المقام الثانی : فی المفهوم المخالف
وظاهر عناوین القوم یعطی أنّ النزاع فیما إذا فرغنا عـن اشتمال القضیـة علی المفهوم ، کما فرغنا عن وجود عامّ مخالف للمفهوم ؛ سواء کان النسبة بینهما عموماً وخصوصاً مطلقاً ، نحو قولک : «أکرم العلماء وإذا جاءک زید لا تهن فسّاق العلماء» ، أم کانت عموماً مـن وجـه ، کما إذا قلت : «أکرم العلماء وإن جاءک زیـد أکرم الفسّاق» .
ولعلّ جعل محطّ البحث أعمّ لأجل أنّ أقوائیة عموم العامّ یضعّف ظهور
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 242
اشتمال القضیة علی المفهوم ؛ وإن کان المفهوم أخصّ مطلق منه ، وهذا لا ینافی اشتمال القضیة فی حدّ ذاتها علی المفهوم .
هذا ، ویظهر من شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ وبعض الأساطین : أنّ البحث هنا عند القدماء هو البحث فی باب الإطلاق والتقیید ، والکلام فی تخصیص العامّ بالمفهوم مرجعه عندهم إلی تقیید العامّ بالقید المذکور فی القضیة ومثّل له بقوله علیه السلام : «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شیء» ، وقوله علیه السلام : «إذا بلغ الماء قدر کرّ لا ینجّسه شیء» ؛ فإنّ الأوّل یدلّ علی أنّ تمام الموضوع للاعتصام هو نفس الماء ، ودلّ الثانی علی أنّ للکرّیة دخلاً فیه ، فآل التعارض إلی تعارض الإطلاق والتقیید ، فیحکّم القید علی الإطلاق .
ولکن هذا خروج عن عنوان البحث الدائر بلا دلیل . وکیف کان فالنسبة بینهما : تارة تکون عموماً مطلقاً ، واُخری عموماً من وجه .
وعلی أیّ تقدیر : ربّما یقعان فی کلام واحد متّصل ، وقد یقعان فی کلامین منفصلین .
وخلاصة الکلام : هو أنّ النزاع فی تقدیم العامّ علی المفهوم المخالف أو فی عکسه إنّما هو إذا لم یعارض العامّ نفس المنطوق .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 243
فحینئذٍ : إذا کانت دلالة القضیة علی المفهوم بالدلالة الوضعیة مثل دلالة العامّ علی عمومه فلا محالة یقع التعارض بین الظاهرین ، فمع عدم الترجیح یرجع إلی أخبار العلاج أو یحکم بالإجمال ، من غیر فرق بین کونهما فی کلام واحد أو کلامین ؛ وإن کانت استفادة المفهوم بمقدّمات الحکمة .
فلو کانا فی کلام واحد فلا محیص عن رفع الید عن المفهوم ؛ لانثلام مقدّماتها ؛ فإنّ جریانها معلّق علی عدم البیان ، والظهور المنجّز ـ أعنی العامّ ـ بیان له أو صالح للبیانیة ، ولو کانا منفصلین یصیران متعارضین ، ولا ترجیح للظهور الوضعی علی الإطلاقی فی مثله .
هذا کلّه علی المختار من کون دلالة اللفظ علی العموم وضعیة ، ولا یستفاد العموم من الإطلاق .
ولو قلنا بإمکان استفادة العموم من الإطلاق أیضاً ، وفرضنا دلالة القضیة علی المفهوم أیضاً بالإطلاق فهل المرجع هو التساقط والإجمال ـ وقعا فی کلام واحد أو لا ـ أو یقدّم المفهوم علی العامّ ؟ وجهان :
والمختار عند بعضهم هو الثانی ؛ حیث قال : إنّ المناط فی المفهوم أن یکون التقیـید راجعاً إلی الحکم لا إلی الموضوع ، والقضیة الشرطیة بعد ما کانت ظاهرة فی کون القید راجعاً إلی الحکم ـ لأنّها وضعت لتقیید جملة بجملـة ـ تکون حاکمـة علی مقدّمات الحکمة ، فظهورها فی المفهوم یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة فی العامّ .
وکون القضیة ذات مفهوم وإن کانت بمقدّمات الحکمة إلاّ أنّ المقدّمات الجاریة فی طرف المفهوم تکون بمنزلة القرینة علی أنّ المراد من العامّ هو الخاصّ ، والعامّ لا یصلح أن یکون قرینة علی أنّ الشرطیة سیقت لفرض وجود الموضوع ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 244
فلابدّ فیه من دلیل یدلّ علیه . هذا إذا کان المفهوم أخصّ مطلقاً ، انتهی .
وفیه : أنّ إناطة الجزاء بالشرط وإن کانت مستفادة من الوضع إلاّ أنّها لیست مناط استفادة المفهوم ، بل مناطه هو استفادة العلّة المنحصرة من الشرط ، والمفروض أنّ الدالّ علیها هو الإطلاق ، کما أنّ الدالّ علیه أیضاً هو الإطلاق ، فلا وجه لجعل أحدهما بیاناً للآخر .
وجریان مقدّمات الحکمة فی العامّ لا یوجب رجوع القید إلی الموضوع ؛ حتّی یقال : إنّه لا یصلح لذلک ، بل یمنع عن جریانها فی الشرطیة لإثبات الانحصار .
وما ذکره : من أنّ جریانها فی المفهوم بمنزلة القرینة للعامّ لا یرجع إلی محصّل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 245
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 246