الفصل الاوّل فی تعریف المطلق و المقیّد

الفصل الاوّل فی تعریف المطلق والمقیّد

‏ ‏

‏عرّف المطلق بأنّه ما دلّ علی معنی شائع فی جنسه والمقیّد بخلافه ، وهذا‏‎ ‎‏التعریف وإن اشتهر بین الأعلام‏‎[1]‎‏ إلاّ أنّه یرد علیه اُمور :‏

منها :‏ أنّ الظاهر من هذا التعریف أنّ الإطلاق والتقیید من أوصاف اللفظ ، مع‏‎ ‎‏أنّهما من صفات المعنی ؛ ضرورة أنّ نفس الطبیعة التی جعلت موضوع الحکم قد‏‎ ‎‏تکون مطلقة وقد تکون متقیّدة .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الداعی لتعلّق الأحکام بعناوینها هو اشتمالها علی مصالح‏‎ ‎‏ومفاسد ملزمة أو غیر ملزمة ، وهی قد تترتّب علی نفس الطبیعة وقد تترتّب علی‏‎ ‎‏المقیّد بشیء ، فیصیر الموضوع مع قطع النظر عن اللفظ تارة مطلقاً واُخری مقیّداً .‏

‏بل مع قطع النظر عن الملاک یمکن تصویر الإطلاق والتقیید ؛ إذ الإنسان‏‎ ‎‏الأبیض مقیّد والإنسان مطلق ، مع قصر النظر علی المعنی بلا رعایة لفظ أو ملاک .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 257
ومنها :‏ أنّ الشیوع فی جنسه الذی جعل صفة المعنی یحتمل وجهین :‏

الأوّل :‏ أن یکون نفس الشیوع جزء مدلول اللفظ ، کما أنّ الذات جزء آخر ،‏‎ ‎‏فالمطلق یدلّ علی المعنی والشیوع .‏

ولکنّه‏ بعید غایته ، بل غیر صحیح ؛ إذ لا یدلّ أسماء الأجناس علی ذات‏‎ ‎‏الطبیعة ومفهوم الشیوع . کیف ، والمطلق ما لا قید فیه بالإضافة إلی کلّ قید یمکن‏‎ ‎‏تقییده به ، من غیر دلالة علی الخصوصیات والحالات وغیر ذلک .‏

الثانی :‏ أن یراد من الشیوع کونه لازماً لمعنیً بحسب الواقع ، لا جزء مدلول‏‎ ‎‏منه ؛ فالمطلق دالّ علی معنی لکن المعنی فی حدّ ذاته شائع فی جنسه ؛ أی‏‎ ‎‏مجانسـه وأفراده .‏

‏وعلیه : یصیر المراد مـن الشیوع فی الجنس هـو سریانه فی أفـراده الذاتیة ؛‏‎ ‎‏حتّی یصدق بوجـه أنّـه شائـع فی مجانسـه ، وإلاّ فالجنس بالمعنی المصطلح‏‎ ‎‏لا وجه له .‏

ولکنّه‏ یوجب خروج بعض المطلقات عن التعریف المزبور ، مثل إطلاق‏‎ ‎‏أفراد العموم فی قوله سبحانه : ‏‏«‏‏ ‏أوفُوا بِالعُقُودِ‏ ‏‏»‏‎[2]‎‏ ، وکذا الإطلاق فی الأعلام‏‎ ‎‏الشخصیة ، کما فی قوله تعالی : ‏‏«‏وَلیَطَّوَّفُوا بِالبَیْتِ العَتِیقِ‏»‏‎[3]‎‏ ، وکذا الإطلاق فی‏‎ ‎‏المعانی الحرفیة ، علی أنّه غیر مطّرد لدخول بعض المقیّدات فیه ، کالرقبة المؤمنة ؛‏‎ ‎‏فإنّه أیضاً شائع فی جنسه .‏

‏وما عن بعض أهل التحقیق فی إدراج الأعلام تحت التعریف المشهور مـن‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 258
‏أنّ المـراد سنخ الشیء المحفوظ فی ضمن قیود طارئـة ، سواء تحقّق بین‏‎ ‎‏وجـودات متعدّدة أو فی وجـود محفوظ فی ضمن الحالات المتبادلـة‏‎[4]‎‏ ، لا یخلو‏‎ ‎‏عن تعسّف بیّن .‏

فقد ظهر من هذا البیان عدّة اُمور :

‏الأوّل :‏‏ أنّ مصبّ الإطلاق أعمّ مـن الطبائع والأعلام الشخصیة ، وتجـد‏‎ ‎‏الثانی فـی أبواب الحـجّ کثیراً فی الطواف علی البیت واستلام الحجر والوقـوف‏‎ ‎‏بمنی والمشعر .‏

‏فما ربّما یقال : من أنّ المطلق هو اللابشرط المقسمی أو القسمی ، لیس‏‎ ‎‏بشیء ، وهناک قسم ثالث ؛ وهو الإطلاق الموجود فی ناحیة نفس الحکم ، کما تقدّم‏‎ ‎‏فی باب الواجب المشروط ، وتقدّم أنّ القیود بحسب نفس الأمر تختلف بالذات ،‏‎ ‎‏بعضها یرجع إلی الحکم ولا یعقل إرجاعها إلی المتعلّق ، وبعض آخر علی‏‎ ‎‏العکس‏‎[5]‎‏ ، وعرفت أنّ معانی الحروف قابلة للإطلاق والتقیید‏‎[6]‎‏ ؛ فمصبّ الإطلاق‏‎ ‎‏قد یکون فی الطبائع وقد یکون فی الأعلام وقد یکون فی الأحکام وقد یکون فی‏‎ ‎‏الأشخاص والأفراد .‏

الثانی :‏ أنّ الإطلاق والتقیید من الاُمور الإضافیة ، فیمکن أن یکون شیء‏‎ ‎‏مطلقاً ومقیّداً باعتبارین .‏

الثالث :‏ أنّ بین الإطلاق والتقیید شبه تقابل العدم والملکة ، فالمطلق ما‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 259
‏لا قید فیه ممّا شأنه أن یتقیّد بذلک ، وما لیس من شأنه التقیید لا یکون مطلقاً ، کما‏‎ ‎‏لا یکون مقیّداً . والتعبیر بشبه العدم والملکة لأجل أنّ التقابل الحقیقی منه ما إذا کان‏‎ ‎‏للشیء قوّة واستعداد یمکن له الخروج عن القوّة إلی مرتبة الفعلیة بحصول ما یستعدّ‏‎ ‎‏له ، والأمر هنا لیس کذلک .‏

الرابع :‏ أنّ مفاد الإطلاق غیر مفاد العموم ، وأنّه لا یستفاد منه السریان‏‎ ‎‏والشیوع ـ ولو بعد جریان مقدّمات الحکمة ـ بل الإطلاق لیس إلاّ الإرسال عن‏‎ ‎‏القید وعدم دخالته وهو غیر السریان والشیوع .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 260

  • )) معالم الدین : 150 ، قوانین الاُصول 1 : 321 / السطر16 ، الفصول الغرویة : 217 / السطر 36 .
  • )) المائدة (5) : 1 .
  • )) الحجّ (22) : 29 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 559 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 313 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 317 ـ 318 .