تقسیم المکلّف حسب حالاته

تقسیم المکلّف حسب حالاته

‏ ‏

‏قسّم الشیخ الأعظم المکلّف الملتفت إلی أقسام ، ومحصّله : أنّه إمّا أن یحصل‏‎ ‎‏له القطع أو یحصل له الظنّ أو لا یحصل واحد منهما . والمرجع علی الأخیر ـ أی‏‎ ‎‏الشکّ ـ هو الاُصول المقرّرة للشاکّ‏‎[1]‎‏ .‏

وأورد علیه المحقّق الخراسانی :‏ بأنّ الظنّ إن قام دلیل علی اعتباره فهو‏‎ ‎‏ملحق بالعلم ، وإن لم یقم فهو ملحق بالشکّ ، فلا یصحّ التثلیث‏‎[2]‎‏ .‏

وأجاب عنه بعض أعاظم العصر :‏ بأنّ عقد البحث فی الظنّ إنّما هو لأجل‏‎ ‎‏تمییز الظنّ المعتبر الملحق بالعلم عن غیر معتبره الملحق بالشکّ ، فلا مناص عن‏‎ ‎‏التثلیث حتّی یبحث عن حکم الظنّ من حیث الاعتبار وعدمه‏‎[3]‎‏ ، انتهی . ومحصّله :‏‎ ‎‏أنّ التثلیث توطئة لبیان المختار .‏

وفیه :‏ أنّه أیّ فرق بین هذا التقسیم ـ أی تثلیث حالات المکلّف ـ وما‏‎ ‎‏أوضحه فی مجاری الاُصول ؟ فإنّهما من باب واحد ، فلأیّ وجه کان هذا التقسیم‏‎ ‎‏توطئیاً لبیان الحقّ دون ذاک ؟ مع أنّه لا شکّ : أنّ التقسیم الثانی حقیقی لا توطئة‏‎ ‎‏فیه . والشاهد علیه تحفّظ الشیخ الأعظم علی قیود الاُصول ؛ حیث قیّد‏‎ ‎‏الاستصحاب بکون الحالة السابقة ملحوظة‏‎[4]‎‏ .‏

‏علی أنّ المجیب صنع ما صنعه الشیخ ؛ حیث قال : وإنّما قیّدنا الاستصحاب‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 290
‏بلحاظ الحالة السابقة ، ولم نکتف بوجودها بلا لحاظها ؛ لأنّ مجرّد وجودها‏‎ ‎‏لا یکفی فی کونها مجری الاستصحاب‏‎[5]‎‏ .‏

ثمّ إنّ المحقّق الخراسانی‏ عدل عمّا أفاده الشیخ الأعظم ، فقال : فاعلم أنّ‏‎ ‎‏البالغ الذی وضع علیه القلم إذا التفت إلی حکم فعلی واقعی أو ظاهری متعلّق به أو‏‎ ‎‏بمقلّدیه فإمّا أن یحصل له القطع أو لا . . . إلی آخر ما أفاده‏‎[6]‎‏ .‏

ویرد علیه :‏ أنّ المراد إن کان هو القطع التفصیلی فالبحث عن الإجمالی منه‏‎ ‎‏فی المقام یصیر استطرادیاً ولا یرضی به القائل ، وإن کان أعمّ یلزم دخول مسائل‏‎ ‎‏الظنّ والشکّ فی المقام ؛ حتّی الظنّ علی الحکومة ؛ فإنّه من مسائل العلم الإجمالی ،‏‎ ‎‏إلاّ أنّ دائرته أوسع من العلم الإجمالی المذکور فی مبحث القطع ، وکون دائرته‏‎ ‎‏أوسع غیر دخیل فی جهة البحث . وأمّا مسائل الشکّ فلوجود العلم بالحکم‏‎ ‎‏الظاهری فی الاُصول الشرعیة . بل بناءً علیه یمکن إدراج عامّة المباحث فی مبحث‏‎ ‎‏القطع ؛ حتّی الاُصول العقلیة ؛ بأن نجعل متعلّق القطع وظیفة المکلّف ، فیصیر‏‎ ‎‏المباحث مبحثاً واحداً ، ولا یرضی به القائل .‏

والأولی أن یقال :‏ إذا التفت المکلّف إلی حکم کلّی : فإمّا أن یحصل له القطع‏‎ ‎‏به ـ ولو إجمالاً ـ أو لا .‏

‏والأوّل مبحث القطع ویدخل فیه مبحث الانسداد ، بناءً علی أنّ وجوب‏‎ ‎‏العمل بالظنّ فی حال الانسداد لأجل العلم الإجمالی بالحکم ، وکون دائرة المعلوم‏‎ ‎‏بالإجمال فیه أوسع لا یضرّ بالمطلوب . وکذا یدخل فیه أصل الاشتغال والتخییر فی‏‎ ‎‏غیر الدوران بین المحذورین ؛ فإنّهما أیضاً من وادی العلم الإجمالی إذا تعلّق العلم‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 291
‏الإجمالی بالحکم . نعم فی الدوران بین المحذورین یکون التخییر للابدّیة العقلیة لا‏‎ ‎‏العلم الإجمالی ، إلاّ إذا قلنا بوجوب الموافقة الالتزامیة وحرمة مخالفتها .‏

‏وعلی الثانی : فإمّا أن یقوم علیه أمارة معتبرة أو لا .‏

‏فالأوّل مبحث الظنّ ، ویدخل فیه سائر مباحث الاشتغال والتخییر ؛ أی فیما‏‎ ‎‏تعلّق العلم الإجمالی بالحجّة لا بالحکم ، کما إذا علم بقیام حجّة کخبر الثقة ونحوه‏‎ ‎‏إمّا بوجوب هذا أو ذاک . وعلیه یکون أصل الاشتغال والتخییر خارجان عن مبحث‏‎ ‎‏الشکّ وداخلان فی مبحث القطع والظنّ .‏

‏وعلی الثانی : إمّا أن یکون له حالة سابقة ملحوظة أو لا ؛ فالأوّل مجری‏‎ ‎‏الاستصحاب ، والثانی مجری البراءة . وعلی هذا التقسیم یجب البحث عن الانسداد‏‎ ‎‏فی مبحث القطع إن کان من مقدّماته العلم الإجمالی بالأحکام الواقعیة ، وفی مبحث‏‎ ‎‏الأمارات إن کان من مقدّماته العلم الإجمالی بالحجّة .‏

‏ویمکن المناقشة فی هذا التقسیم أیضاً : بأنّ الأولی أن یکون التقسیم فی‏‎ ‎‏صدر الکتاب إجمال ما یبحث فیه فی الکتاب تفصیلاً ، وعلیه لا یناسب التقسیم‏‎ ‎‏حسب المختار فی مجاری الاُصول وغیرها ، والأمر سهل .‏

‏ثمّ إنّ أحکام القطع الإجمالی المتعلّق بالحکم أو الحجّة مختلفة ؛ لکونـه‏‎ ‎‏علّـة تامّـة أو لا ، وجـواز الترخیص فی الأطـراف أو بعضها أو لا ، یأتی الکلام فیه‏‎ ‎‏إن شاء الله ، وقد استقصینا الکلام فی الفرق بین تعلّق العلم الإجمالی بالحکم وتعلّقه‏‎ ‎‏بالحجّة فی مبحث الاشتغال ، وطوینا الکلام فیما أفاده سیّدنا الاُستاذ فی المقام ؛‏‎ ‎‏روماً للاختصار ، فراجع .‏

وکیف کان فقد ذکروا فی مقام بیان أحکام القطع وأقسامه اُموراً:

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 292

  • )) فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 24: 25.
  • )) کفایة الاُصول: 296.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3: 4.
  • )) فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 24: 26.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3: 4 ـ 5.
  • )) کفایة الاُصول: 296.