التنبیه الخامس فی التمسّک بأصالة العموم لکشف حال الفرد

التنبیه الخامس فی التمسّک بأصالة العموم لکشف حال الفرد

‏ ‏

‏إذا دار الأمر بین التخصیص والتخصّص فهل یمکن التمسّک بأصالة العموم‏‎ ‎‏لکشف حال الفرد ، وأنّ حرمة إکرامه لأجل کونه غیر عالم ، لا لخروجه عن حکم‏‎ ‎‏العلماء مع کونه داخلاً فیهم موضوعاً ؟‏

ربّما یقال :‏ بجواز التمسّک ، وهو ظاهر کلام الشیخ الأعظم أیضاً فی باب‏‎ ‎‏الاستنجاء لإثبات طهارة مائه ؛ متمسّکاً بأصالة عموم کلّ نجس منجّس ، والمفروض‏‎ ‎‏أنّ ماء الاستنجاء لیس بمنجّس ، فهو لیس بنجس ، وإلاّ لزم التخصیص‏‎[1]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 205
‏وربّما یتمسّک به لإثبات أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحیح بطریق عکس‏‎ ‎‏النقیض ، بدعوی أنّ الصلاة تنهی عن الفحشاء والمنکر ، وأنّ ما لا تنهی عن‏‎ ‎‏الفحشاء لیست بصلاة ؛ لأصالة عموم الدلیل‏‎[2]‎‏ .‏

ولکن الحقّ :‏ عدم صحّته ؛ لأنّ المتیقّن من حجّیة تلک الاُصول وجریانها إنّما‏‎ ‎‏هو إذا جعلت عبرة لتشخیص المراد مع الشکّ فیه لا فی مثل المقام ، فلو علمنا مراد‏‎ ‎‏المتکلّم وعلمنا أنّ زیداً عنده محرّم الإکرام ، وشککنا فی أنّ خروجه من العامّ أهو‏‎ ‎‏بنحو التخصّص أو التخصیص فلا أصل عند العقلاء لإثباته ، وهذا نظیر أصالة‏‎ ‎‏الحقیقة الجاریة لکشف المراد لا لکشف الوضع بعد العلم بالمراد .‏

‏والسرّ فیه : أنّ هذه الاُصول للاحتجاج بین العبید والموالی ، لا لکشف حال‏‎ ‎‏الوضع والاستعمال مطلقاً .‏

وأمّـا‏ ما قرّره بعض أهل التحقیق ـ مؤیّداً مقالة اُستاذه المحقّق‏‎ ‎‏الخراسانی‏‎[3]‎‏ ـ من أنّ أصالة العموم وإن کانت حجّة لکنّها غیر قابلة لإثبات‏‎ ‎‏اللوازم ، ومثبتات هذا الأصل کسائر الاُصول المثبتـة فی عدم الحجّیة ، مع کونه‏‎ ‎‏أمارة فی نفسه ، فلا مجال للتمسّک بعکس نقیض القضیة الذی یعدّ من لوازم‏‎ ‎‏الموجبة الکلّیة عقلاً ؛ لأنّ ذلک اللازم إنّما یترتّب فی فرض حجّیة أصالة العموم‏‎ ‎‏لإثبات لازم المدلول .‏

‏ووجه التفکیک بین اللازم والملزوم عدم نظر العموم إلی تعیین صغری‏‎ ‎‏الحکم ؛ نفیاً وإثباتاً ، وإنّما نظره إلی إثبات الکبری ، کما هو المبنی فی عدم جواز‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 206
‏التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، وما نحن فیه أیضاً مبنی علی هذه الجهة‏‎[4]‎‏ ،‏‎ ‎‏انتهی بأدنی تصرّف وتوضیح .‏

قلت :‏ إنّ عکس النقیض لازم لکون الکبری حکماً کلّیاً ، ولا یلزم أن یکون‏‎ ‎‏العامّ ناظراً إلی تعیین الصغری فی لزومه له ، فلو سلّم أنّ أصالة العموم جاریة وأنّها‏‎ ‎‏کالأمارات بالنسبة إلی لوازمها فلا مجال لإنکار حجّیتها بالنسبة إلی لازمها الذی لا‏‎ ‎‏ینفکّ عنها .‏

‏فلا یصحّ أن یقال : إنّ العقلاء یحکمون بأنّ کلّ فرد محکوم بحکم العامّ‏‎ ‎‏واقعاً ، ومعه یحتمل عندهم أن یکون فرد منه غیر محکوم بحکمه ، إلاّ أن یلتزم‏‎ ‎‏بأنّها أصل تعبّدی لا أمارة ، وهو خلاف مفروضه .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 207

  • )) الطهارة ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 1 : 346 ، مطارح الأنظار : 196 / السطر12 .
  • )) کفایة الاُصول : 45 .
  • )) نفس المصدر : 264 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 450 ـ 451 .