‎‏الاستصحاب مصداقاً حقیقیاً للموضوع .‏

وأمّا علی القول بکونه أصلاً :‏ فقیامه مقام القطع الطریقی مطلقاً غیر بعید ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الکبری المجعولة فیه إمّا یکون مفادها التعبّد ببقاء الیقین عملاً وأثراً ، وإمّا التعبّد‏‎ ‎‏بلزوم ترتیب آثاره .‏

‏فعلی الأوّل تکون حاکمة علی ما اُخذ فیه القطع الطریقی موضوعاً ، لا لما‏‎ ‎‏ذکره بعض أعاظم العصر‏‎[3]‎‏ ، بل لأنّ مفاده لو کان هو التعبّد ببقاء الیقین یصیر حاکماً‏‎ ‎‏علیه ، کحکومة قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر»‎[4]‎‏ علی قوله : ‏«لاصلاة إلاّ بطهور»‎[5]‎‏ .‏

‏وعلی الثانی یقوم مقامه بنتیجة التحکیم ، کما لا یخفی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 341
‏وأمّا قیامها مقام القطع الوصفی : فالظاهر قصور أدلّتها عن إثبات قیامه مقامه ؛‏‎ ‎‏لأنّ الظاهر منها الیقین الطریقی ، فلا إطلاق فیها بالنسبة إلی الوصفی ؛ وإن کان لا‏‎ ‎‏یمتنع الجمع بینهما ، کما تقدّم .‏

وأ مّا قاعدة التجاوز :‏ فلا شکّ أنّ دلیل تلک القاعدة قاصر عن إقامتها مقام‏‎ ‎‏القطع الموضوعی بأقسامه ؛ لأنّ مفاده ـ کما عرفت ـ لیس إلاّ المضیّ تعبّداً ، والبناء‏‎ ‎‏علی الوجود کذلک ، وهذا أجنبی عن القیام مقامه . نعم فیما إذا کان القطع طریقاً‏‎ ‎‏محضاً ویکون نفس الواقع بما هو هو موضوع الحکم لا یبعد إحرازه بالقاعدة ، لا‏‎ ‎‏بقیامها مقام القطع الطریقی ، بل بنتیجة القیام .‏

وقد یقال :‏ إنّ للقطع جهات ، والجهة الثالثة منها جهة البناء والجری العملی‏‎ ‎‏علی وفق العلم ؛ حیث إنّ العلم بوجود الأسد یقتضی الفرار عنه ، والمجعول فی‏‎ ‎‏الاُصول المحرزة هی هذه الجهة ، فهی قائمة مقام القطع الطریقی بأقسامه‏‎[6]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ مجرّد البناء علی الوجود لا یقتضی القیام مقام القطع ، ولیس فی‏‎ ‎‏الأدلّة ما یستشمّ منها أنّ الجعل بعنایة التنزیل مقام القطع فی هذا الأثر . واشتراک‏‎ ‎‏القاعدة والقطع فی الأثر ـ لو فرض تسلیمه ـ لا یوجب التنزیل والقیام مقامه .‏

‏وبالجملة : إن کان المراد من قیام القاعدة مقام القطع کونها محرزة للواقع‏‎ ‎‏کالقطع ـ غایة الأمر أ نّها محرزة تعبّداً وهو محرز وجداناً ـ فهو صحیح ، لکنّه لا‏‎ ‎‏یوجب قیامها مقام القطع الموضوعی بأقسامه ، بل إطلاق القیام مقامه فی الطریقی‏‎ ‎‏المحض أیضاً خلاف الواقع ، وإن کان المراد هو القیام بمعناه المنظور ففیها منع ،‏‎ ‎‏منشؤه قصور الأدلّة ، فراجعها .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 342

  • )) تقدّم فی الصفحة 334 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 328 ـ 329 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 24 ـ 25 .
  • )) المقنع : 15 ، مستدرک الوسائل 2 : 583 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحدیث 4 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 49 / 144 ، وسائل الشیعة 1 : 365 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 16 ـ 17 .