الفصل الخامس فی تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده
إذا تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده هل یوجب ذلک تخصیصه به أو لا ؟
وهذا التعبیر لا یخلو من مسامحة ؛ لأنّ عود الضمیر إلی بعضها لیس مفروغاً عنه ، بل المسلّم کون الحکم فی مورد الضمیر یختصّ ببعض الأفراد جدّاً ، لا أنّ الضمیر یرجع إلی بعضها .
والأولی أن یقال : إنّ تخصیص الضمیر بدلیل متّصل أو منفصل هل یوجب تخصیص المرجع العامّ أو لا ؟
ثمّ إنّ الظاهر من الشیخ الأعظم قدس سره : أنّ محطّ البحث ما إذا کان الحکم الثابت للضمیر مغایراً للثابت لنفس المرجع ؛ سواء کانا فی کلام واحد کما إذا قال «أکرم العلماء وخدّامهم» وعلم من الخارج أنّ المراد هو عدول الخدّام ، وقد یکون فی کلامین کما فی الآیة الشریفة ، وسواء کان الحکمان من سنخ واحد کالمثال الأوّل ، أو لا کالآیة الشریفة . وأمّا إذا کان الحکم واحداً مثل قوله تعالی : «وَالمُطَلَّقاتُ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 233
یَتَرَبَّصنَ» ؛ حیث إنّ حکم التربّص لیس لجمیعهنّ فلا نزاع ، انتهی .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ الحقّ هو التفصیل بینما إذا دلّ دلیل منفصل علی أنّ الحکم غیر عامّ لجمیع أفراد المرجع ؛ بحیث لولا هذا الدلیل المنفصل لکنّا حاکمین علی التطابق بین العامّ ومفاد الضمیر بحسب الجدّ ، کما فی الآیة ؛ فإنّ السنّة دلّت علی أنّ حقّ الرجوع لیس إلاّ للرجعیات دون غیرها ، وبینما إذا علم ذلک بقرینة عقلیة أو لفظیة حافّة بالکلام ، مثل قوله «أهن الفسّاق واقتلهم» ؛ حیث علم المتکلّم بضرورة الشرع أنّ مطلق الفسّاق لا یجوز قتلهم ، فکیف وجوبه ! فالحکم مخصوص بالمرتدّ أو الحربی ، فهی قرینة متّصلة أو تشبهها .
هذا ، ویحتمل أن یکون النزاع مخصوصاً بالأوّل ، کما یشعر به التمثیل ، وظاهر کلام المحقّق الخراسانی فی ذیله یشهد علی التعمیم .
وخلاصة التفصیل بینهما : هو أنّه یوجب الإجمال فی الثانی دون الأوّل ، وتوضیحه : أنّ الأمر فی الأوّل دائر بین تخصیص واحد وأزید ، ولا ریب أنّ الأوّل هـو المتعیّن ؛ إذ الدلیل المنفصل دلّ علی أنّ الحکم فی ناحیـة الضمیر مختصّ ببعض أفراد المرجع بحسب الجدّ ، وهو لا یوجب تخصیص المرجع واختصاص حکمه ببعض أفراده جدّاً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 234
وبالجملة : کلّ من الضمیر فی قوله تعالی : «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» وکذلک المرجع قد استعملا فی معانیهما ؛ بمعنی أنّه اُطلق «المطلّقات» واُرید منها جمیعها ، واُطلق لفظة «بردّهنّ» واُرید منها تمام أفراد المرجع ، ثمّ دلّ الدلیل علی أنّ الإرادة الاستعمالیة فی ناحیة الضمیر لا توافق الإرادة الجدّیة ، فخصّص بالبائنات وبقیت الرجعیات بحسب الجدّ .
وحینئذٍ : لا معنی لرفع الید عن ظهور المرجع لکون المخصّص لا یزاحم سوی الضمیر دون مرجعه ، فرفع الید عنه رفع عن الحجّة بلا حجّة .
وبما ذکرنا یظهر : ضعف ما یظهر فی بعض الکلمات من أنّ الأمر دائر بین تخصیص المرجع والاستخدام فی الضمیر ؛ لأنّ ذلک یخالف ما علیه المحقّقون من المتأخّرین من أنّ التخصیص لا یوجب مجازیة المخصّص ـ بالفتح ـ فالضمیر لم یستعمل إلاّ فی الإشارة إلی تمام أفراد المرجع ، والتخصیص وارد علی الإرادة الجدّیة ، وأنّه لا یوجب التصرّف فی ظهور العامّ .
أضف إلی ذلک : أنّ حدیث الاستخدام والمجازیة فی الإسناد أو اللفظ ـ لو صحّ فی العمومات ـ فهو غیر صحیح فی المقام ؛ لأنّ الضمائر کما تقدّم وضعت لنفس الإشارة الخارجیة ، فلابدّ لها من مشار إلیه ، وهو هنا مفقود ؛ لأنّ المذکور
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 235
هو «المطلّقات» وهی لیست مشاراً إلیها ، وما هو المشار إلیه ـ أعنی «الرجعیات» ـ فغیر مذکورة ، فکیف یشار بالضمیر إلیها ؟ والقول بمعهودیتها کما تری .
هذا ، کما أنّ المجـاز علی تفصیل قد عرفته متقوّم بالادّعاء ، وهو لا یناسب هذه المقامات ؛ إذ لیس المقام مقام مبالغة حتّی یدّعی أنّ الرجعیات تمام المطلّقات ، فالبحث عن الاستخدام والمجاز وتخصیص المرجع وبیان الترجیح بینها ساقط من أصله .
وما فی کلام المحقّق الخراسانی فی وجه الترجیح من أنّ أصالة العموم حجّة إذا شکّ فی أصل المراد ، لا فیما إذا شکّ فی أنّـه کیف أراد ، وإن کان متیناً فی نفسه إلاّ أنّه أجنبی عن المقام ؛ إذ الشکّ هنا فی أصل المراد ؛ لأنّا نشکّ فی أنّ تخصیص الضمیر هل یوجب تخصیص المرجع أو لا ؟ وقد اعترف قدس سره بجریانها فی هذه الموارد ، علی أنّ الدوران علی فرضه قدس سره بین الظهور السیاقی والتخصیص ، فراجع تمام کلامه .
وأمّا الإجمال فی القسم الثانی : فلأنّ المخصّص ـ بالفتح ـ من أوّل الإلقاء محفوف بما یصلح أن یکون قرینة علی تخصیصه ، فلا یجری التمسّک بالأصل ؛ لعدم إحراز بناء العقلاء بالعمل بهذه الاُصول وإجراء التطابق بین الإرادتین فی مثل ما حفّ الکلام بما یصلح للاعتماد علیه ، فصحّة الاحتجاج بمثل «أهن الفسّاق واقتلهم» علی وجوب إهانة الفسّاق من غیر الکفّار مشکلة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 236