الأوّل : فی أقسام القطع
نقول : إنّ القطع قد یتعلّق بموضوع خارجی أو موضوع ذی حکم أو حکم شرعی متعلّق بموضوع مع قطع النظر عن القطع . ویشترک الکلّ فی أنّ القطع کاشف دائماً فی نظر القاطع .
وأمّا توضیح الأقسام فیحتاج إلی تقدیم أمر وهو : أنّ العلم من الأوصاف الحقیقیة ذات الإضافة ، فله قیام بالنفس ـ قیام صدور أو حلول علی المسلکین ـ وإضافة إلی المعلوم بالذات الذی هو فی صقع النفس إضافة إیجاد ، وإضافة إلی المعلوم بالعرض المحقّق فی الخارج .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 309
وما ذکرنا : من قیام العلم بالنفس وأنّ الصورة المعلومة بالذات فیها أیضاً إنّما یصحّ علی عامّة الآراء المذکورة فی الوجود الذهنی .
نعم ، علی القول المنسوب إلی الإمام الرازی من أنّ حقیقة العلم هو إضافة النفس إلی الخارج بلا وساطة صورة اُخری لا یصحّ القول بقیام الصورة المعلومة بالنفس ؛ إذ لیس هنا شیئاً وراء الصورة المحقّقة فی الخارج حتّی نسمّیه علماً ومعلوماً بالذات ، بل حقیقة العلم علی هذا المسلک لیس إلاّ نیل النفس الاُمور الخارجیة بالإضافة إلیها ، لا بالحصول فیها .
وبذلک یظهر : أنّ ما أفاده بعض أعاظم العصر من قیام العلم بالنفس ، من دون فرق بین أن نقول : إنّ العلم من مقولة الکیف أو مقولة الفعل أو الانفعال أو الإضافة لا یخلو عن مناقشة .
ثمّ إنّ للقطع جهات ثلاثة :
جهة قیامه بالنفس وصدوره منها أو حلوله فیها ، وعلی الجملة : کونه من الأوصاف النفسانیة مثل القدرة والإرادة والبخل وأمثالها .
وجهة أصل الکشف المشترک بینه وبین سائر الأمارات .
وجهة کمال الکشف وتمامیة الإراءة المختصّة به الممیّزة إیّاه عن الأمارات .
ثمّ هذه الجهات لیست جهات حقیقیة حتّی یستلزم ترکّب العلم من هذه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 310
الجهات ، وإنّما هی تحلیلات عقلانیة وجهات یعتبرها العقل بالمقایسات ، کتحلیل البسائط إلی جهات مشترکة وجهات ممیّزة ، مع أنّه لیس فی الخارج إلاّ شیء واحد بسیط . وتجد نظیر ذلک فی حقیقة التشکیک الموجود فی أصل الوجود ؛ فإنّ الوجود مع کونه بسیطاً ینقسم إلی شدید وضعیف ، ولکن الشدید لیس مؤلّفاً من أصل الوجود والشدّة ، ولا الضعیف من الوجود والضعف ، بل حقیقة الوجود فی عامّة الموارد بسیطة لا جزء لها ، إلاّ أنّ المقایسة بین مراتبه موجبة لانتزاع مفاهیم مختلفة عنه .
ثمّ إنّ القطع قد یکون طریقاً محضاً ، وقد یؤخذ فی الموضوع ، والمأخوذ فی الموضوع تربوا إلی أقسام ستّة :
الأوّل والثانی : أخذه تمام الموضوع أو جزئه بنحو الوصفیة ؛ أی بما أنّه شیء قائم بالنفس ومن نعوتها وأوصافها ، مع قطع النظر عن الکشف عن الواقع .
الثالث والرابع : أخذه فی الموضوع علی أن یکون تمام الموضوع أو جزئه بنحو الطریقیة التامّة والکشف الکامل .
الخامس والسادس : جعله تمام الموضوع أو جزئه علی نحو أصل الکشف الموجود فی الأمارات أیضاً .
ثمّ إنّ بعض الأعاظم أنکر جواز أخذ القطع الطریقی تمام الموضوع ؛ قائلاً : إنّ أخذه تمام الموضوع یستدعی عدم لحاظ الواقع وذی الصورة بوجه من الوجوه ، وأخذه علی وجه الطریقیة یستدعی لحاظ ذی الصورة وذی الطریق ، ویکون النظر فی الحقیقة إلی الواقع المنکشف بالعلم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 311
قلت : الظاهر أنّ نظره فی کلامه هذا إلی امتناع اجتماع هذین اللحاظین ؛ فإنّ الطریقیة یستدعی أن یکون القطع ملحوظاً آلیاً غیر استقلالی ، بل الملحوظ استقلالاً هو الواقع المقطوع به ، وأخذه تمام الموضوع یستدعی لحاظ القطع استقلالاً غیر آلی ، وهذان اللحاظان لا یجتمعان .
أقول : یرد علیه ـ مضافاً إلی عدم اختصاص الإشکال ـ حینئذٍ بما إذا کان القطع تمام الموضوع ، بل یعمّ صورة أخذه بعض الموضوع ؛ لامتناع الجمع بین اللحاظین المتغایرین ـ أنّ الامتناع علی فرض تسلیمه إنّما یلزم لو جعل الجاعل قطعه الطریقی تمام الموضوع لحکمه ، وأمّا لو جعل قطع الغیر ـ الذی هو طریقی ـ تمام الموضوع لحکمه فلا یلزم ما ادّعاه من المحال ، وهل هذا إلاّ خلط بین اللحاظین ؟
فإن قلت : لعلّ مراده من الامتناع هو أنّ الجمع بین الطریقیة وتمام الموضوع یستلزم کون الواقع دخیلاً وعدم کونه دخیلاً ؛ فإنّ لازم الطریقیة دخالة الواقع فی حدوث الحکم ، وکون القطع تمام الموضوع یستلزم دوران الحکم مداره ، من دون دخالة للواقع .
قلت ـ مضافاً إلی أنّـه خلاف ظاهـر کلامـه ـ إنّ أخـذ القطع تمام الموضوع علی وجه الطریقیة ینافی دخالـة الواقـع حتّی یلزم ما ذکره ، بل المراد لحاظ القطع بما أنّ لـه وصف الطریقیة والمرآتیة مـن بین عامّـة أوصافه ، ولا یستلزم هـذا دخالـة الواقع ، کما هو واضح .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 312