الجهة الثالثة‏: فی عدم حرمة المتجرّی به

الجهة الثالثة : فی عدم حرمة المتجرّی به

‏ ‏

‏الظاهر أنّ الفعل المتجرّی به لا یخرج عمّا هو علیه ، ولا یصیر فعلاً قبیحاً‏‎ ‎‏ـ ولو قلنا بقبح التجرّی ـ فإنّ توهّم قبحه لو کان بحسب عنوانه الواقعی فواضح‏‎ ‎‏الفساد ؛ فإنّ الفعل الخارجی ـ أعنی شرب الماء ـ لیس بقبیح ؛ وإن کان لأجل‏‎ ‎‏انطباق عنوان قبیح علیه ، فلیس هنا عنوان ینطبق علیه حتّی یصیر لأجل ذلک‏‎ ‎‏الانطباق متّصفاً بالقبح ؛ فإنّ ما یتصوّر هنا من العناوین فإنّما هی التجرّی والطغیان‏‎ ‎‏والعزم وأمثالها ، ولکن التجرّی وأخویه من العناوین القائمة بالفاعل والمتّصف‏‎ ‎‏بالجرأة إنّما هو النفس والعمل یکشف عن کون الفاعل جریئاً ، ولیس ارتکاب‏‎ ‎‏مقطوع الخمریة نفس الجرأة علی المولی ، بل هو کاشف عن وجود المبدأ فی‏‎ ‎‏النفس . وقس علیه الطغیان والعزم ؛ فإنّهما من صفات الفاعل لا الفعل الخارجی .‏

‏وأمّا الهتک والظلم فهما وإن کانا ینطبقان علی الخارج إلاّ أنّک قد عرفت عدم‏‎ ‎‏الملازمة بینهما وبین التجرّی‏‎[1]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 305
فتحصّل :‏ أنّ الفعل المتجرّی به باقٍ علی عنوانه الواقعی ، ولا یعرض له‏‎ ‎‏عنوان قبیح .‏

‏نعم ، لو قلنا بسرایة القبح إلی العمل الخارجی الکاشف عن وجود هذه‏‎ ‎‏المبادئ فی النفس فلا بأس بالقول باجتماع الحکمین لأجل اختلاف العناوین ، ولا‏‎ ‎‏یصیر المقام من باب اجتماع الضدّین ؛ فإنّ امتناع اجتماع الضدّین یرتفع باختلاف‏‎ ‎‏المورد ، وقد وافاک بما لا مزید علیه : أنّ مصبّ الأحکام وموضوعاتها إنّما هی‏‎ ‎‏العناوین والحیثیات‏‎[2]‎‏ ، فلا إشکال لو قلنا بإباحة هذا الفعل ـ أعنی شرب الماء ـ بما‏‎ ‎‏أنّه شرب وحرمته من أجل الهتک والتجرّی والطغیان .‏

‏فالعنوانان منطبقان علی مصداق خارجی ، والخارجی مصداق لکلا‏‎ ‎‏العنوانین ، وهما مصبّان للأحکام علی ما أوضحناه فی مبحث الاجتماع‏‎[3]‎‏ .‏

وأمّا ما ربّما یقال فی دفع التضادّ :‏ من أنّ العناوین المنتزعة عـن مرتبة‏‎ ‎‏الـذات مقدّمة علی العناوین المنتزعة عن الشیء بعدما یقع معروضة للإرادة ، فإنّ‏‎ ‎‏المقام مـن هـذا القبیل ، فإنّ شرب الماء ینتزع عـن مرتبـة الـذات للفعل ، وأمّا‏‎ ‎‏التجرّی فإنّما ینتزع عـن الذات المعروضة للإرادة . ونظیر المقام الإطاعـة ؛ فإنّها‏‎ ‎‏متأخّـرة عـن ذات العمل‏‎[4]‎‏ .‏

فغیر مفید ؛‏ لأنّ القیاس مع الفارق ؛ فإنّ الإرادة لم تتعلّق إلاّ بإتیان ما هو‏‎ ‎‏مقطوع الحرمة ، والتجرّی منتزع عن إرادة إتیان ما هو مقطوع الحرمة أو منتزع من‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 306
‏إتیانه . وإرادة إتیانه أو نفس إتیانه الذی ینتزع منهما التجرّی لیسا متأخّرین عن‏‎ ‎‏عنوان شرب الماء بحسب الرتبة .‏

والحاصل :‏ أنّ الإرادة لم تتعلّق بشرب الماء حتّی تتأخّر عن الشرب ،‏‎ ‎‏ویتأخّر عنوان التجرّی عن هذه الإرادة ؛ تأخّر المنتزع عن منشأ انتزاعه ، وهذا‏‎ ‎‏بخلاف الطاعة المتأخّرة عن الإرادة والأمر ، وهما متأخّران عن عنوان الذات ؛ أعنی‏‎ ‎‏الصلاة والصوم .‏

ثمّ‏ إنّ القوم فتحوا هنا باباً واسعاً للبحث عن الإرادة وملاک اختیاریتها‏‎ ‎‏واختیار الأفعال الصادرة عنها . وبما أنّا قد استوفینا حقّ المقال فیهما عند البحث‏‎ ‎‏عن اتّحاد الطلب والإرادة فالأولی ترک الکلام ؛ روماً للاختصار‏‎[5]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 307

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 308

  • )) تقدّم فی الصفحة 303 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل: 489 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 39 .
  • )) نهایة الأفکار 3: 32 ـ 33.
  • )) فقد أفردنا لما أفاده سیّدنا الاُستاذ فی هذه المباحث من الحقائق الراهنة والکنوز العلمیة رسالة مفردة ، وعلّقنا علیها بعض التعالیق ، وهی جاهزة للطبع . [المؤ لّف]