تقسیم الماهیة إلی أقسام ثلاثة

تقسیم الماهیة إلی أقسام ثلاثة

‏ ‏

‏إنّ من التقسیم الدائر بینهم انقسام الماهیة إلی لا بشرط وبشرط شیء‏‎ ‎‏وبشرط لا .‏

‏ثمّ إنّه اختلف کلمات الأعاظم فی تعیین المقسم ، وأنّ الفرق بین اللابشرط‏‎ ‎‏المقسمی والقسمی ما هو ؟‏

ویظهر من بعضهم :‏ أنّ المقسم هو نفس الماهیة ، وهذه الاعتبارات واردة‏‎ ‎‏علیها ، کما یفصح عنه قول الحکیم السبزواری ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ ، ومحصّل هذا الوجه : أنّ‏‎ ‎‏انقسام النوع والجنس والفصل إلی الثلاثة بالاعتبار ، وکذا افتراق الثلاثة باللحاظ‏‎ ‎‏أیضاً ، وأنّ الماهیة إذا لوحظت مجرّدة عمّا یلحق بها تکون بشرط لا ، وإذا لوحظت‏‎ ‎‏مقترنة بشیء تکون بشرط شیء ، وإذا لوحظت بذاتها لا مقترنة ولا غیر مقترنة‏‎ ‎‏تکون لا بشرط شیء .‏

‏والفرق بین اللا بشرط المقسمی والقسمی هـو کون اللابشرطیـة قیداً فی‏‎ ‎‏الثانی دون الأوّل ، کما هـو الفرق بین الجنس والمادّة والنوع ، فإن لوحـظ الحیوان‏‎ ‎‏لا بشرط یکون جنساً ، وإن لوحظ بشرط لا تکون مادّة ، وإن لوحظ بشرط شیء‏‎ ‎‏یکون نوعاً .‏

‏وقـد اغترّ بظاهـر کلماتهم أعاظم فـنّ الاُصـول ، ووقعوا فی حیص وبیص‏‎ ‎‏فی أقسام الماهیـة ، والفرق بین المقسمی والقسمی ؛ حتّی ذهب بعضهم إلی أنّ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 263
‏التقسیم للحاظ الماهیة لا لنفسها‏‎[2]‎‏ .‏

هذا ، لکن حسن ظنّی‏ بأهل الفنّ فی هذه المباحث یمنعنی أن أقول : إنّ‏‎ ‎‏ظاهـر هـذه الکلمات مرادة لهم ، وأ نّهم اقترحـوا هـذا التقسیم ومـا شابهه فی‏‎ ‎‏مباحث الجنس والفصل ، من غیر نظر إلی عالم الخـارج ونظام الکون ، وکأنّ‏‎ ‎‏غرضهم هو التلاعب بالمفاهیم والاعتبارات الذهنیة ، من دون أن یکون لهذه‏‎ ‎‏الأقسام محکیات فی الخارج .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّ ملاک صحّة الحمل وعدم صحّتها عندهم هو کون الشیء‏‎ ‎‏المحمول لا بشرط وبشرط لا ، ولو کان هذا الملاک أمراً اعتباریاً لزم کون اعتبار‏‎ ‎‏شیء لا بشرط مؤثّراً فی الواقع ، ویجعل الشیء أمراً قابلاً للاتّحاد والحمل ، ولزم‏‎ ‎‏من اعتباره دفعة اُخری بشرط لا انقلاب الواقع عمّا هو علیه .‏

والحاصل :‏ أ نّه یلزم من اعتبار شخص واحد شیئاً واحداً علی نحوین اختلاف‏‎ ‎‏نفس الواقع ، کما یلزم من اعتبار أشخاص مختلفة صیرورة الواقع مختلفاً بحسب‏‎ ‎‏اختلاف اعتبارهم ، فتکون ماهیة واحدة متّحدة مع شیء ولا متّحدة معه بعینه .‏

‏هذا ، مع أنّ الغرض من هذه التقسیمات وکذا الحمل هو حکایة الواقع ونفس‏‎ ‎‏الأمر لا التلاعب بالمفاهیم واختراع اُمور ذهنیة .‏

ومن ذلک یظهر :‏ ضعف ما ربّما یقال من أنّ المقسم لیس هو نفس الماهیة ،‏‎ ‎‏بل لحاظ الماهیة أو الماهیة الملحوظة‏‎[3]‎‏ . ویقرب عنه ما أفاده بعض الأعیان فی‏‎ ‎‏تعلیقته الشریفة ، فراجع‏‎[4]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 264
‏ولیت شعری أیّ فائدة فی تقسیم لحاظ اللاحظ ، ثمّ أیّ ربط بین تقسیمه‏‎ ‎‏وصیرورة الماهیة باعتباره قابلة للحمل وعدمها .‏

والذی یقتضیه النظر الدقیق‏ ـ ولعلّه مراد القوم ـ هو أنّ کلّ المباحث‏‎ ‎‏المعنونـة فی أبواب الماهیة من المعقولات الثانیة إنّما هی بلحاظ نفس الأمر ، وأنّ‏‎ ‎‏الماهیة بحسب واقعها ـ الأعمّ من حدّ الذات أو مرتبة وجودها ـ لها حالات‏‎ ‎‏ثلاثـة ، لا تتخلّف عن واقعها ولا یرجع قسم منها إلی قسم آخر ؛ وإن لوحظ علی‏‎ ‎‏خلاف واقعه ألف مرّات ؛ حتّی أنّ الاختلاف الواقع بین المادّة والجنس والنوع‏‎ ‎‏واقعی ، لا اعتباری .‏

أ مّا‏ انقسام الماهیة بحسب نفس الأمر إلی أقسام ثلاثـة : فلأ نّها إذا قیست‏‎ ‎‏إلی أیّ شیء :‏

‏فإمّا أن یکون ذلک الشیء لازم الالتحاق بها بحسب وجودها أو ذاتها ،‏‎ ‎‏کالتحیّز بالنسبة إلی الجسمیة والزوجیة بالنسبة إلی الأربعة ، وهذه هی الماهیة‏‎ ‎‏بشرط شیء .‏

‏وإمّا أن یکون ممتنع الالتحاق بحسب وجودها أو ذاتها ، کالتجرّد عـن‏‎ ‎‏المکان والزمـان بالنسبة إلی الجسم ، والفردیـة إلی الأربعـة ، وهـذه هی الماهیة‏‎ ‎‏بشرط لا .‏

‏وإمّا أن یکون ممکن الالتحاق ، کالوجود بالنسبة إلی الماهیة ، والبیاض إلی‏‎ ‎‏الجسم الخارجی ، فهذه هی الماهیة اللابشرط .‏

‏فالماهیة بحسب نفس الأمر لا تخلو عن أحد هذه الأقسام ، ولا یتخلّف عمّا‏‎ ‎‏هو علیه بورود الاعتبار علی خلافه . وبهذا یخرج الأقسام عن التداخل ؛ إذ لکلّ‏‎ ‎‏واحد حدّ معیّن لا ینقلب عنه إلی الآخر . ویتّضح الفرق بین اللابشرط المقسمی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 265
‏والقسمی ؛ لأنّ المقسم نفس ذات الماهیة ، وهی موجودة فی جمیع الأقسام ،‏‎ ‎‏واللابشرط القسمی مقابل للقسمین بحسب نفس الأمر ومضادّ لهما .‏

والحاصل :‏ أنّ مناط صحّـة التقسیم هی الواقع لا اعتبار المعتبر ؛ فالماهیة إن‏‎ ‎‏امتنع تخلّفها عن مقارنها فی واحد من مراتب الواقع فهی بالنسبة إلیه بشرط شیء ،‏‎ ‎‏وإن امتنع لها الاتّصاف به فهی بالنسبة إلیه بشرط لا ، وإن کان له قابلیة الاتّصاف‏‎ ‎‏واستعداده من غیر لزوم ولا امتناع فهی بالنسبة إلیه لا بشرط ، کالأمثلة المتقدّمة .‏

‏وما ذکرنا وإن لم أر التصریح به ، بل مخالف لظواهر کلماتهم ، إلاّ أ نّه تقسیم‏‎ ‎‏صحیح دائر فی العلوم ، لا یرد علیه ما أوردناه علی ظواهر أقوالهم .‏

‏نعم ، هذا التقسیم إنّما هو للماهیة بحسب نفسها ، ولکن یمکن أن یجری فی‏‎ ‎‏الماهیة الموجودة ، بل یمکن إجراؤه فی نفس وجودها ، وقد أجراه بعض أهل‏‎ ‎‏الذوق فی بعض العلوم فی حقیقة الوجود‏‎[5]‎‏ ، ولا یقف علی مغزاه إلاّ من له قدم‏‎ ‎‏راسخ فی المعارف الإلهیة .‏

وأ مّا‏ کون الاختلاف بین المادّة والجنس والنوع أمراً واقعیاً : فتفصیله وإن‏‎ ‎‏کان موکولاً إلی محلّه وأهله إلاّ أنّ مجمله ما یلی ؛ وهو أنّ تقسیم الماهیة إلی‏‎ ‎‏الأجناس والفصول بلحاظ الواقع ونفس الأمر ، وأنّ الاختلاف بین المادّة والجنس‏‎ ‎‏والنوع واقعی ، والمادّة متّحدة مع الصورة التی تبدّلت إلیها ، والترکیب بینهما‏‎ ‎‏اتّحادی ، وتکون المادّة المتّحدة بالصورة ، والصورة المتّحدة معها نوعاً من الأنواع ،‏‎ ‎‏والمادّة التی قابلة لصورة اُخری تکون منضمّة إلی الصورة الموجودة ، والترکیب‏‎ ‎‏بینهما انضمامی لا اتّحادی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 266
‏وتکون تلک المادّة بالنسبة إلی الصورة المتحقّقة بشرط لا ؛ لعدم إمکان‏‎ ‎‏اتّحادها بها ، وبالنسبة إلی الصورة التی تستعدّ لتبدّلها إلیها لا بشرط شیء ؛ لإمکان‏‎ ‎‏تبدّلها بها .‏

مثلاً :‏ المادّة التی تبدّلت بصورة النواة وصارت فعلیتها متّحدة معها ترکیبهما‏‎ ‎‏اتّحادی ، بل إطلاق الاتّحاد أیضاً باعتبار ظرف التحلیل والتکثّر ، وإلاّ فبعد صیرورة‏‎ ‎‏القوّة النواتیة فعلیة لا تکون فی الخارج إلاّ فعلیتها ، والقوّة لیست بحدّها موجودة‏‎ ‎‏فیها ، وإن کانت الفعلیة واجدة لها وجدان کلّ کمال للضعیف .‏

‏والمادّة المستعدّة فی النواة لقبول صورة الشجر تکون منضمّة إلی الصورة‏‎ ‎‏النواتیة وترکیبهما انضمامی لا اتّحادی ، وتکون لا بشرط بالنسبة إلی الصورة‏‎ ‎‏الشجریة ؛ لإمکان اتّحادها بهما ، وبشرط لا بالنسبة إلی تلک الصورة الشخصیة‏‎ ‎‏النواتیة المتحقّقة ؛ لعدم إمکان اتّحادها معها .‏

فتحصّل :‏ أنّ فی النواة مادّة متّحدة ومادّة منضمّة ، ومأخذ الجنس والفصل‏‎ ‎‏والنوع هو الواقع المختلف بحسب نفس الأمر ، فلا یکون شیء من اعتبارات‏‎ ‎‏الماهیة لا فی باب الأجناس والفصول والموادّ والصور ، ولا فی باب الأقسام الثلاثة‏‎ ‎‏لها ؛ اعتباراً جزافاً وتلاعباً محضاً .‏

‏هذا ، ولکن تفصیل هذه المباحث یطلب من مقارّه وعند أهله . وقد مرّ ما‏‎ ‎‏ینفعک فی المقام فی بحث المشتقّ‏‎[6]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 267

  • ))      مخلوطة ، مطلقة ، مجرّدة               عند اعتبارات علیها واردة     شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 95 .
  • )) لمحات الاُصول : 337 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 492 ـ 494 .
  • )) شرح فصوص الحکم ، القیصری : 22 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 166 .