تقسیم المکلّف حسب حالاته
قسّم الشیخ الأعظم المکلّف الملتفت إلی أقسام ، ومحصّله : أنّه إمّا أن یحصل له القطع أو یحصل له الظنّ أو لا یحصل واحد منهما . والمرجع علی الأخیر ـ أی الشکّ ـ هو الاُصول المقرّرة للشاکّ .
وأورد علیه المحقّق الخراسانی : بأنّ الظنّ إن قام دلیل علی اعتباره فهو ملحق بالعلم ، وإن لم یقم فهو ملحق بالشکّ ، فلا یصحّ التثلیث .
وأجاب عنه بعض أعاظم العصر : بأنّ عقد البحث فی الظنّ إنّما هو لأجل تمییز الظنّ المعتبر الملحق بالعلم عن غیر معتبره الملحق بالشکّ ، فلا مناص عن التثلیث حتّی یبحث عن حکم الظنّ من حیث الاعتبار وعدمه ، انتهی . ومحصّله : أنّ التثلیث توطئة لبیان المختار .
وفیه : أنّه أیّ فرق بین هذا التقسیم ـ أی تثلیث حالات المکلّف ـ وما أوضحه فی مجاری الاُصول ؟ فإنّهما من باب واحد ، فلأیّ وجه کان هذا التقسیم توطئیاً لبیان الحقّ دون ذاک ؟ مع أنّه لا شکّ : أنّ التقسیم الثانی حقیقی لا توطئة فیه . والشاهد علیه تحفّظ الشیخ الأعظم علی قیود الاُصول ؛ حیث قیّد الاستصحاب بکون الحالة السابقة ملحوظة .
علی أنّ المجیب صنع ما صنعه الشیخ ؛ حیث قال : وإنّما قیّدنا الاستصحاب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 290
بلحاظ الحالة السابقة ، ولم نکتف بوجودها بلا لحاظها ؛ لأنّ مجرّد وجودها لا یکفی فی کونها مجری الاستصحاب .
ثمّ إنّ المحقّق الخراسانی عدل عمّا أفاده الشیخ الأعظم ، فقال : فاعلم أنّ البالغ الذی وضع علیه القلم إذا التفت إلی حکم فعلی واقعی أو ظاهری متعلّق به أو بمقلّدیه فإمّا أن یحصل له القطع أو لا . . . إلی آخر ما أفاده .
ویرد علیه : أنّ المراد إن کان هو القطع التفصیلی فالبحث عن الإجمالی منه فی المقام یصیر استطرادیاً ولا یرضی به القائل ، وإن کان أعمّ یلزم دخول مسائل الظنّ والشکّ فی المقام ؛ حتّی الظنّ علی الحکومة ؛ فإنّه من مسائل العلم الإجمالی ، إلاّ أنّ دائرته أوسع من العلم الإجمالی المذکور فی مبحث القطع ، وکون دائرته أوسع غیر دخیل فی جهة البحث . وأمّا مسائل الشکّ فلوجود العلم بالحکم الظاهری فی الاُصول الشرعیة . بل بناءً علیه یمکن إدراج عامّة المباحث فی مبحث القطع ؛ حتّی الاُصول العقلیة ؛ بأن نجعل متعلّق القطع وظیفة المکلّف ، فیصیر المباحث مبحثاً واحداً ، ولا یرضی به القائل .
والأولی أن یقال : إذا التفت المکلّف إلی حکم کلّی : فإمّا أن یحصل له القطع به ـ ولو إجمالاً ـ أو لا .
والأوّل مبحث القطع ویدخل فیه مبحث الانسداد ، بناءً علی أنّ وجوب العمل بالظنّ فی حال الانسداد لأجل العلم الإجمالی بالحکم ، وکون دائرة المعلوم بالإجمال فیه أوسع لا یضرّ بالمطلوب . وکذا یدخل فیه أصل الاشتغال والتخییر فی غیر الدوران بین المحذورین ؛ فإنّهما أیضاً من وادی العلم الإجمالی إذا تعلّق العلم
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 291
الإجمالی بالحکم . نعم فی الدوران بین المحذورین یکون التخییر للابدّیة العقلیة لا العلم الإجمالی ، إلاّ إذا قلنا بوجوب الموافقة الالتزامیة وحرمة مخالفتها .
وعلی الثانی : فإمّا أن یقوم علیه أمارة معتبرة أو لا .
فالأوّل مبحث الظنّ ، ویدخل فیه سائر مباحث الاشتغال والتخییر ؛ أی فیما تعلّق العلم الإجمالی بالحجّة لا بالحکم ، کما إذا علم بقیام حجّة کخبر الثقة ونحوه إمّا بوجوب هذا أو ذاک . وعلیه یکون أصل الاشتغال والتخییر خارجان عن مبحث الشکّ وداخلان فی مبحث القطع والظنّ .
وعلی الثانی : إمّا أن یکون له حالة سابقة ملحوظة أو لا ؛ فالأوّل مجری الاستصحاب ، والثانی مجری البراءة . وعلی هذا التقسیم یجب البحث عن الانسداد فی مبحث القطع إن کان من مقدّماته العلم الإجمالی بالأحکام الواقعیة ، وفی مبحث الأمارات إن کان من مقدّماته العلم الإجمالی بالحجّة .
ویمکن المناقشة فی هذا التقسیم أیضاً : بأنّ الأولی أن یکون التقسیم فی صدر الکتاب إجمال ما یبحث فیه فی الکتاب تفصیلاً ، وعلیه لا یناسب التقسیم حسب المختار فی مجاری الاُصول وغیرها ، والأمر سهل .
ثمّ إنّ أحکام القطع الإجمالی المتعلّق بالحکم أو الحجّة مختلفة ؛ لکونـه علّـة تامّـة أو لا ، وجـواز الترخیص فی الأطـراف أو بعضها أو لا ، یأتی الکلام فیه إن شاء الله ، وقد استقصینا الکلام فی الفرق بین تعلّق العلم الإجمالی بالحکم وتعلّقه بالحجّة فی مبحث الاشتغال ، وطوینا الکلام فیما أفاده سیّدنا الاُستاذ فی المقام ؛ روماً للاختصار ، فراجع .
وکیف کان فقد ذکروا فی مقام بیان أحکام القطع وأقسامه اُموراً:
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 292