الثانیة : فی بیان ما یوجب کون الکلام محتملاً للصدق والکذب ومناطهما
وفیها نتعرّض لأمرین :
الأوّل : بیان ما هـو مناط احتمال الصدق والکذب ، ومـا یوجب کـون الکلام محتملاً لهما :
فنقول : إنّ المناط فی ذلک هو الحکایة التصدیقیة لا التصوّریة ؛ سواء تعلّقت بالهوهویة إثباتاً ونفیاً أم بالکون الرابط کذلک .
توضیحه : أنّ الحکایة التصدیقیة التی تفید فائدة تامّة :
تارة : تتعلّق بالهوهویة وأنّ هذا ذاک تصدیقاً ، أو سلب الهوهویة ونفی أنّ هـذا ذاک بنحو التصدیق .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 193
واُخری : تتعلّق بالکون الرابط بنحو الإثبات ، نحو «زید له البیاض» ، أو «زید فی الدار» ، أو بنحو النفی ، نحو «لیس زید فی الدار» ، فالمناط فی احتمال الصدق والکذب هذه الحکایة . وأمّا إذا خلی الکلام عن تلک الحکایة التصدیقیة فینتفی مناط الاحتمال ؛ سواء دلّ علی الاتّحاد التصوّری نحو زید العالم ، أو علی النسبة التصوّریة کما فی الإضافات .
الثانی من الأمرین : بیان مناط صدق القضایا وکذبها :
فنقول : لیس مناطه ما دارج بینهم من تطابق النسبة الکلامیة مع النسبة الواقعیة ؛ ضرورة عدم إمکان اشتمال الحملیات غیر المأوّلة علی النسبة مطلقاً ، وکذا السوالب من المأوّلة مع وجود الصدق والکذب فیهما ، بل مناطه هو مطابقة الحکایة لنفس الأمر وعدمها .
فلابدّ أن یلاحظ الواقع بمراتبه وعرضه العریض ؛ فإن طابق المحکی فهو صادق وإلاّ فهو کاذب . فقولنا : «الله تعالی موجود» صادق وقولنا : «الله تعالی له الوجود» کاذب ؛ فإنّ الأوّل یحکی حکایة تصدیقیة عن الهوهویة بینهما ، والمحکی أیضاً کذلک ، والثانی یحکی تصدیقاً عن عروض الوجود ونفس الأمر علی خلافه .
وأمّا السوالب : فبما أنّها لیس للأعدام مصداق واقعی فمناط الصدق والکذب مطابقة الحکایة التصدیقیة لنفس الأمر ؛ بمعنی لزوم کون الحکایة عن سلب الهوهویة أو سلب الکون الرابط مطابقاً للواقع ، لا بمعنی أنّ لمحکیها نحو واقعیة بحسب نفس الأمر ؛ ضرورة عدم واقعیة للأعدام ، بل بمعنی خلوّ صحیفة الوجود عن الهوهویة والنسبة وعدم وجود لواحد منهما فی مراتب نفس الأمر .
فعدم مصداق واقعی للهوهویة والنسبة مناط لصدقها ، واشتمال الوجود علی واحد منها مناط کذب ما یدلّ علی نفیه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 194
فلو قلت : «لیس شریک البارئ بموجود» لکان صادقاً ؛ لخلوّ صحیفة الوجود عنه ، والمفروض أنّ الحکایة عن خلوّه عنه . فالحکایة مطابقة لنفس الأمر . ولو قلت «شریک البارئ غیر موجود» أو «لا موجود» بنحو الإیجاب العدولی لصار کاذباً ؛ لأنّ الموجبة ـ محصّلة کانت أو معدولة ـ تحتاج فی صدقها إلی وجود موضوع فی ظرف الإخبار ، وهو هنا مفقود ، إلاّ أن یؤوّل بالسالبة المحصّلة . کما أنّه لا محیص عن التأویل فی قولنا «شریک البارئ معدوم» أو «ممتنع» .
وأمّا مناط الصدق والکذب فی لوازم الماهیة فلیس معناه أنّ لکلّ من اللازم والملزوم محصّلاً مع قطع النظر عن الوجود ، بل معناه أنّ الإنسان عند تصوّر الأربعة یجد معه فی تلک المرتبة زوجیتها ، مع الغفلة عن وجود الأربعة فی الذهن ، ویری بینهما التلازم مع الغفلة عن التحصّل الذهنی ، فیستکشف من ذلک أنّ الوجود الذهنی دخیل فی ظهور الملازمة ، لا فی لزومها حتّی یکون من قبیل لازم الوجودین .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 195