الأوّل‏: فی أقسام القطع

الأوّل : فی أقسام القطع

‏ ‏

‏نقول : إنّ القطع قد یتعلّق بموضوع خارجی أو موضوع ذی حکم أو حکم‏‎ ‎‏شرعی متعلّق بموضوع مع قطع النظر عن القطع . ویشترک الکلّ فی أنّ القطع کاشف‏‎ ‎‏دائماً فی نظر القاطع .‏

وأمّا‏ توضیح الأقسام فیحتاج إلی تقدیم أمر وهو : أنّ العلم من الأوصاف‏‎ ‎‏الحقیقیة ذات الإضافة ، فله قیام بالنفس ـ قیام صدور‏‎[1]‎‏ أو حلول‏‎[2]‎‏ علی‏‎ ‎‏المسلکین ـ وإضافة إلی المعلوم بالذات الذی هو فی صقع النفس إضافة إیجاد ،‏‎ ‎‏وإضافة إلی المعلوم بالعرض المحقّق فی الخارج .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 309
وما ذکرنا :‏ من قیام العلم بالنفس وأنّ الصورة المعلومة بالذات فیها أیضاً إنّما‏‎ ‎‏یصحّ علی عامّة الآراء المذکورة فی الوجود الذهنی‏‎[3]‎‏ .‏

‏نعم ، علی القول المنسوب إلی الإمام الرازی من أنّ حقیقة العلم هو إضافة‏‎ ‎‏النفس إلی الخارج بلا وساطة صورة اُخری‏‎[4]‎‏ لا یصحّ القول بقیام الصورة المعلومة‏‎ ‎‏بالنفس ؛ إذ لیس هنا شیئاً وراء الصورة المحقّقة فی الخارج حتّی نسمّیه علماً‏‎ ‎‏ومعلوماً بالذات ، بل حقیقة العلم علی هذا المسلک لیس إلاّ نیل النفس الاُمور‏‎ ‎‏الخارجیة بالإضافة إلیها ، لا بالحصول فیها .‏

وبذلک یظهر :‏ أنّ ما أفاده بعض أعاظم العصر من قیام العلم بالنفس ، من‏‎ ‎‏دون فرق بین أن نقول : إنّ العلم من مقولة الکیف أو مقولة الفعل أو الانفعال أو‏‎ ‎‏الإضافة‏‎[5]‎‏ لا یخلو عن مناقشة .‏

ثمّ إنّ للقطع جهات ثلاثة :

‏جهة قیامه بالنفس وصدوره منها أو حلوله فیها ، وعلی الجملة : کونه من‏‎ ‎‏الأوصاف النفسانیة مثل القدرة والإرادة والبخل وأمثالها .‏

‏وجهة أصل الکشف المشترک بینه وبین سائر الأمارات .‏

‏وجهة کمال الکشف وتمامیة الإراءة المختصّة به الممیّزة إیّاه عن الأمارات .‏

‏ثمّ هذه الجهات لیست جهات حقیقیة حتّی یستلزم ترکّب العلم من هذه‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 310
‏الجهات ، وإنّما هی تحلیلات عقلانیة وجهات یعتبرها العقل بالمقایسات ، کتحلیل‏‎ ‎‏البسائط إلی جهات مشترکة وجهات ممیّزة ، مع أنّه لیس فی الخارج إلاّ شیء واحد‏‎ ‎‏بسیط . وتجد نظیر ذلک فی حقیقة التشکیک الموجود فی أصل الوجود ؛ فإنّ الوجود‏‎ ‎‏مع کونه بسیطاً ینقسم إلی شدید وضعیف ، ولکن الشدید لیس مؤلّفاً من أصل‏‎ ‎‏الوجود والشدّة ، ولا الضعیف من الوجود والضعف ، بل حقیقة الوجود فی عامّة‏‎ ‎‏الموارد بسیطة لا جزء لها ، إلاّ أنّ المقایسة بین مراتبه موجبة لانتزاع مفاهیم‏‎ ‎‏مختلفة عنه .‏

‏ثمّ إنّ القطع قد یکون طریقاً محضاً ، وقد یؤخذ فی الموضوع ، والمأخوذ فی‏‎ ‎‏الموضوع تربوا إلی أقسام ستّة :‏

‏الأوّل والثانی : أخذه تمام الموضوع أو جزئه بنحو الوصفیة ؛ أی بما أنّه‏‎ ‎‏شیء قائم بالنفس ومن نعوتها وأوصافها ، مع قطع النظر عن الکشف عن الواقع .‏

‏الثالث والرابع : أخذه فی الموضوع علی أن یکون تمام الموضوع أو جزئه‏‎ ‎‏بنحو الطریقیة التامّة والکشف الکامل .‏

‏الخامس والسادس : جعله تمام الموضوع أو جزئه علی نحو أصل الکشف‏‎ ‎‏الموجود فی الأمارات أیضاً .‏

ثمّ إنّ بعض الأعاظم‏ أنکر جواز أخذ القطع الطریقی تمام الموضوع ؛ قائلاً : إنّ‏‎ ‎‏أخذه تمام الموضوع یستدعی عدم لحاظ الواقع وذی الصورة بوجه من الوجوه ،‏‎ ‎‏وأخذه علی وجه الطریقیة یستدعی لحاظ ذی الصورة وذی الطریق ، ویکون النظر‏‎ ‎‏فی الحقیقة إلی الواقع المنکشف بالعلم‏‎[6]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 311
‏قلت : الظاهر أنّ نظره فی کلامه هذا إلی امتناع اجتماع هذین اللحاظین ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الطریقیة یستدعی أن یکون القطع ملحوظاً آلیاً غیر استقلالی ، بل الملحوظ استقلالاً‏‎ ‎‏هو الواقع المقطوع به ، وأخذه تمام الموضوع یستدعی لحاظ القطع استقلالاً غیر‏‎ ‎‏آلی ، وهذان اللحاظان لا یجتمعان .‏

أقول : یرد علیه‏ ـ مضافاً إلی عدم اختصاص الإشکال ـ حینئذٍ بما إذا کان‏‎ ‎‏القطع تمام الموضوع ، بل یعمّ صورة أخذه بعض الموضوع ؛ لامتناع الجمع بین‏‎ ‎‏اللحاظین المتغایرین ـ أنّ الامتناع علی فرض تسلیمه إنّما یلزم لو جعل الجاعل‏‎ ‎‏قطعه الطریقی تمام الموضوع لحکمه ، وأمّا لو جعل قطع الغیر ـ الذی هو طریقی ـ‏‎ ‎‏تمام الموضوع لحکمه فلا یلزم ما ادّعاه من المحال ، وهل هذا إلاّ خلط‏‎ ‎‏بین اللحاظین ؟‏

فإن قلت :‏ لعلّ مراده من الامتناع هو أنّ الجمع بین الطریقیة وتمام الموضوع‏‎ ‎‏یستلزم کون الواقع دخیلاً وعدم کونه دخیلاً ؛ فإنّ لازم الطریقیة دخالة الواقع فی‏‎ ‎‏حدوث الحکم ، وکون القطع تمام الموضوع یستلزم دوران الحکم مداره ، من دون‏‎ ‎‏دخالة للواقع .‏

قلت‏ ـ مضافاً إلی أنّـه خلاف ظاهـر کلامـه ـ إنّ أخـذ القطع تمام الموضوع‏‎ ‎‏علی وجه الطریقیة ینافی دخالـة الواقـع حتّی یلزم ما ذکره ، بل المراد لحاظ القطع‏‎ ‎‏بما أنّ لـه وصف الطریقیة والمرآتیة مـن بین عامّـة أوصافه ، ولا یستلزم هـذا‏‎ ‎‏دخالـة الواقع ، کما هو واضح .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 312

  • )) راجع الحکمة المتعالیة 1: 264 ـ 309، شرح المنظومة، قسم الحکمة: 28.
  • )) راجع شرح الإشارات 2 : 308 ـ 322 ، کشف المراد : 226 ـ 229 ، شرح المواقف 1 : 77 .
  • )) راجع شرح المواقف 2 : 169 ـ 184 ، الحکمة المتعالیة 1 : 263 ـ 326 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 27 ـ 38 .
  • )) المطالب العالیة 3 : 103 ، المباحث المشرقیة 1 : 331 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 16 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 11 .