الأمر الأوّل فی وجوب متابعة القطع و حجّیته

الأمر الأوّل فی وجوب متابعة القطع وحجّیته

‏ ‏

‏قال الشیخ الأعظم : لا إشکال فی وجـوب متابعـة القطع والعمل علیه مـادام‏‎ ‎‏موجوداً‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

ولا یخفی :‏ أنّ للمناقشة فیما ذکره مجال ؛ لأنّ المکلّف إذا قطع بحکم ـ سواء‏‎ ‎‏حصل القطع به من المبادئ البرهانیة أم غیرها ـ یحصل فی نفسه أمران : الصفة‏‎ ‎‏النفسانیة القائمة بها ، وانکشاف الواقع ؛ انکشافاً تامّاً ، فإن کان المراد مـن لزوم‏‎ ‎‏العمل علی طبق القطع العمل علی طبق الحالة النفسانیة فلا یعقل له معنی محصّل ،‏‎ ‎‏وإن کان المراد العمل علی طبق المقطوع والواقع المنکشف فلیس هو من أحکام‏‎ ‎‏القطع ، بل مآله إلی لزوم إطاعة المولی الذی یبحث عنه فی الکلام .‏

أضف إلیه :‏ أنّ الوجوب الشرعی غیر متعلّق بالإطاعة ؛ للزوم العقوبات‏‎ ‎‏غیر المتناهیة .‏

‏والذی ینبغی أن یقع محطّ البحث ـ وإن یعدّ من آثار القطع ـ أن یقال : إنّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 293
‏القطع موجب لتنجّز الحکم وقطع العذر ؛ لأنّه کاشف فی نظر القاطع بلا احتمال‏‎ ‎‏الخلاف ، وهذا کافٍ فیحکم العقل والعقلاء بالتنجّز وصحّة الاحتجاج ، وهذا ـ أعنی‏‎ ‎‏انقطاع العذر وصحّة الاحتجاج ـ من آثار القطع نفسه ، یترتّب علیه بلاجعل جاعل .‏

وأمّا ما یقال :‏ إنّ الطریقیة والکاشفیة من ذاتیات القطع لا بجعل جاعل ؛ إذ لا‏‎ ‎‏یتوسّط الجعل التألیفی الحقیقی بین الشیء وذاتیاته ، کما أنّه یمتنع المنع عن العمل‏‎ ‎‏به ؛ لاستلزامه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً ، وحقیقةً فی صورة الإصابة‏‎[2]‎‏ .‏

ففیه :‏ أنّ الذاتی فی باب البرهان أو الإیساغوجی ما لا ینفکّ عن ملزومه ولا‏‎ ‎‏یفترق عنه ، والقطع قد یصیب وقد لا یصیب ، ومعه کیف یمکن عدّ الکاشفیة‏‎ ‎‏والطریقیة من ذاتیاته ؟ والقول بأنّه فی نظر القاطع کذلک لا یثبت کونها من لوازمه‏‎ ‎‏الذاتیة ؛ لأنّ الذاتی لا یختلف فی نظر دون نظر .‏

‏وأمّا احتجاج العقلاء فلیس لأجل کونه کاشفاً علی الإطلاق ، بل لأجل أنّ‏‎ ‎‏القاطع لا یحتمل خلاف ما قطع به . وقس علیه الحجّیة ؛ فإنّ صحّة الاحتجاج من‏‎ ‎‏الأحکام العقلائیة لا من الواقعیات الثابتة للشیء جزءً أو خارجاً .‏

فتلخّص :‏ أنّ الطریقیة والکاشفیة لیست عین القطع ولا من لوازمه ، وأمّا‏‎ ‎‏الحجّیـة فلا تقصر عنهما فی خروجها عن حریم الذاتیـة ، غیر أنّ الحجّیـة تفترق‏‎ ‎‏عن الطریقیة بأنّها من الأحکام العقلیة الثابتة له عند العقلاء ، ولأجل ذلک تستغنی‏‎ ‎‏عن الجعل .‏

‏وأمّا ما ذکر من قیام البرهان علی امتناع الجعل التألیفی . . . إلی آخره‏‎[3]‎‏ ‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 294
‏فیحتاج إلی التفصیل ؛ وهو أنّ الکشف من آثار وجود القطع لا من لوازم ماهیته ،‏‎ ‎‏وآثار الوجود مطلقاً مجعولة ؛ لأنّ مناط الافتقار إلی الجعل موجود فی الوجود‏‎ ‎‏وآثاره .‏

‏وعلیه : فإن اُرید من امتناع الجعل هو الجعل التکوینی فلا نسلّم امتناعه ، بل‏‎ ‎‏لا یصحّ بدونه ، بناءً علی أصالة الوجود ومجعولیته .‏

‏وإن اُرید الجعل التشریعی فلو سلّمنا کون هذه العناوین الثلاثة من لوازم‏‎ ‎‏وجوده فهو صحیح ؛ فإنّ الجعل التشریعی لا یتعلّق بما هو لازم وجود الشیء ، فلا‏‎ ‎‏معنی لجعل النار حارّة تشریعاً ، لا لأنّ الحرارة من لوازم ذاتها ، بل لأنّها من لوازم‏‎ ‎‏وجودها المحقّقة تکویناً بوجود الملزوم ، والقطع ـ حسب الفرض ـ طریق تکوینی‏‎ ‎‏وکاشف بحسب وجوده ، ولا یتعلّق الجعل التشریعی به ؛ للزوم اللغویة .‏

‏نعم ، الحجّیة وقاطعیة العذر لیستا من الآثار التکوینیة المتعلّقة للجعل ، ولا‏‎ ‎‏من لوازم الماهیة ، بل من الأحکام العقلیة الثابتة بوجوده .‏

‏ثمّ إنّ الردع عن العمل بالقطع کسلب الحجّیة غیر ممکن ، لا للزوم اجتماع‏‎ ‎‏الضدّین ـ لما قرّرناه فی محلّه من عدم الضدّیة بین الأحکام ؛ لأنّها اُمور اعتباریة لا‏‎ ‎‏حقائق خارجیة‏‎[4]‎‏ ـ بل للزوم اجتماع الإرادتین المختلفتین علی مراد واحد ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الإرادة الحتمیة الإیجابیة بالنسبة إلی صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ لا تجتمع مع الإرادة‏‎ ‎‏التحریمیة بالنسبة إلیها ، وکذا لا تجتمع مع المنع عن العمل بالقطع اللازم منه المنع‏‎ ‎‏عن العمل بالمقطوع به ، فیلزم اجتماع الإرادتین المتضادّتین علی شیء واحد مع‏‎ ‎‏فرض حصول سائر الوحدات .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 295

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 296

  • )) فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 24: 29.
  • )) کفایة الاُصول: 297.
  • )) نفس المصدر .
  • )) تقدّم فی الصفحة 50 .