الأمر الأوّل فی وجوب متابعة القطع وحجّیته
قال الشیخ الأعظم : لا إشکال فی وجـوب متابعـة القطع والعمل علیه مـادام موجوداً ، انتهی .
ولا یخفی : أنّ للمناقشة فیما ذکره مجال ؛ لأنّ المکلّف إذا قطع بحکم ـ سواء حصل القطع به من المبادئ البرهانیة أم غیرها ـ یحصل فی نفسه أمران : الصفة النفسانیة القائمة بها ، وانکشاف الواقع ؛ انکشافاً تامّاً ، فإن کان المراد مـن لزوم العمل علی طبق القطع العمل علی طبق الحالة النفسانیة فلا یعقل له معنی محصّل ، وإن کان المراد العمل علی طبق المقطوع والواقع المنکشف فلیس هو من أحکام القطع ، بل مآله إلی لزوم إطاعة المولی الذی یبحث عنه فی الکلام .
أضف إلیه : أنّ الوجوب الشرعی غیر متعلّق بالإطاعة ؛ للزوم العقوبات غیر المتناهیة .
والذی ینبغی أن یقع محطّ البحث ـ وإن یعدّ من آثار القطع ـ أن یقال : إنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 293
القطع موجب لتنجّز الحکم وقطع العذر ؛ لأنّه کاشف فی نظر القاطع بلا احتمال الخلاف ، وهذا کافٍ فیحکم العقل والعقلاء بالتنجّز وصحّة الاحتجاج ، وهذا ـ أعنی انقطاع العذر وصحّة الاحتجاج ـ من آثار القطع نفسه ، یترتّب علیه بلاجعل جاعل .
وأمّا ما یقال : إنّ الطریقیة والکاشفیة من ذاتیات القطع لا بجعل جاعل ؛ إذ لا یتوسّط الجعل التألیفی الحقیقی بین الشیء وذاتیاته ، کما أنّه یمتنع المنع عن العمل به ؛ لاستلزامه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً ، وحقیقةً فی صورة الإصابة .
ففیه : أنّ الذاتی فی باب البرهان أو الإیساغوجی ما لا ینفکّ عن ملزومه ولا یفترق عنه ، والقطع قد یصیب وقد لا یصیب ، ومعه کیف یمکن عدّ الکاشفیة والطریقیة من ذاتیاته ؟ والقول بأنّه فی نظر القاطع کذلک لا یثبت کونها من لوازمه الذاتیة ؛ لأنّ الذاتی لا یختلف فی نظر دون نظر .
وأمّا احتجاج العقلاء فلیس لأجل کونه کاشفاً علی الإطلاق ، بل لأجل أنّ القاطع لا یحتمل خلاف ما قطع به . وقس علیه الحجّیة ؛ فإنّ صحّة الاحتجاج من الأحکام العقلائیة لا من الواقعیات الثابتة للشیء جزءً أو خارجاً .
فتلخّص : أنّ الطریقیة والکاشفیة لیست عین القطع ولا من لوازمه ، وأمّا الحجّیـة فلا تقصر عنهما فی خروجها عن حریم الذاتیـة ، غیر أنّ الحجّیـة تفترق عن الطریقیة بأنّها من الأحکام العقلیة الثابتة له عند العقلاء ، ولأجل ذلک تستغنی عن الجعل .
وأمّا ما ذکر من قیام البرهان علی امتناع الجعل التألیفی . . . إلی آخره
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 294
فیحتاج إلی التفصیل ؛ وهو أنّ الکشف من آثار وجود القطع لا من لوازم ماهیته ، وآثار الوجود مطلقاً مجعولة ؛ لأنّ مناط الافتقار إلی الجعل موجود فی الوجود وآثاره .
وعلیه : فإن اُرید من امتناع الجعل هو الجعل التکوینی فلا نسلّم امتناعه ، بل لا یصحّ بدونه ، بناءً علی أصالة الوجود ومجعولیته .
وإن اُرید الجعل التشریعی فلو سلّمنا کون هذه العناوین الثلاثة من لوازم وجوده فهو صحیح ؛ فإنّ الجعل التشریعی لا یتعلّق بما هو لازم وجود الشیء ، فلا معنی لجعل النار حارّة تشریعاً ، لا لأنّ الحرارة من لوازم ذاتها ، بل لأنّها من لوازم وجودها المحقّقة تکویناً بوجود الملزوم ، والقطع ـ حسب الفرض ـ طریق تکوینی وکاشف بحسب وجوده ، ولا یتعلّق الجعل التشریعی به ؛ للزوم اللغویة .
نعم ، الحجّیة وقاطعیة العذر لیستا من الآثار التکوینیة المتعلّقة للجعل ، ولا من لوازم الماهیة ، بل من الأحکام العقلیة الثابتة بوجوده .
ثمّ إنّ الردع عن العمل بالقطع کسلب الحجّیة غیر ممکن ، لا للزوم اجتماع الضدّین ـ لما قرّرناه فی محلّه من عدم الضدّیة بین الأحکام ؛ لأنّها اُمور اعتباریة لا حقائق خارجیة ـ بل للزوم اجتماع الإرادتین المختلفتین علی مراد واحد ؛ لأنّ الإرادة الحتمیة الإیجابیة بالنسبة إلی صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ لا تجتمع مع الإرادة التحریمیة بالنسبة إلیها ، وکذا لا تجتمع مع المنع عن العمل بالقطع اللازم منه المنع عن العمل بالمقطوع به ، فیلزم اجتماع الإرادتین المتضادّتین علی شیء واحد مع فرض حصول سائر الوحدات .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 295
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 296