المقام الثانی‏: فی حاله إثباتاً

المقام الثانی : فی حاله إثباتاً

‏ ‏

‏فهناک صور وأقسام یختلف الحکم باختلافها :‏

منها :‏ ما إذا ذکر الاسم الظاهر فی الجملة الاُولی وعطف سائر الجمل علیها ؛‏‎ ‎‏مشتملاً علی الضمیر الراجـع إلیه ، واشتمل المستثنی أیضاً علـی الضمیر ، مثل‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 250
‏قولک : «أکرم العلماء وسلّم علیهم والبسهم إلاّ الفسّاق منهم» فالظاهر رجوع‏‎ ‎‏الاستثناء إلی الجمیع .‏

‏ووجهه : أنّ الضمائر کأسماء الإشارة وضعت لنفس الإشارة إلی الغائب ،‏‎ ‎‏فحینئذٍ إذا اشتمل المستثنی علی الضمیر یکون إشارة إلی شیء ؛ ولم یکن فی الجمل‏‎ ‎‏شیء صالح للإشارة إلیه إلاّ الاسم الظاهر المذکور فی صدرها .‏

‏وأمّا سائر الجمل فلا تصلح لإرجاع الضمیر إلیها ؛ لعدم إمکان عود الضمیر‏‎ ‎‏إلی الضمیر ، فإذا رجع ضمیر المستثنی إلی الاسم الظاهر یخرجه عن تحت جمیع‏‎ ‎‏الأحکام المتعلّقة به . ویؤیّده فهم العرف أیضاً .‏

وبالجملة :‏ أنّ الأحکام المتواردة علی الضمائر متواردة علی الاسم الظاهر‏‎ ‎‏حقیقة ؛ لکون عمل الضمائر هو نفس الإشارة إلی الغائب ، والمثال المذکور یؤول‏‎ ‎‏حقیقة إلی قولنا : «أضف وأکرم وسلّم العلماء» والاستثناء ورد علی هذا الظاهر ،‏‎ ‎‏والفسّاق مـن العلماء قد خرجـوا عـن موضوع الحکم ، فلا محالـة ینسلخ عنهم‏‎ ‎‏عامّة الأحکام .‏

‏فإن قلت : إنّ إخراج الفسّاق عن العلماء کما یمکن أن یکون بما لهم من‏‎ ‎‏حکم التکریم یمکن أن یکون بما لهم حکم التسلیم .‏

‏قلت : ما ذکرت تدقیق صناعی لا یتوجّه إلیه العرف الساذج ، وهو لا یفرّق‏‎ ‎‏بین حکم وحکم ، بعد التفاته إلی أنّ فسّاق العلماء خرجوا عن الموضوعیة للحکم ،‏‎ ‎‏بل ما ذکرنا بیانُ مناسبة لإرجاعه الاستثناء إلی الجمیع لا برهان علیه ، فتدبّر .‏

ومنها :‏ هذه الصورة أیضاً ، ولکنّ المستثنی غیر شامل للضمیر العائد إلی‏‎ ‎‏الاسم الظاهر ، کما إذا قال فی المثال المتقدّم : «إلاّ بنی فلان» والظاهر رجوع‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 251
‏الاستثناء إلی الجمیع أیضاً : أمّا علی القول بأنّ الضمیر فی مثله منوی فواضح ، وأمّا‏‎ ‎‏إذا لم نقل بتقدیره فیه فلأنّ الضمائر فی سائر الجمل غیر صالحة لتعلّق الاستثناء‏‎ ‎‏بها ؛ فإنّها بنفسها غیر محکومة بشیء ، فلا محالة یرجع إلی ما هو صالح له ، وهو‏‎ ‎‏الاسم الظاهر ، ویأتی فیها ما تقدّم من البیان ، فتذکّر .‏

ومنها :‏ ما إذا تکرّر الاسم الظاهر ، کما لو قال : «أکرم العلماء وأضف التجّار‏‎ ‎‏والبس الفقراء إلاّ الفسّاق منهم» .‏

‏والحقّ : أنّه محتمل غیر ظاهر فی رجوعه إلی الجمیع أو الأخیر فقط .‏

‏وربّما یقال : بأنّ الظاهر رجوعه إلی الأخیرة ؛ لأنّ تکرار عقد الوضع فی‏‎ ‎‏الجملة الأخیرة مستقلاًّ یوجب أخذ الاستثناء محلّه من الکلام‏‎[1]‎‏ .‏

‏وأنت خبیر : بأنّ ذلک لا یرجع إلی محصّل ، بل التحقیق أنّ المستثنی إن‏‎ ‎‏اشتمل علی الضمیر یکون الاستثناء تابعاً له فی السعة والضیق ، وبما أنّ کلّ جملة‏‎ ‎‏مشتملة علی الاسم الظاهر یکون الضمیر قابلاً للعود إلی الأخیرة والجمیع ، من غیر‏‎ ‎‏تأوّل ولا تجوّز ویتبعه الاستثناء . ولو لم یشتمل فیحتمل الأمرین ؛ لانطباق عنوان‏‎ ‎‏المستثنی علی الجمیع .‏

‏هذا ، ولو لم نقل بأنّ رجوع الضمیر وانطباق العنوان علی الجمیع أظهر لدی‏‎ ‎‏العرف فلا أقلّ من المساواة احتمالاً .‏

ومنها :‏ ما إذا اشتمل بعض الجمل المتوسّطة علی الاسم الظاهر أیضاً وما‏‎ ‎‏بعدها علی الضمیر الراجع إلیه ، مثل قولک : «أکرم العلماء وسلّم علیهم ، وأضف‏‎ ‎‏التجّار وأکرمهم إلاّ الفسّاق منهم» ، فیحتمل الرجوع إلی الجملة المتوسّطة المشتملة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 252
‏علی الاسم الظاهر وما بعده أو إلی الجمیع ، والظاهر عدم الترجیح بینهما .‏

‏وبقی هنا صور اُخری ، یظهر حالها ممّا قدّمناه .‏

ثمّ‏ إنّه إذا لم یظهر رجوعه إلی الجمیع أو الأخیرة ـ بعد الیقین بأنّ الأخیرة من‏‎ ‎‏الجمل مخصّصة قطعاً ؛ لأنّ عودها إلی غیرها وصرفه عنها خلاف قانون المحاورة ـ‏‎ ‎‏ربّما یقال بجواز التمسّک بأصالة العموم فی سائر الجمل مطلقاً ، وربّما یفصّل بین‏‎ ‎‏احتیاج العموم إلی مقدّمات الحکمة وعدمه ، فلا یتمسّک فی الأوّل دون الثانی .‏

ولکن الحقّ :‏ عدم جواز التمسّک بأصالة العموم مطلقاً ؛ لعدم إحراز بناء‏‎ ‎‏العقلاء علی العمل بها فیما حفّ الکلام بما یصلح للقرینیة ، وتقیید مدخول أداة‏‎ ‎‏العموم ، فأصالة العموم بما هی حجّة وکاشفة عن تطابق الإرادتین لم تحرز فی‏‎ ‎‏المقام ، فحینئذٍ یصیر الکلام مجملاً .‏

وما قیل :‏ إنّ ذلک مخلّ بغرض المتکلّم‏‎[2]‎‏ مدفوع بإمکان تعلّق غرضه بإلقاء‏‎ ‎‏المجملات ، وإلاّ لوجب عدم صدور المتشابهات والمجملات منه ، وهو کما تری .‏

‏وما قیل : إنّه لا قصور فی الأخذ بإطلاق الاستثناء والمستثنی لولا کون ظهور‏‎ ‎‏العامّ وضعیاً ووارداً علی الإطلاق ، ومعه لا مجال لقرینیة الإطلاق ؛ لأنّه دوری ، نعم‏‎ ‎‏لو کان العامّ فی دلالته علی العموم بمؤونة الإطلاق لم یکن وجه للتقدیم‏‎[3]‎‏ .‏

فیلاحظ علیه:‏ أمّا أوّلاً، فلأنّ ظاهر کلامه أنّ أرکان الإطلاق تامّ فی جانب‏‎ ‎‏المستثنی، لکن ظهور العامّ الوضعی ـ أی المستثنی منه ـ وارد علی الإطلاق وإلاّ‏‎ ‎‏فالإطلاق تامّ الأرکان، فنقول: إنّ هذا یستلزم الدور. ‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 253
‏إذ من جانب ، إنّ تمامیة الإطلاق فی جانب الاستثناء یتوقّف علی تعیّن‏‎ ‎‏مرجع الضمیر قبل انعقاد الإطلاق بإرجاعه إلی الجمیع، إذ لو رجع إلی الجملة‏‎ ‎‏الأخیرة لا یبقی موضوع للإطلاق فی المستثنی.‏

‏ومن جانب ، إنّ المفروض أنّ أرکان الإطلاق فی المستثنی تامّ ومعناه أنّ‏‎ ‎‏الإطلاق مشخّص لمرجع الضمیر. فینتج أنّ الإطلاق یتوقف علی تشخّص مرجع‏‎ ‎‏الضمیر قبله ، والمفروض أنّه یتشخّص بالإطلاق.‏

‏وثانیاً : أنّ العموم وإن کان وضعیاً ولا یحتاج إلی مقدّمات الحکمة لکن لا‏‎ ‎‏یحتجّ به بمجرّده ما لم یحرز بالأصل العقلائی أنّ الجدّ مطابق للاستعمال ، وقد‏‎ ‎‏عرفت عدم إحراز بناء العقلاء علی التمسّک به فی مثل الکلام المحفوف بما یصلح‏‎ ‎‏لتقیید ما دخله أداة العموم‏‎[4]‎‏ .‏

‏هذا ، وکذا الکلام فیما لم یکن المستثنی مشتملاً علی الضمیر ؛ سواء قلنا إنّ‏‎ ‎‏الضمیر منوی أم لا ؛ لعدم کون أصالة الجدّ محرزة .‏

‏وبقیت هاهنا أبحاث طفیفة لا یهمّنا التعرّض لها .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 254

  • )) أجود التقریرات 1 : 497 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 497 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 477 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 180 ـ 181 .